تظاهر عشرات الآلاف من الأرجنتينيين، السبت 11 ديسمبر (كانون الأول)، ضد إعادة التفاوض بشأن القروض التي تحاول حكومتهم الحصول عليها من صندوق النقد الدولي وتثير مخاوف لديهم من دمار اجتماعي ما زالوا يتذكرونه، نجم عن خطط إصلاح سابقة.
واجتاح متظاهرون من منظمات يسارية راديكالية وطلاب ونقابات ساحة مايو التي يعبّر فيها السكان تاريخياً عن فرحهم أو غضبهم أمام القصر الرئاسي، رافعين لافتات ومرددين هتافات من بينها، "لا لصفقة مع صندوق النقد الدولي" و"الدين للشعب وليس لصندوق النقد الدولي" و"تسديد الدين هو تصحيح".
وبين الموسيقى وإطلاق الدخان والمفرقعات النارية التي تصم الآذان ودخان بائعي المشاوي في الشارع، هاجم المتظاهرون صندوق النقد الدولي، وكذلك حكومة يسار الوسط المتهمة بالموافقة على الاستدانة لتسوية ديونها البالغة نحو 49.7 مليار دولار بحلول 2024. في المقابل، ستتبنّى الحكومة سياسة موازنة صارمة في بلد يشكل فيه الفقراء 40 في المئة من السكان.
المفاوضات مع الصندوق
وقالت آنا كريستينا خايمي (70 سنة)، لوكالة الصحافة الفرنسية بغضب، "إنه لأمر مروع أن نرى في المستشفيات أطفالاً ببطون صغيرة منتفخة من الجوع. هذا موجود اليوم في الأرجنتين!".
وأضافت أن هذا الوضع "يتكرر كل ثمانية أو تسعة أعوام ويتم بيعنا لصندوق النقد الدولي". وتابعت أن "الخيار الوحيد الذي أراه هو عدم الدفع بل ملاحقة رؤوس الأموال التي فرّت إلى الخارج. يجب على هؤلاء أن يدفعوا".
وطوال الأسبوع، عقد وفد أرجنتيني حكومي ومن المصرف المركزي، اجتماعات في واشنطن مع فريق من صندوق النقد الدولي. وبحلول نهاية العام، سيكون على السلطة التنفيذية أن تقدم إلى البرلمان "برنامجاً اقتصادياً لأعوام عدة" يمكن أن يصادق عليه الصندوق.
وفي ختام جولة المحادثات، قال صندوق النقد الدولي في بيان الجمعة إن "مزيداً من المناقشات" مطلوب قبل التوصل إلى اتفاق.
"الحنين إلى ديمقراطية أفضل"
وكان حشد أكبر تجمّع مساء الجمعة في ساحة مايو لكنه ضم قطاعات قريبة من الحكومة، للاحتفال في حفل موسيقي بالذكرى الـ38 لعودة الديمقراطية في الأرجنتين بعد الحكم الديكتاتوري (1976-1983).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي القصر الرئاسي، اجتمع الرئيس الحالي ألبرتو فرنانديز والرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المرشح المحتمل للرئاسة في 2022) ورئيس الأوروغواي خوسيه "بيبي" موخيكا.
وكان موضوع المساء، مسألة "الحنين" بحسب لولا إلى "عصر أفضل للديمقراطية" في أميركا الجنوبية، عندما كانت سلطات تنفيذية تنتمي إلى يسار الوسط أو اشتراكية أو بوليفارية تحكم من سانتياغو إلى كراكاس في العقد الأول من القرن 21. وهنا لا شك في العدو الذي يرِد اسمه في كل الخطب: صندوق النقد الدولي.
وعلا تصفيق حاد عندما قال ألبرتو فرنانديز إن "التعديلات (الهيكلية) في الأرجنتين تنتمي إلى التاريخ"، وإن تسديد الدين "لن يكون على حساب الصحة والتعليم العام والرواتب والمعاشات التقاعدية"، مؤكداً "سنتحمّل التعهدات التي قطعها آخرون"، أي القرض الذي حصل عليه سلفه ماوريسيو ماكري (2018).
انتقاد صندوق النقد
وكان التصفيق أكثر حرارة عندما دانت كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، رئيسة الدولة من 2007 إلى 2015 ونائبة الرئيس الحالية التي ما زالت تتمتع بشعبية كبيرة، صندوق النقد الدولي "الذي يتحكم بالحياة منذ فترة طويلة في الأرجنتين".
وقالت متوجهة إلى الرئيس فرنانديز، "ليساعدنا صندوق النقد الدولي على استرداد مليارات الدولارات التي لا تفتقر إليها الأرجنتين بل نقلها (أرجنتينيون) إلى ملاذات ضريبية! فليكُن هذا نقطة تفاوض مع الصندوق".
وتجري هذه المفاوضات بالتزامن مع موعد الذكرى السنوية لـ"الأزمة الكبرى" التي هزت البلاد في ديسمبر 2001. فقد أدى الانفجار الاجتماعي للأرجنتين التي كانت عالقة بين هرب رأس المال وأزمة سيولة، بعد أعوام من خطط التقشف بناءً على طلب صندوق النقد الدولي، إلى أعمال شغب ونهب وعنف أفضت إلى سقوط نحو 40 قتيلاً.
وقال البستاني خوان سوتو (30 سنة)، "أتذكر جيداً عام 2001... نُهب سوبرماركت على زاوية شارعي وكان الناس بلا عمل وكان الجوع". وأضاف أن "التاريخ يعيد نفسه كما تعلم. إذا كان هناك اتفاق (مع صندوق النقد الدولي)، فهناك تصحيح. ولكن من يصحح؟ العمال، الفقراء، الذين يخرجون من وباء ضاعت بسببه وظائف كثيرة؟".