تسببت جائحة كورونا في خسائر مدمرة لقطاع الطيران والسفر عام 2020، نتيجة إغلاق الحدود بين بلدان العالم للحد من تفشي فيروس كورونا. ونجم عن ذلك شلل في عمل الطائرات وخسارة آلاف الموظفين في هذا القطاع الحيوي لوظائفهم. ومع الانتشار السريع لعدد كبير من اللقاحات في العالم عام 2021، شهدنا انتعاشاً لقطاع الطيران والسفر مع تجدد السفر ونمو سياحة الأعمال واستضافة العالم لمؤتمرات ومعارض عدة، كان أبرزها معرض "إكسبو 2020" في دبي، ما دفع شركات الطيران إلى إعادة تعيين موظفين كانت قد سرّحتهم خلال موجة الإغلاق بدواعي خفض التكلفة للبقاء على قيد الحياة.
ولكن يبدو أن هذا الانتعاش في حضرة "أوميكرون" مهدد بموجة ركود تضرب هذا القطاع الحيوي، ما دفع كثيراً من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية وعربية عدة إلى إغلاق حدودها مع جنوب أفريقيا ودول أفريقية أخرى، رُصدت فيها المتحورة الجديدة.
السفر والسياحة الأكثر تضرراً من أزمة كورونا
من جانبها، اعترفت منظمة السياحة العالمية أنه وعلى الرغم من الانتعاش الذي طال قطاع السفر والسياحة عام 2021، إلا أن معدلات التطعيم غير المتكافئة في جميع أنحاء العالم، وظهور سلالات جديدة من "كوفيد"، قد تؤثر في التعافي البطيء والهش بالفعل لقطاع السفر والسياحة. وأضافت المنظمة أن "التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء يمكن أن تثقل كاهل الطلب على السفر، والتي تفاقمت بسبب الارتفاع الأخير في أسعار النفط وتعطّل سلاسل التوريد".
ووفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة، قُدّرت المساهمة الاقتصادية للسياحة في العالم عام 2021 بـ 1.9 تريليون دولار (مُقاسة في الناتج المحلي الإجمالي المباشر للسياحة)، وهي أقل بكثير من تلك المسجلة ما قبل الجائحة والبالغة 3.5 تريليون دولار.
وتتوقع منظمة السياحة العالمية أن يظل عدد السياح الدوليين الوافدين عام 2021 ما بين 70 إلى 75 في المئة وهي نسبة لا تزال أقل من مستويات عام 2019، وهو انخفاض مشابه لما حدث عام 2020.
وخسر قطاع السياحة العالمي بالفعل 2 تريليون دولار من الإيرادات العام الماضي بسبب الوباء، وفقاً لمنظمة السياحة العالمية، ما يجعله أحد أكثر القطاعات تضرراً من الأزمة.
انتعاش طفيف عام 2021
وفي تقرير عن توقعات الأداء المالي لقطاع الطيران، قدّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) نتائج أفضل على الرغم من استمرار أزمة "كوفيد-19". كما رجّح أن تنخفض خسائر الصناعة الصافية إلى 11.6 مليار دولار عام 2022 بعد خسارة 51.8 مليار دولار عام 2021 (تفاقمت من الخسائر البالغة 47.7 مليار دولار المقدرة في أبريل - نيسان). وتم تعديل تقديرات الخسائر الصافية لعام 2020 إلى 137.7 مليار دولار (من 126.4 مليار دولار). إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يصل إجمالي خسائر الصناعة في 2020-2022 إلى 201 مليار دولار. ومن المرتقب أن يقف الطلب (بمقياس كيلومترات لكل راكب) (RPK) عند 40 في المئة من مستويات 2019 لعام 2021، وأن يرتفع إلى 61 في المئة عام 2022. ومن المتوقع أيضاً أن يصل إجمالي عدد الركاب إلى 2.3 مليار عام 2021. وسيزيد هذا العدد إلى 3.4 مليار عام 2022 وهو مماثل لمستويات عام 2014 وأقل بكثير من 4.5 مليار مسافر عام 2019.
800 مليار دولار إيرادات السياحة الدولية في 2021
وكان تقرير للمجلس العالمي للسفر والسياحة حمل عنوان: "الأثر الاقتصادي للسفر والسياحة 2021"، نُشر في يونيو (حزيران) الماضي، توقّع في حال استئناف التنقل الدولي والسفر عودة 62 مليون وظيفة هذا العام، كانت قد فُقدت عام 2020 قبل نهاية عام 2022، ما سيعزز الانتعاش الاقتصادي العالمي. ولكن هذه التقديرات قد تذهب أدراج الرياح مع تفشي متحورات كورونا .
من جانبها، توقعت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO)، في تقرير حديث أن تصل إيرادات السياحة الدولية إلى 800 مليار دولار عام 2021، وهو تحسن طفيف عن عام 2020 لكن أقل من نصف 1.7 تريليون دولار المسجلة عام 2019.
تسريح الموظفين وإعادة تعيينهم
وخلال تفشي جائحة كورونا ومع موجة الإغلاق التي قطّعت أوصال العالم، عمدت شركات الطيران إلى خفض تكلفتها التشغيلية وهذا يتطلب الاستغناء عن أعداد كبيرة من موظفيها. وخلال أزمة "كوفيد-19"، سرّحت الخطوط الجوية البريطانية 10 آلاف موظف، في حين كان على الموظفين الذين ظلوا مدرجين في كشوف المرتبات أن يتقاضوا أجوراً أقل، إضافة إلى تخفيض رتبتهم. ولكن الشركة عادت لتوظيف 3 آلاف شخص في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ممن سرّحتهم خلال الأزمة، بعدما وافقت بريطانيا والولايات المتحدة على تخفيف قيود السفر بين الوجهتين السياحية والتجارية الرئيستين.
وكان من المقرر أن تستغني شركة "أميركان إيرلاينز" عن 19 ألف موظف في أكتوبر الماضي، وقالت "دلتا إيرلاينز" إنها تخطط للاستغناء عن 1941 طياراً في أكتوبر بعد انتهاء المساعدة الفيدرالية. وذكرت "يونايتد إيرلاينز" في الشهر ذاته أن توجّهها لخفض التكلفة سيؤثر في أكثر من 16 ألف وظيفة.
ومع تخفيف القيود في جميع أنحاء العالم بفضل الانتشار السريع للقاحات "كوفيد-19" هذا العام، أعلنت شركة طيران الإمارات في أكتوبر، عزمها تعزيز قوتها العاملة التشغيلية، عبر توظيف ما يزيد على 6000 شخص خلال الأشهر الستة المقبلة، واستعادت 90 في المئة من شبكة خطوطها ما قبل الجائحة، وتخطط حالياً لاستعادة 70 في المئة من طاقتها بحلول نهاية العام.
كما تتطلع شركات طيران أخرى مثل خطوط "هاواي" الجوية والخطوط الجوية القطرية لملء مزيد من الوظائف. وقال أكبر الباكر، الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية، في ندوة عبر الإنترنت بعنوان "سمبل فلايينغ" في 30 مايو (أيار)، إن الشركة "تعطي الأولوية للأشخاص الذين نتركهم يذهبون"، بحسب "بيزنس إنسايدر".
وكانت رابطة مضيفات الطيران، وهي اتحاد رئيس لشركات الطيران، توقعت أن يرتفع عدد وظائف المضيفات من 80 ألفاً في يونيو 2021 إلى 100 ألف بحلول عام 2023. وقالت رئيسة النقابة سارة نيلسون لشبكة "سي أن أن" إن جميع شركات الطيران قالت في بداية هذا العام إنها ستوظف آلاف الأشخاص.
الامتثال لتفويض اللقاحات
ومع تفشي متحورات كورونا في العالم وآخرها الأشد فتكاً "أوميكرون"، قالت شركات الطيران إن السماح للموظفين بالبقاء في أعمالهم مرهون بتلقّي اللقاحات، إذ أعلنت "يونايتد إيرلاينز" أنها ستبدأ عملية تسريح لما يقرب من 600 موظف، أقل من 1 في المئة من قوتها العاملة، الذين رفضوا الامتثال لتفويض لقاح "كوفيد-19" الخاص بالشركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويذكر أن "يونايتد إيرلاينز" هي الشركة الوحيدة من بين أكبر أربع شركات طيران في الولايات المتحدة التي طردت الموظفين الذين لا يمتثلون لمتطلبات اللقاح. وستفرض "دلتا إيرلاينز" رسوماً إضافية بقيمة 200 دولار شهرياً على الموظفين غير المحصّنين، بينما تشجع "أميركان إيرلاينز" و"ساوث وست إيرلاينز" الموظفين على الحصول على اللقاح فقط. وأعلنت شركات الطيران "أميركان" و"دلتا" و"يونايتد" و"ساوث ويست"، أنها ستوظف طيارين وموظفين في مناصب أخرى قبل نهاية العام.
خسائر شركات الطيران في المنطقة
وكان ويلي والش، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي"إياتا"، قدّر وصول إجمالي خسائر شركات الطيران في منطقة الشرق الأوسط بـ 6.8 مليار دولار لهذا العام، متوقعاً تراجع هذه الخسائر إلى 4.6 مليار دولار عام 2022، في ظل انتعاش قطاع السفر وعودة الربط الجوي في المنطقة.
وقال إن المنطقة بذلت جهداً كبيراً لإعادة تأسيس الربط الجوي، إذ استعادت غالبية دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط بشكل عام الربط مجدداً إلى أسواقها الرئيسة، ورُفع الحظر عن الرحلات، واستعادت السعودية والإمارات والبحرين وعمان والأردن خدماتها لما يزيد على 70 في المئة من شبكاتها كما كانت قبل الجائحة. وأوضح أن الربط الجوي في المنطقة خلال شهر سبتمبر (أيلول) بلغ نسبة 49 في المئة، مقارنة بما كانت عليه المعدلات قبل الأزمة.
جواز سفر "إياتا"
وعقدت شركة طيران الإمارات في يناير (كانون الثاني) 2021، اتفاقية شراكة مع الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا" لتصبح واحدة من أوائل الناقلات الجوية في العالم التي تجرّب "جواز سفر إياتا"، وهو عبارة عن تطبيق محمول لمساعدة الركاب على إدارة سفرهم بسهولة وأمان، بما يتماشى مع أي متطلبات حكومية خاصة بمعلومات فحوصات أو لقاحات "كوفيد-19".
كما رحّب "إياتا"، بقرار الهيئة العامة للطيران المدني السعودي الموافقة على اعتماد وثيقة السفر الإلكترونية من الاتحاد كمنصة للتأكد من نتائج الفحوصات المتعلقة بفيروس كورونا للمسافرين المغادرين والوافدين، ابتداء من 30 سبتمبر 2021. ويمكّن القرار الوافدين أو المغادرين من الاختيار بين تطبيق وثيقة السفر الإلكترونية من "إياتا" وتطبيق "توكّلنا"، الصادر عن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" لمساندة الجهود الحكومية لمواجهة فيروس كورونا.
وفي سبتمبر، أتاح الاتحاد الأوروبي جواز سفر كورونا-19 لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي والمقيمين فيه، وكذلك لفئات محددة من المسافرين من دول ثالثة. وفي الأول من يوليو (تموز)، تم الانتهاء من إجراءات إطلاق الشهادة من جانب مفوضية الاتحاد الأوروبي، وبدأت الدول الأعضاء واحدة تلو الأخرى بتنفيذها. وأعلن موقع "شينغين فيزا إنفو دوت كوم"، في الأول من يونيو 2021 أن سبع دول من الاتحاد الأوروبي بدأت بالفعل إصدار جوازات سفر الاتحاد الأوروبي الخاصة بـ"كوفيد-19"، وهي بلغاريا والتشيك والدنمارك وألمانيا واليونان وكرواتيا وبولندا. وفي 4 يونيو، بدأت أيسلندا أيضاً بتنفيذ النظام التجريبي لإصدار شهادات "كوفيد".
78 مليار دولار قيمة صفقات معرض دبي للطيران
ولعل معرض دبي للطيران 2021 الذي استضافته إمارة دبي في وقت مبكر من الشهر الحالي، كان الدليل الأكبر على انتعاش قطاع الطيران، إذ تمخّض عن تسجيل صفقات بلغت قيمتها نحو 78 مليار دولار أميركي.
وأعلنت "إيرباص" عن تلقّيها طلبات لشراء 408 طائرات (269 طلباً مؤكداً و139 طلباً مبدئياً) خلال معرض دبي للطيران. وشملت الاتفاقيات الموقعة على هامش المعرض مجموعة كاملة من فئات الطائرات التجارية، بما فيها أول طلب مبدئي لشراء طائرة شحن من طراز A350F. وأطلقت "إيرباص" خلال فعالية سابقة للمعرض تقريرها الأخير حول توقعات السوق العالمية، الذي بيّن تحوّل الطلب في قطاع النقل الجوي من توسيع الأسطول إلى تسريع إحالة الطائرات القديمة والأقل كفاءة في استهلاك الوقود إلى التقاعد، ما يقود إلى الحاجة لحوالى 39 ألف طائرة جديدة لنقل المسافرين والبضائع، من بينها 15 ألفاً و250 طائرة بديلة بنسبة 40 في المئة.
وقدمت شركة "إنديغو بارتنرز" في اليوم الأول من المعرض طلباً مؤكداً لشراء 255 طائرة من طرازA321neo، بما فيها 29 طائرة XLR.
وأعلنت شركة "بوينغ" على هامش المعرض، وهو الأول في العالم منذ تفشي جائحة كورونا، عن تلقّيها طلباً جديداً لشراء 72 طائرة من طراز 737 MAX من قبل شركة "أكسا إير" الهندية. كما كشفت الشركة عن تلقّيها طلبات لشراء 11 طائرة شحن من طراز 737-800BCF من شركة تأجير الطائرات "آيس ليس"، وطلباً من شركة "دي إتش إل" لتحويل تسع طائرات 767-300BCF إلى طائرات شحن، وطلباً لشراء طائرتي شحن المسافات الطويلة من طراز 777F من شركة الإمارات للشحن الجوي. وتلقّت الشركة الأميركية أربعة طلبات لشراء طائرات مخصصة للركاب والشحن من شركة الخطوط الجوية التنزانية، وثلاث طائرات من طراز 777-300 الواسعة من شركة "سكاي ون"، مزوّدة خدمات الطيران في الإمارات.
ووقّعت وزارة الدفاع الإماراتية خلال المعرض عقوداً بقيمة 22.5 مليار درهم إمارتي (6.1 مليار دولار أميركي) مع شركات ومزودي خدمات الطيران من أوروبا وأميركا وآسيا. كذلك منحت القوات الجوية والدفاع الجوي في الإمارات يوم الافتتاح عقداً بقيمة 11 مليار درهم إماراتي (2.9 مليار دولار أميركي) لشركة جال التابعة لمجموعة "إيدج"، المجموعة التقنية المتطورة في أبو ظبي، لإجراء أعمال الصيانة والإصلاح والعمرة وتقديم خدمات الدعم الاختصاصي لصالح القوات الجوية والدفاع الجوي في الإمارات.