أثارت قرارات أصدرها رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، بتعيين وكلاء وزارات جدد جدلاً واسعاً في الشارع السوداني، بخاصة مواقع التواصل، من ناحية أنها ألغت قرارات التعيين السابقة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان التي اتخذها بعد 25 أكتوبر (تشرين الأول) عندما أعلن حالة الطوارئ وألغى الشراكة مع المدنيين، ما فسرها مراقبون بأنها محاولة من حمدوك لكسب ود وثقة الشارع له من جديد وإظهاره في مظهر قوة، بينما اعتبرت مجموعة الميثاق (اعتصام القصر الجمهوري) تلك التعيينات مخالفة للاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) كونها لم تلتزم بالبند الخاص بأن يكون مسؤولو الحكومة الجديدة من الكفاءات (التكنوقراط)، وهو ما ظهر في تعيينات الوكلاء، إذ إن بعضهم ينتمي لأحزاب سياسية بعينها.
سلاح ذو حدين
وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم، محمد خليفة صديق، فإن خطوة حمدوك بتعيين مسؤولين جدد في مناصب وكلاء للوزارات، وإصداره توجيهاً بالإيقاف الفوري للإعفاءات والتعيينات في الخدمة المدنية في الوحدات الحكومية كافة على المستويين القومي والولائي، فضلاً عن إخضاع حالات التعيين والإعفاءات التي تمت خلال الفترة الماضية للدراسة والتقييم والمراجعة، سلاح ذو حدين، إذ يمكن أن تعيد ثقة الشارع له، وقد تحدث خللاً وفتوراً مع شركائه الجدد، إضافة إلى اهتزاز الثقة في الاتفاق السياسي الذي وقعه أخيراً مع البرهان، لأن الأخير حصَّن قراراته التي أصدرها بعد يوم 25 أكتوبر بأن ربط إلغاءها ومراجعتها بعرضها أولاً على المجلس التشريعي ليقرر حولها، وذلك لكونه استند في إصدارها على الطوارئ، إذ جمع سلطتي مجلس السيادة ومجلس الوزراء في آن واحد.
أضاف صديق، "في نظري أن مثل هذا الإجراء الذي قام به حمدوك من شأنه أن يعيد الناس إلى المربع الأول، ويعيد الأزمة السياسية من جديد، فضلاً عن أنه تعجل ليس في مكانه، لأن الوكلاء الذين كلفهم البرهان بعد 25 أكتوبر كانوا كفاءات من داخل الوزارات، وتدرجوا في وظائفهم حتى وصلوا لهذه الدرجة من الكفاءة والأقدمية، بينما جاء حمدوك بأشخاص من خارج الوزارات ولهم ميول حزبية واضحة، وهو أمر مخالف لما اتفق عليه، فهذه القرارات لم تكن مدروسة جيداً، ولا تتماشى مع روح الاتفاق السياسي الذي وجد قبولاً دولياً وإقليمياً، كما يكشف هذا التعيين عن أنه سيتخذ الشيء نفسه عند تعيين الوزراء لحكومته الجديدة، وذلك بأن تعتمد على المحاصصات الحزبية بدلاً من الكفاءات".
واستبعد أستاذ العلوم السياسية أن ترضي قرارات تعيينات حمدوك الشارع السوداني الغاضب على الاتفاق السياسي، إذ إن مطالب الأخير واضحة وتتمثل في رفضه الشراكة مع المكون العسكري من خلال شعاره الذي ظل يردده في المليونيات السابقة، "لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية مع العسكر"، لكنه يعتقد أن حمدوك يتعرض لضغوط من جهات مختلفة ويريد أن يكسب ودّ حاضنته السياسية القديمة قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي"، التي وجهت له نقداً لاذعاً بسبب اتفاقه مع البرهان الذي اعتبرته خيانة للعهود والمواثيق.
مخالفة للاتفاق السياسي
في حين وصف القيادي في حركة تحرير السودان بقيادة أركو مني مناوي، نور الدائم طه، قرارات حمدوك الخاصة بالتعيينات الجديدة بأنها مخالفة للاتفاق السياسي، مشيراً إلى أن تعيين وكلاء الوزارات حسب الاتفاق السياسي يجب أن يكون من الكفاءات الوطنية المستقلة، لكن للأسف أن بعض من تم تكليفهم في منصب الوكيل لديهم انتماءات سياسية، وطالب طه باستحداث آلية واضحة لمراجعة ومراقبة الذين تم تعيينهم كمستقلين لتولي المناصب الحكومية، مضيفاً، "12 من المكلفين بتسيير عمل وكلاء الوزارات ينتمون إلى أحزاب، من دون أن يكشف عن انتماءاتهم السياسية"، وأشار إلى أنه لا يعلم ما إذا كان حمدوك تشاور مع جماعة الميثاق في قراراته الأخيرة الخاصة بتعيين 20 شخصاً لتولي مناصب وكلاء الوزارات بالتكليف.
وفي ما يتعلق بتقاسم السلطة الوارد في اتفاق جوبا للسلام الموقع بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة عام 2020، الذي من بينه وكلاء وزارات، قال القيادي في حركة تحرير السودان، "كل ما نص عليه الاتفاق مُلزم بتنفيذه".
الوكلاء الجدد
ووفقاً لبيان صادر عن مجلس الوزراء السوداني، كلف حمدوك عدداً من الوكلاء لتسيير مهام الوزارات عملاً بأحكام الوثيقة الدستورية، وهم عبد الله عمر بشير الحسين وكيلاً لوزارة الخارجية، وغانم الطيب محمد ناصر وكيلاً لوزارة العدل، وأبو بكر عمر البشري وكيلاً لوزارة الزراعة والغابات، وآمال صالح سعد وكيلاً لوزارة التجارة والتموين، وبتول عباس عوض وكيلاً لوزارة الصناعة، ومحمد عبد الله محمود وكيلاً لوزارة الطاقة والنفط، وضوء البيت عبد الرحمن وكيلاً لوزارة الري والموارد المائية، وجعفر محمد سعد وكيلاً لوزارة الثروة الحيوانية، وعادل حسن محمد حسين وكيلاً لوزارة الاتصالات والتحول الرقمي، وأحلام مهدي مدني وكيلاً لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي، وحنان إبراهيم أحمد وكيلاً لوزارة التربية والتعليم، ومحمد زين علي البشير وكيلاً لوزارة التعليم العالي، وهيثم محمد إبراهيم عوض الله وكيلاً لوزارة الصحة، وسعاد الطيب حسن وكيلاً لوزارة العمل والإصلاح الإداري، وأبو بكر أبو القاسم عبد الله وكيلاً لوزارة التنمية العمرانية والطرق والجسور، وعبد الرحيم يعقوب مالك وكيلاً لوزارة التنمية الاجتماعية، ومحمد سعيد زين العابدين وكيلاً لوزارة المعادن، وعبد العاطي أحمد عباس وكيلاً لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وأيمن سيد سليم وكيلاً لوزارة الشباب والرياضة، ونصر الدين أحمد محمد خالد وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام.
دعم أوروبي وأميركي
في غضون ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي مجدداً استعداده دعم حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مجالات الاقتصاد والسلام والأمن والتحول الديمقراطي، في وقت قالت واشنطن إنها تنتظر خطوات عملية لتنفيذ الاتفاق السياسي.
وعقد حمدوك، الخميس، الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، اجتماعين منفصلين مع سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم روبرت فان دول، والقائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في السودان برايان هانت، وفي بيان لمجلس الوزراء، أعرب روبرت فان دول عن استعداد أوروبا لتقديم الدعم بالتركيز على السلام والاقتصاد والأمن وقضايا التحول الديمقراطي وجائحة كورونا. وأشار البيان إلى أن لقاء حمدوك ودول تطرق إلى مسار تنفيذ الاتفاق السياسي، إضافة إلى الدعم الأوروبي الاقتصادي والسياسي لحكومة السودان، كما بحث عملية التشاور حول الاتفاق السياسي الذي على أساسه سيتم التوافق بين مختلف قوى المجتمع السوداني الفاعلة وبموجب هذه التوافقات يجري تعديل الوثيقة الدستورية وتشكيل الحكومة المستقلة، وذكر البيان أن حمدوك قدم شرحاً للخطوات التي يتم تنفيذها من الاتفاق الإطاري والتي شملت إطلاق سراح المعتقلين السياسيين واستمرار العمل لحماية الاحتجاجات السلمية وعدم التعرض للمحتجين، ومراجعة القرارات التي اتخذها البرهان بعد الانقلاب العسكري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تطرق لقاء حمدوك وبرايان هانت إلى الخطوات العملية التي بدأت بتطبيق الاتفاق السياسي، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين واستئناف العملية السياسية في البلاد، وتكليف وكلاء جدد لتسيير مهام الحكم في مؤسسات الدولة، إضافة إلى الجهد الجاري لجمع مختلف قوى الشعب السوداني السياسية الفاعلة حول الإعلان السياسي الوارد في الاتفاق الإطاري والجدول الزمني المتوقع.
وتناول الدبلوماسي الأميركي القضايا المتعلقة بالدعم الخارجي للانتقال والاقتصاد والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية المتوقع استئنافه عقب تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكداً أن واشنطن والشركاء ينتظرون خطوات عملية واضحة لتنفيذ الاتفاق السياسي وإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي كأساس للانطلاق نحو التحول الديمقراطي في السودان.
معلوم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي أوقفت تعاونها المثمر مع الخرطوم، فور وقوع الانقلاب العسكري.
استمرار الاحتجاجات
ويعاني السودان منذ 25 أكتوبر أزمة سياسية، جراء إعلان قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، حال الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعفاء الولاة، وتعيين وكلاء جدد للوزارات البالغ عددها 26 وزارة، واعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، ما أثار رفضاً من قوى سياسية واحتجاجات شعبية مستمرة تعتبر ما حدث "انقلاباً عسكرياً".
ووقع البرهان ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر، اتفاقاً سياسياً يتضمن عودة الأخير إلى منصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل معاً لاستكمال المسار الديمقراطي، لكن قوى سياسية ومدنية عبرت عن رفضها الاتفاق، باعتباره محاولة لشرعنة الانقلاب، متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.
وما زالت الاحتجاجات مستمرة ضد قرارات البرهان والاتفاق السياسي الموقع مع حمدوك، التي أدت إلى سقوط 43 قتيلاً، ومئات الجرحى، نتيجة للعنف المفرط الذي استخدمته قوات الأمن السودانية بإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المدمع ضد المحتجين.