شنّت أنقرة انتقادات لاذعة ضد "مجلس الشعب السوري" (البرلمان)، بعد بيان تناول فيه قضية "لواء إسكندرون"، الخاضع منذ عام 1939 للسيطرة التركية، وطالب بضمّه للأراضي السورية.
وأثارت تصريحات وزارة الخارجية في أنقرة جدلاً وتساؤلاً عن غضب تركي تجاوز حدود المنابر السياسية، لتتبعها زيارة مفاجئة لوزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، لوحدات مقاتلة على حدود بلاده الجنوبية مع سوريا.
ووصف المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش، بيان مجلس الشعب السوري بـ"الوقح، وغير القانوني". وقال بيلغيتش في بيان، "نرفض بشدة البيان الوقح وغير القانوني الصادر عن مجلس الشعب، الذي لا يمثل الشعب السوري بأي شكل من الأشكال، ويفتقر إلى الشرعية الديمقراطية، والذي يستهدف وحدة أراضي بلادنا".
وقال المتحدث التركي: "مثل هذه التصريحات مظهر آخر من مظاهر الوهم الذي يعيشه النظام السوري، المستمر في اضطهاد شعبه منذ سنوات، والمسؤول عن مقتل مئات الآلاف من الأبرياء وتشريد الملايين من ديارهم".
حدة التصريحات التركية أخذت تتدحرج ككرة الثلج بين المسؤولين الأتراك، ولاقت بالمقابل امتعاضاً من الشارع السياسي في الداخل السوري.
في وقت يحيي فيه السوريون الذكرى السنوية الـ82 لإعلان تركيا ضم اللواء، ومساحته 4800 كيلومتر مربع، وصف بيان صادر عن البرلمان السوري في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) ما حدث في هذه الذكرى بـ"الجريمة"، في المقابل سعت منظمات أهلية تتبع لـ"أبناء اللواء" بإرسال رسالة للأمين العام للأمم المتحدة حملت توقيع رسالة الأهالي للمطالبة باللواء.
ووصف بيان مجلس الشعب السوري القوات التركية بـ"الغازية لأراضي اللواء معه بدأت حملات تتريك لتشويه معالمه التاريخية وتغيير تركيبته السكانية والبشرية من خلال تدمير المنازل، وتهجير الأهالي الرافضين لهذه الإجراءات والتضييق عليهم من قبل الحكومات التركية المتعاقبة".
التوقيت غير المناسب
وأثيرت جملة من التساؤلات حول التصعيد التركي الحاصل بعد إطلاق مجلس الشعب السوري بيانه الأخير في شأن "لواء إسكندرون". من جهته، قال الباحث والكاتب التركي، باكير أتاجان في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إن توقيت ذلك في ظل الحرب السورية الدائرة ليس مناسباً على الإطلاق.
ويتساءل عما وراء هذه المطالبة بتلك الأراضي "يوجد في تركيا أعداد ضخمة من اللاجئين السوريين قرابة أربعة ملايين معظمهم يوجدون ضمن لواء إسكندرون، بينما سكان هذه الأرض يتراوح عددهم بين 300 و400 ألف، مع لجوء واسع للسوريين بعد الحرب الأخيرة إلى مناطق تركية شتى كمدن أورفة وإسطنبول وإلى أزمير التي تشترك بحدود مع اليونان الموجودة في أقصى الغرب ينشدون الأمان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يعزو رئيس جمعية "أبناء لواء إسكندرون"، شاهين الحجي، "هذا الغضب التركي غير المسبوق إلى ما تطرق له بيان البرلمان السوري، وتأكيده عدم شرعية استحواذ الأتراك على تلك الأراضي"، وأن "سلخ اللواء لم يحظَ باعتراف عصبة الأمم في وقتها ولا خليفتها منظمة الأمم المتحدة فيما بعد، وهذا يعني أن اللواء سيبقى أرضاً سورية".
"تغيير هوية المنطقة"
ويؤكد الحجي، "لا بد من لفت الانتباه إلى أن ما يحدث شمال شرقي سوريا بات خطيراً جداً، وإعادة لنفس السيناريو الذي حدث في استفتاء لواء إسكندرون، وما يحدث من توغل تركي باتجاه الأراضي السورية والتغيير الديمقراطي، هو تغيير لهوية المنطقة".
ويرجح رئيس جمعية "أبناء لواء إسكندرون"، ومقرها في مدينة حلب، "إعادة الاستفتاء من جديد بعد عملية ممنهجة للتتريك الواسعة، حيث تنتشر معاهد وجامعات تركية، وأيضاً نشر اللغة التركية بين السوريين يعيد للأذهان المنهجية التركية في الاستيلاء على أراضي دولة مجاورة، وتندرج ضمن الأطماع التي لا تتوقف، وقد امتدت تلك الأطماع إلى الحلم بالاستيلاء على حلب، وهذا الأمر ليس بجديد، حيث بدأت هذه المطامع جلية في دعم واضح للمجموعات المسلحة في الحرب السورية وتبنيها"، مضيفاً، "لا بد من القول إن جذورنا متشبثة بأراضي اللواء، وسنعود إليها مهما طال الزمن".
في مقابل ذلك، لفت الباحث التركي أتاجان إلى "كون المطالبة بلواء إسكندرون قد تمثل حالة عداء لفريق من السوريين يقطن بأراضي اللواء فرّوا من الحروب الشرسة خلال السنوات المنصرمة، ويتوقع أن حروب التصريحات ستنعكس بشكل سلبي ومنفر حتى من قبل أولئك المتعاطفين مع الفريق الموالي لسوريا من الأتراك"
وتابع، "إذا كنت صديقي قدر ظروفي، لا أعتقد أن سوريا ستعود صديقة من جديد لتركيا، في الحقيقة إنها ما زالت تخسر أصدقاء لها، ولاقت أصداءً وردود فعل معاكسة، كان من الأولى أن تعيد مناطقها المحتلة، مثل مرتفعات الجولان التي اعتبرتها إسرائيل جزءاً منها ولا تفرط بها".
وحول سؤال عن أي نشاط لحركات "تحرير شعبية"، أو ما تصفها أنقرة بـ"حركات انفصالية"، يرى أتاجان، "لو كان ثمة نشاط من هذا النوع لكانت عادت أراضي إسكندرون لدمشق"، بحسب قوله، ويرى أن كل المحاولات المتكررة قد فشلت في استعادة اللواء.
ويضيف، "لقد قُدم لهذه الحركات كثير من المعونات المادية والسياسية والعسكرية والتدريبات في الشمال الغربي السوري بمناطق البسيط، غرب سوريا، وانضوت مجموعات كثيرة ولم تستطع مع كل محاولاتها المتعددة أن تصل إلى نتيجة، وهناك أشخاص يريدون سوريا، ولكنهم لا يرغبون بالعودة إلى بلد مفكك، ولا أعتقد أنهم بعد الآن سيعودون إلى بلادهم بهذه الصورة".
سيناريوهات الخروج من الأزمة
ونكأت قضية "لواء إسكندرون" الجرح القديم بين أنقرة ودمشق، فبعد ثمانية عقود تعود القضية إلى الواجهة مجدداً ليضع اللواء على صفيح ساخن، إذ يرجح مراقبون أن الأتراك يتوجسون من شيء ما يحدث على تلك الأراضي، في حين تسعى المعارضة التركية إلى الاستفادة من حالة البلاد الاقتصادية المتردية بعد انهيار الليرة التركية إلى مستوى غير مسبوق وتوظيف وجود اللاجئين بمحاربة حزب العدالة الحاكم.
وهكذا، يمكن تفسير الغضب التركي، وفق متابعين، في هذا الشأن، إما عدم رغبة الحكومة التركية في ظل ما تعيشه البلاد من أوضاع داخلية تزداد سوءاً من فتح ملف لواء إسكندرون في هذا الوقت، أو قد تكون من جهة ثانية هي خطوة تصعيدية من قبل أنقرة هدفت فيها إلى تشتيت انتباه الشعب التركي عن الأوضاع المتردية في الداخل إلى خطر محدق على حدودها الجنوبية، مما يهدد أمنها القومي، ويقوض ما تصفه المنطقة الآمنة التي تطمح إلى استكمالها في حروبها الأخيرة في سوريا.