ملخص
صباح اليوم، أغلقت جميع المخابز في غزة أبوابها، وأوقفت صنع الأرغفة التي تشبع الجائعين في غزة، إذ أوقف برنامج الأغذية العالمي تزويد هذه الأفران بالدقيق والسكر والملح والخميرة والديزل، بعدما نفد مخزون تلك السلع من مستودعاته.
على باب المخبز يدق ناهض بيده وينادي "أمانة، أريد ربطة خبز لأطعم صغاري" يكرر استغاثته ويده تضرب باب الفرن بقوة، لا أحد يجيب من الداخل، فالمخبز أغلق أبوابه أمام الجائعين بعد أن نفد الطحين داخل قطاع غزة.
يئس ناهض وأدار ظهره إلى باب المخبز ونزل رويداً رويداً حتى جلس على قدميه، يقول "كل يوم معاناة جديدة داخل قطاع غزة، منذ 18 شهراً نعيش ويلات، مرة قصفاً وتارة جوعاً ومرة أخرى أزمة طحين، تعبت من هذه الحياة، وأتمنى الموت حقاً".
إغلاق المخابز
صباح اليوم أغلقت جميع المخابز في غزة أبوابها، وتوقف صنع الأرغفة التي تشبع الجائعين في غزة، إذ أوقف برنامج الأغذية العالمي تزويد هذه الأفران بالدقيق والسكر والملح والخميرة والديزل، بعد أن نفد مخزون تلك السلع من مستودعاته.
جائعٌ ناهض كما أطفاله، أخذ الأب يتجول في شوارع غزة يبحث عن فرن بلدي يعمل على صناعة الخبز وبيعه، لكن جميع المخابز التي تعمل على نفقتها الخاصة بعيداً من دعم برنامج الأغذية العالمي هي الأخرى توقفت عن العمل.
صرخ ناهض بصوت عال "جوعان، أطفالي جوعى، نريد خبزاً"، ثم تماسك نفسه وغادر إلى خيمته البالية التي يعيش فيها يبحث بين معلبات الطعام عن أي غذاء لصغاره يسد به قرقعة بطونهم الخاوية، التي تتضور ألماً من قلة الغذاء.
أمر مرعب
يقول رئيس جمعية أصحاب المخابز عبدالناصر العجرمي "جميع المخابز توقفت عن العمل، ونفدت كميات الدقيق والسكر والملح والخميرة والديزل، جراء الإغلاق الإسرائيلي للمعابر وفرض تل أبيب حصاراً مطبقاً على غزة".
يعرف العجرمي أن إغلاق المخابز أمر مرعب، ويضيف "آلاف العائلات لن تجد رغيف الخبز على موائدها، الكارثة تتفاقم يوماً بعد آخر ولا نستطيع تشغيل المخابز دون توافر الدقيق والوقود. وهذه الأزمة ليست فقط أزمة مخابز بل أزمة حياة لمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعتمدون على الخبز كغذاء رئيس".
خنق غزة بالحصار
خلال الثاني من مارس (آذار) الماضي أغلقت إسرائيل جميع معابر غزة، وعقب على ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً "لن أسمح بدخول جميع البضائع والإمدادات إلى غزة قبل أن تفرج ’حماس‘ عن جميع الرهائن الذين لا تزال تحتجزهم".
ومنذ 33 يوماً تعيش غزة حصاراً، وخلال تلك الأيام لم تسمح تل أبيب بإدخال لقمة غذاء واحدة للسكان في غزة ولا حتى قطرة ماء، إذ شمل الإغلاق الكامل إيقاف إمداد غزة بالمساعدات الإنسانية والبضائع التجارية.
لا مخزون من الغذاء
طول فترة الإغلاق فاقمت الأوضاع الغذائية في غزة، إذ أكل السكان ما لديهم من طعام خلال تلك الفترة. ويقول متحدث الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك "وزع برنامج الأغذية العالمي جميع حصص الطعام المتاحة، وللأسف لا يوجد مخزون آخر لتوزيعه على الأسر".
ويضيف "إغلاق المخابز يعني جوعاً لا محدود وندرك مدى صعوبة هذا الوضع بالنسبة للغزيين، ونبذل قصارى جهدنا لتوفير المساعدات الغذائية الأساس للمجتمع، وندعو إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة".
ويحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 306 آلاف كيلوغرام من دقيق القمح يومياً لتشغيل 25 مخبزاً فحسب، ويحتاج أيضاً إلى كميات من السكر والزيت والديزل لصناعة الخبز، وهذه الكمية تطعم نحو 1.2 مليون فرد في غزة.
ولإطعام جميع السكان في غزة الذين انخفض عددهم بسبب قتلهم خلال الحرب إلى 2.1 مليون نسمة، تحتاج غزة إلى 666 ألف كيلوغرام من دقيق القمح يومياً، إذ باقي السكان الذين لا يستفيدون من مخابز برنامج الأغذية العالمي يضطرون إلى صنع الأرغفة إما في أفران بلدية أو في بيوتهم.
سعر الطحين 210 دولارات
اختصرت غدير وجع البحث عن أرغفة الخبز وقررت شراء الطحين، وفي السوق وجدت الكيس الذي يزن 25 كيلوغراماً بسعر 210 دولارات، شهقت أنفاسها وأخذت تصرخ على البائع "حتى الطحين ارتفع ثمنه، هذا هراء، هذه ليست حياة، الأفضل نموت جوعاً".
لا يقوى 90 في المئة من سكان غزة على شراء الطحين بسعر 210 دولارات، فهذا مبلغ قد لا يتوافر في جيوب الغزيين. وتضيف غدير "بعد شراء الدقيق نحتاج لغذاء نغمسه فيه، وهذا الطعام نشتريه بأموال مضاعفة، نحن نمر بفترة صعبة".
وعلى حديث الغزيين عن الغذاء فإن الطعام لم يعد متوافراً داخل أسواق غزة. فاتن بعد أن تجولت في السوق أكثر من مرة تقول "لا تتوافر المعلبات في الأسواق، أبحث عن أي شيء أطعمه لصغاري، علب الفول والحمص غير موجودة في الأسواق وهذه أبسط أنواع الطعام ومفقودة، هذا عذاب لا يتحمله البشر".
الخضراوات أزمة مركبة
فكرت غدير في شراء الخضراوات التي تتوافر بالحد الأدنى في الأسواق لكن أسعارها المرتفعة حالت دون ذلك. وتوضح أنها لا تقوى على شراء كيلوغرام واحد من الطماطم بقيمة سبعة دولارات، ولا كيلوغرام واحد من البطاطا بقيمة 12 دولاراً".
على رغم حصار غزة على مدار الأيام الماضية، فإن أسعار الخضراوات كانت مقبولة داخل القطاع، لكن بعد بدء العملية العسكرية البرية الإسرائيلية ارتفع ثمن الخضراوات كثيراً وبالكاد تتوافر في الأسواق.
يقول المزراع يسري "بدأت إسرائيل اجتياح مناطق السلة الغذائية، إذ أمرت بإخلاء رفح وأجزاء من خان يونس جنوباً، وهذه الأراضي هي التي تزرع في غزة وتوفر محصول الغذاء للسكان، ولكن مع توغل الجيش أصبح الوصول إلى تلك الأراضي صعباً".
خلال فترة وقف إطلاق النار داخل غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي زرع الفلاحون الأراضي الخصبة بالخضراوات، لكن مع تجدد العمليات البرية قيَّد الجيش الوصول إلى تلك الأراضي وجرف بعضها، وهذا ما زاد أزمة الجوع.
التجويع سلاح
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة "توقف المخابز ونفاد الدقيق والسكر والملح والخميرة والديزل إلى جانب محدودية المعلبات والخضراوات، أزمات متلاحقة تضاعف من حقيقة انتشار الجوع في القطاع".
ويضيف الثوابتة "التجويع أصبح سلاحاً مباشراً في الحرب الوحشية، أزمة الخبز في قطاع غزة لم تعد تتعلق فقط بوفرة الدقيق بل في تفشي الجوع بين السكان، هذا خطر وعلى المجتمع الدولي عدم السماح لتل أبيب باستمرار الحصار".
وفي الواقع، هذه المرة الثانية التي يعاني خلالها سكان غزة الجوع، بسبب القيود المشددة التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات، وفي المرة الأولى اضطر السكان لتناول بدائل كأعلاف الحيوانات والحشائش وتقليص الوجبات اليومية وكميتها.
نفي إسرائيلي
بعد تعثر الحصول على رغيف الخبز والخضراوات وحتى المعلبات، اضطرت ريم للذهاب إلى التكية التي توزع الطعام مجاناً، لكن وجدت مكانها رماداً وحجارة متناثرة وبقايا طعام مسكوب على الأرض، وعندما سألت عما حدث أجابها الطاهي رجب قائلاً "قصفت إسرائيل مكان إعداد الطعام، قصفت التكية كما فعلت مع عشرات نقاط توزيع الأكل والتكيات".
وتنفي إسرائيل اقتراب غزة من المجاعة، إذ يقول منسق وحدة أعمال الحكومة داخل المناطق الفلسطينية غسان عليان "خلال الهدنة دخلت نحو 25 ألفاً و200 شاحنة إلى غزة، تحمل ما يقارب 450 ألف طن من المساعدات، هناك ما يكفي من الغذاء لفترة طويلة، إذا سمحت ’حماس‘ للمدنيين بتناوله".
لكن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عقب على ذلك قائلاً "من وجهة نظر الأمم المتحدة هذا أمر سخيف، لقد وصلنا إلى نهاية إمداداتنا".