ذكرت دراسة حديثة أن التضخم يمكن أن يحدث نتيجة زيادة حجم الإصدار النقدي دون حدوث زيادة مقابلة في مستويات المعروض من السلع والخدمات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وارتفاع معدل التضخم. وكشف صندوق النقد العربي، أنه يمكن علاج التضخم من خلال السياسات التي تؤثر في جانب الطلب الكلي، ومن أهمها السياستان النقدية والمالية، عبر استخدام أدوات السياسة النقدية للتحكم في معدلات التضخم من خلال التأثير في مستويات المعروض النقدي، فكلما ازداد عرض النقد أكثر من المعروض من السلع والخدمات، ارتفعت معدلات التضخم، والعكس صحيح.
ومع التحذيرات المستمرة من قبل الدراسات، فإن البنوك المركزية على مستوى العالم بدأت الاستعداد لمواجهة الارتفاع المقلق في معدلات التضخم، حيث أعلن البنك المركزي الأميركي قبل أيام أنه سيحذف كلمة "مؤقت" من حديثه عن التضخم، مرجحاً أن الأزمة ستمتد إلى العام المقبل.
وتعتمد الدول استخدام أدوات السياسة النقدية بغرض معالجة التضخم، حيث تقوم برفع سعر الفائدة للتقليل من الائتمان الممنوح، بالتالي ستنخفض مستويات الطلب الكلي، وتتراجع معدلات التضخم، بافتراض بقاء قيمة العوامل الأخرى على حالها. وأوضحت الدراسة، أنه يمكن أن يعمل البنك المركزي كذلك على خفض معدل التضخم باستخدام نسبة الاحتياطي الإلزامي التي تعني كمية الأموال التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها في حساباتها لدى البنك المركزي.
ماذا تفعل البنوك المركزية مع ارتفاع التضخم؟
ومع ارتفاع معدل التضخم، يتجه البنك المركزي إلى رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي، ما يؤدي إلى انخفاض قدرة البنوك على منح الائتمان، ومن ثم انخفاض الطلب على السلع والخدمات، بالتالي تراجع مستوى الأسعار وانخفاض معدل التضخم. كما قد يلجأ البنك المركزي لمعالجة التضخم إلى عمليات السوق المفتوحة التي يقوم من خلالها ببيع وشراء الأوراق المالية، وهو ما يؤدي إلى سحب السيولة الزائدة من السوق، ومن ثم انخفاض الطلب الكلي والتضخم. وذكرت الدراسة، أن السياسة المالية يمكن كذلك أن تسهم في خفض معدل التضخم من خلال استخدام أدوات السياسة المالية، وهي الإنفاق الحكومي والضرائب، ففي حال ارتفاع معدل التضخم بإمكان الدولة احتواء الضغوط التضخمية عن طريق زيادة حجم الضرائب، إذ إن زيادة الضرائب ستؤدي إلى اقتطاع جزء من دخل الأفراد، وهذا ما ينعكس على انخفاض الطلب على السلع والخدمات، فتنخفض الأسعار، ويتراجع التضخم.
من جهة أخرى، وبهدف معالجة التضخم، فإنه بالإمكان الاعتماد على الإنفاق الحكومي، حيث تقوم الحكومة بتقليصه، بمعنى آخر تخفيض حجم الإنفاق خاصة الإنفاق الاستهلاكي الذي سيؤدي بدوره إلى خفض الطلب، ومن ثم تراجع معدل التضخم.
ما هو التضخم الاقتصادي؟
ويشير التضخم إلى زيادة أسعار معظم السلع والخدمات الشائعة، أو تلك التي يستخدمها السكان بشكل يومي، مثل الطعام والملبس والمسكن. وببساطة مقياس يجمع متوسط أسعار مجموعة من هذه السلع، تحدد وفقاً للسلطة المتخصصة. ويعكس مؤشر التضخم الارتفاع في تكلفة هذه المجموعة من السلع والخدمات خلال فترة معينة، التي قد تكون شهرية، لكن المؤشر الأكثر شيوعاً عادة ما يقيس التغير خلال عام كامل.
أيضاً، قد تستخدم كل سلطة داخل الدولة سلة سلع وخدمات مختلفة عن غيرها، بمعنى أن المنتجات التي يقيس البنك المركزي التغير فيها قد تختلف، ولكن قليلاً، عن سلة المنتجات التي تستخدمها الحكومة، أو جهاز الإحصاءات في الدولة.
ويعد معدل التضخم الاقتصادي مؤشراً إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة داخل الاقتصاد، ويتم تحديد قيمته بالنسبة المئوية، التي تعكس كما ذكرنا معدل الزيادة في أسعار السلع والخدمات. في حال كانت النسبة سالبة فهذا يعني انخفاض الأسعار، ويسمى انكماشاً، وليس تضخماً.
ويشير صندوق النقد الدولي إلى "أن التضخم أكثر الكلمات شيوعاً في علم الاقتصاد"، مشيراً إلى "أنه تسبب على مر التاريخ في غرق البلدان في فترات طويلة من الاضطرابات وعدم الاستقرار. كما أنه غالباً ما يكون هدفاً للمسؤولين، فمثلاً يطمح قادة البنوك المركزية دائماً لأن يكونوا الأبطال الذين كبحوا جماح التضخم (في حالات نادرة يحاولون زيادته)، وبعض السياسيين يعتمدون في الدعاية الانتخابية على الوعود بالسيطرة على التضخم، وبعضهم فقد شعبيته لفشله في ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة للأفراد، ينظر الجميع إلى التضخم بشكل مختلف اعتماداً على نوع الأصول التي يمتلكونها، فمثلاً الشخص الذي يمتلك استثمارات عقارية أو سلعاً مخزنة، يعني له التضخم أن أسعار أصوله ترتفع، أما الذين يمتلكون نقوداً، قد يتأثرون سلباً بالتضخم، حيث تتآكل قيمة نقودهم.
حالات تضخم مرعبة
في اليونان عام 1944، وصل معدل التضخم اليومي إلى 18 في المئة، حيث كانت الأسعار تضاف عشرات المرات على مدار الساعة، وذلك في خضم الحرب العالمية الثانية، بعد أن استولى الاحتلال على موارد الدولة. وأدى ذلك إلى انهيار الإنتاج، بخاصة الزراعي، ونقص الغذاء، ما تسبب في مجاعة كبرى، وتراجعت الضرائب، وقفز التضخم الشهري إلى 13800 في المئة.
وشهدت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى حالة مشابهة، ونظراً للديون المتراكمة اندفعت الحكومة إلى طباعة الأموال، فانهارت قيمة العملة المحلية (المارك)، وتخلفت البلاد عن سداد ديونها في عام 1923، وأدى ذلك إلى احتلال فرنسا وبلجيكا جزءاً من الأراضي الألمانية للحصول على مستحقاتهما في شكل أصول ثابتة. في خضم هذه الأحداث، وصل معدل التضخم الشهري إلى 29500 في المئة، وعلى سبيل المثال كانت تكلفة رغيف الخبز قبل 10 أشهر تبلغ 250 ماركا، لكنها قفزت بعد ذلك إلى 200 مليار مارك.
وفي يوغوسلافيا خلال فترة التسعينيات، اضطرت الحكومة إلى إصدار عملة جديدة في نهاية المطاف، وزيمبابوي في العقد الأول من هذه الألفية، التي اضطرت إلى استخدام الدولار الأميركي إلى جانب الراند، والمثال الحي الحالي هو فنزويلا التي تعاني تضخماً مفرطاً وأزمة سياسية عميقة، وكذلك لبنان.
حتى الولايات المتحدة الأميركية، لم تسلم من التضخم المفرط، وفي السبعينيات عانت فترة ممتدة من التضخم، الذي وصل إلى 14 في المئة سنوياً عند مرحلة ما، متسبباً في تراجع حاد لقيمة سوق الأسهم، وضعف النشاط الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة.
لماذا ترتفع معدلات التضخم؟
التضخم له أسباب متعددة وطبيعية، وأحياناً بعض الأسباب قد تكون مفاجئة وخارجة عن إرادة البشر، لكن أبرز العوامل المسببة له تتمثل في ارتفاع الطلب أو انخفاض الإنتاج، ما يؤدي إلى خلق فجوة في الأسواق ينجم عنها ارتفاع الأسعار. أيضاً، فإن ارتفاع المعروض النقدي أو حجم الأموال المتداولة بين الناس، حيث يدفعهم ذلك إلى إنفاق المزيد.
كما تؤدي الزيادة في ارتفاع تكلفة إنتاج بعض السلع إلى ارتفاع سعر المنتج النهائي. وقد يرفع المنتجون الأسعار لتغطية الزيادة المتوقعة في أجور العمال الراغبين في مواجهة تزايد تكلفة المعيشة، وهذا يفاقم معدل التضخم. كما يمكن للكوارث الطبيعية التي تقلل من الإنتاج المعروض أن تتسبب في التضخم، فيما ينعكس ارتفاع أسعار المنتجات العالمية، مثل النفط أو الغذاء، على التضخم داخل الدول المستوردة.
ويتوقف علاج المشكلة على معرفة سبب التضخم. فإذا كان الاقتصاد يعاني نشاطاً محموماً، فيمكن للبنوك المركزية، تنفيذ ما يعرف بالسياسات الانكماشية التي من شأنها كبح جماح الطلب الكلي، وعادةً يتم ذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة. وفي بعض البلدان، تربط البنوك المركزية عملاتها المحلية بأخرى، بالتالي ترتبط بسياساتها النقدية (مثل دول الخليج التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي، وتتأثر سياساتها النقدية بسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي).
وفي بعض الحالات، قد تحدد الحكومة الأسعار بشكل مباشر، عندما تبدو الأمور في طريقها للخروج عن السيطرة بما لا يطيقه المواطن، وعادة ما تؤدي إجراءات تحديد الأسعار هذه إلى تراكم الالتزامات المالية على الحكومة. ويعتمد محافظو البنوك المركزية بشكل متزايد على قدرتهم على التأثير في توقعات التضخم كأداة لخفض التضخم. كلما زادت مصداقية البنوك المركزية، زاد تأثير تصريحاتها في توقعات التضخم.