Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

اتفاق جدة يعيد رسم مشهد العلاقات اللبنانية - السورية

تفاهم أمني تاريخي يعكس الدور السعودي في الملفات الحساسة وتهدئة النزاع الحدودي بين البلدين

اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع السعودية ولبنان وسوريا احتضنته جدة أخيراً (واس)

ملخص

في خطوة بارزة نحو تعزيز الأمن الإقليمي عقد اجتماع تاريخي في جدة جمع وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة برعاية السعودية، هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.

في ظل التحولات السياسية البارزة في كل من سوريا ولبنان، يبرز ملف الأمن والحدود المشتركة كأحد أهم التحديات التي تواجه البلدين. وفي خطوة تاريخية نحو تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، عُقد اجتماع استراتيجي وأمني في مدينة جدة، جمع بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة، برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وهو الأرفع مستوى بين البلدين منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

بحسب المعلومات هدف الاجتماع إلى طي صفحة من الخلافات والتوترات على الحدود اللبنانية- السورية، وفتح الملفات الأمنية العالقة بين البلدين، بما يسهم في تأمين الاستقرار ونزع فتيل الاشتباكات وإمكانية اندلاع مواجهات عسكرية بين الطرفين، وكذلك تضمن تشكيل لجان قانونية ومتخصصة وتفعيل آليات التنسيق للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، بخاصة تلك المتعلقة بالحدود.

وهذه القضية، وفق المعلومات، مرتبطة بمزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا، إذ إن ترسيم الحدود بين البلدين في هذه المنطقة يحسم هويتها لكونها متنازعاً عليها واستغلها "حزب الله" لكي تكون عنواناً لدوره ومن خلالها أعطى شرعية لسلاحه وألزم مجلس الوزراء اللبناني طيلة السنوات الماضية على منحه غطاء سياسياً عبر معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" في البيانات الوزارية. وبالتالي هناك توجه اليوم لترسيم هذه المنطقة وحسم هويتها، لكن من غير الواضح كيف سيتم حسم ذلك.

وتشير مصادر من الجانب السوري إلى أن دمشق تعتبر تلك المناطق تابعة للجولان وبالتالي سيتم ترسيمها ضمنها وحسم هويتها السورية، كما هي الحال الآن، إذ تعتبرها الأمم المتحدة وفق الخرائط التي تملكها أراضي سورية وبالتالي سيتم تكريس هذا الواقع.

ويتوقع المحللون أن يسهم هذا الاتفاق في تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين وفتح قنوات حوار جديدة لمعالجة القضايا العالقة. كما يُنتظر أن يكون لهذا الاتفاق تأثير إيجابي على الأمن الإقليمي، تحديداً مع دعم السعودية لهذه الجهود، لا سيما أن الحدود اللبنانية- السورية شهدت في الآونة الأخيرة تصاعداً في التوترات، إذ اندلعت اشتباكات بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة مرتبطة بـ "حزب الله" والعشائر اللبنانية.

 

تعود جذور هذه التوترات إلى محاولات الجيش السوري تطهير الحدود من مربعات أنشأها "حزب الله" لتجارة المخدرات والتهريب، مما أدى إلى مواجهات دامية وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. وهذه الاشتباكات كادت أن تتسبب في تورط الجيش اللبناني، مما دفع إلى ضرورة التحرك السريع لاحتواء الأزمة ومنع تفاقمها.

تفاصيل الاتفاق

خلال الاجتماع جرى توقيع اتفاقية شاملة بين لبنان وسوريا، تضمنت عدة بنود أساسية تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني وترسيم الحدود بين البلدين. وتضمنت الاتفاقية خمسة بنود بارزة.

- ترسيم الحدود المشتركة: اتفق الطرفان على الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة للعمل على تحديد النقاط الحدودية بدقة، بما يضمن سيادة كل دولة على أراضيها ويمنع التداخلات غير القانونية.

-  تعزيز التعاون الأمني: تم الاتفاق على تفعيل آليات التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين للتعامل مع التحديات الأمنية، بخاصة في ما يتعلق بمكافحة التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة، وضبط المعابر غير الشرعية.

- مكافحة الإرهاب والتهريب: شدد الاتفاق على ضرورة التعاون المشترك في مواجهة التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية التي تنشط في المناطق الحدودية، والعمل على تفكيك شبكات التهريب وتجارة المخدرات التي تهدد أمن واستقرار البلدين.

- إعادة سيطرة الدولة على الحدود: أكد الجانبان على أهمية بسط سيطرة الدولة على كافة المناطق الحدودية، وإزالة أي تواجد للمجموعات المسلحة غير الشرعية، بما يضمن استعادة هيبة الدولة وسيادتها.

-  متابعة تنفيذ الاتفاق: تم الاتفاق على عقد اجتماعات دورية لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق، وتقييم التقدم المحرز في الملفات المشتركة، والتعامل مع أي مستجدات قد تطرأ على الساحة الأمنية.

القرار الدولي 1680

يأتي هذا الاتفاق في سياق الجهود المبذولة لتطبيق القرار الدولي رقم 1680، الصادر عن مجلس الأمن في عام 2006، والذي يدعو إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.

ويُعد هذا القرار خطوة أساسية نحو تعزيز سيادة لبنان واستقلاله السياسي، وضمان بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، إلا أن تنفيذه واجه تحديات عدة في السابق، نظراً لعدم تجاوب النظام السوري السابق مع متطلباته، واستمرار التداخلات الحدودية التي كانت تستغلها بعض المجموعات المسلحة والمهربين.

وينظر إلى هذا الاتفاق كجزء من حل الملفات الإقليمية العالقة، فترسيم الحدود بين لبنان وسوريا يسهم في تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويمنع استخدام المناطق الحدودية كمنطلق لعمليات التهريب أو كملاذ للجماعات المسلحة. كما أن هذا الاتفاق يعزز من دور السعودية كوسيط فاعل في حل النزاعات الإقليمية، ويؤكد على التزامها بدعم الأمن والاستقرار في الدول العربية.

شرعية رئاسية

في خطوة تعكس التزام القيادتين اللبنانية والسورية بتعزيز التعاون الثنائي، أجرى الرئيس اللبناني جوزاف عون اتصالاً هاتفياً مع نظيره السوري أحمد الشرع، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وخلال هذا الاتصال، أكد الرئيس عون على "ضرورة التنسيق بين البلدين من أجل معالجة المسائل العالقة، لا سيما موضوع الحدود المشتركة"، مشدداً على أهمية الاستفادة من المساعدة الفرنسية لإيجاد حل سريع لقضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم كي يعيشوا بكرامة.

 

من جانبه، رحب الشرع بالمبادرة اللبنانية، مؤكداً على الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع البلدين، وأهمية التعاون المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

هذا الاتصال يعزز الجهود المبذولة لتنفيذ الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين، ويضعها في إطارها التنفيذي، مما يسهم في تعزيز سيادة الدولتين على حدودهما المشتركة، ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتأتي هذه الاجتماعات في وقت تستعد سوريا للإعلان عن تشكيل حكومتها الانتقالية الجديدة، بعد إقرار الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية التي حُددت مدتها بخمس سنوات. وتواجه هذه الحكومة تحديات كبيرة، أبرزها ضبط الحدود ومكافحة التهريب، وهو ما يجعل التنسيق مع الجانب اللبناني أمراً بالغ الأهمية.

من جهة أخرى، تسعى الحكومة اللبنانية الجديدة إلى مواجهة تحدياتها الخاصة، مع التركيز على تعزيز الأمن والاستقرار، وضبط الحدود مع سوريا، بخاصة في ظل التوترات والمواجهات التي شهدتها المناطق الحدودية في الفترة الأخيرة.

الوساطة السعودية

تُعتبر الوساطة السعودية في هذه الاجتماعات مؤشراً على تمسكها بدعم الاستقرار في المنطقة وتعزيز العلاقات بين الدول العربية. ومن المتوقع أن تسفر هذه الاجتماعات عن وضع آليات محددة للتعاون الأمني وتبادل المعلومات، بما يسهم في منع تكرار الاشتباكات وضبط الحدود المشتركة، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي على أمن واستقرار البلدين والمنطقة بشكل عام.

في هذا السياق، يُنتظر أن تسهم هذه الاجتماعات في تعزيز التعاون بين سوريا ولبنان، ووضع أسس واضحة لمعالجة القضايا الأمنية المشتركة، بما يحقق مصلحة الشعبين ويعزز الاستقرار في المنطقة.

الصحافي والكاتب السياسي أسعد بشارة قال إن السعودية، ظلت الراعية الأولى للعلاقات بين لبنان وسوريا، ولعبت دوراً محورياً في توقيع الاتفاق الأخير لتنظيم العلاقة الأمنية وضبط الحدود بين البلدين، كما أنه يعكس التزامها الراسخ بضمان سيادة لبنان واستقلاله، إلى جانب اهتمامها العميق بأمن واستقرار سوريا، مع احترام سيادة واستقلال كلا البلدين.

ولفت الانتباه إلى أن الاتفاق الذي تم توقيعه في جدة تحت رعاية السعودية يحمل رمزية كبيرة، كونه يعكس الروحية الجديدة التي تحكم العلاقات بين لبنان وسوريا. ويُعتبر هذا التوقيع فرصة تاريخية لتصحيح العلاقة اللبنانية- السورية التي تضررت على مدى 50 عاماً، ويعكس إرادة حقيقية لتجاوز الخلافات والمشكلات التي تراكمت على مر السنين.

 

وبشكل عام، يرى أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقات بين لبنان وسوريا، لكن هذه الفرصة تتطلب جهوداً كبيرة من كلا الجانبين، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي. وأضاف أن تصحيح الشوائب التاريخية التي تسبب بها النظام السوري السابق طوال 50 عاماً يعد خطوة مهمة، بشرط تنفيذها بشكل صحيح وبالتوازي مع تعزيز التعاون في ملفات حساسة مثل ترسيم الحدود وضبطها، والتي بدورها ستعود بالمنفعة الكبيرة على الاقتصاد.

وفي هذا السياق، اعتبر بشارة أن اللقاء الثلاثي عبر الفيديو بين رؤساء لبنان وسوريا وفرنسا خطوة مهمة لتوثيق الجهود الدبلوماسية المبذولة ويعزز البعد الدولي لهذه الجهود، ويعكس اهتمام المجتمع الدولي بدعم مسار تصحيح العلاقات بين لبنان وسوريا.

وختم قائلاً "إن لبنان يتقدم خطوة بخطوة نحو الأمام، من مناخ الحرب والفتن وعدم الاستقرار، ومن ساحة استخدمت من قبل إيران، إلى دولة مستقلة وطبيعية تحترم سيادتها وتعمل على تعزيز استقرارها الداخلي والعلاقات مع جيرانها".

تعزيز التعاون

في تعليقه على الاجتماع المرتقب بين وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة في جدة بوساطة سعودية، أشار الكاتب الصحافي حنا صالح إلى أنه يأتي بعد فترة من الانفلات الأمني على الحدود المشتركة بين البلدين، حيث كانت هذه الحدود مستباحة من قبل "حزب الله" وميليشيات النظام السوري السابق، بخاصة الفرقة الرابعة التي أقامت مصانع الكبتاغون.

وأوضح صالح أن المواجهات السابقة كانت نتيجة تصفية حسابات بين عشائر وميليشيات وأطراف متعددة متداخلة عبر الحدود، مع دور ملحوظ لـ"حزب الله" وأطراف سورية مضادة، إضافة إلى ضغوطات خارجية.

وأشار إلى أن الاتصالات السابقة بين الجانبين هدفت إلى لجم الوضع نسبياً، لكنها لم تفتح الطريق لترسيم الحدود بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين، وتحديداً أن النظام السوري السابق رفض كل أشكال المطالبات اللبنانية بترسيم الحدود.

وأكد أن السعودية تعتبر المكان الأنسب لاستضافة مثل هذا اللقاء للوصول إلى نتائج إيجابية، في ظل دورها المركزي في إجراء المحادثات الدولية والتوافقات لإحلال الأمن في مناطق متعددة. وأشار إلى أن الرياض، بعلاقاتها الوثيقة مع لبنان وسوريا، ستلعب دوراً كبيراً في مفاوضات اليوم، بخاصة بعد تأجيلها بناءً على طلب الجانب السوري بحجة تحضيرات داخلية.

 

وفي ما يتعلق بالمواجهات السابقة بين القوات السورية وعناصر "حزب الله" على المناطق الحدودية، شدد صالح على أن الهدف هو أن تصبح الحدود اللبنانية- السورية حدود سلام وأمن وأخوة وتعايش، كما كانت عبر التاريخ، مع وجود عائلات مشتركة وعلاقات كبيرة لا ينبغي أن تخضع لعوامل التهريب وتهريب البشر والمواد الممنوعة والمخدرات، التي تضر بلبنان وسوريا ومكانتهما.

وأشار إلى أن التعويل في بيروت كبير على الدور الذي يمكن أن تلعبه السعودية في هذا الاتجاه، مؤكداً أن الأساس في الموضوع هو ترسيم الحدود، وهو أمر ليس صعباً على رغم بعض التداخل في بعض المناطق، ومتى كان الوسيط بحجم السعودية والنوايا صافية، يمكن معالجة هذه النقاط بسهولة، لما فيه مصلحة اللبنانيين والسوريين لطي صفحات الماضي التي أساءت للشعبين.

تبادل المعلومات الأمنية

في تعليقاته حول الاجتماع المرتقب بين وزيري الدفاع السوري واللبناني في جدة بوساطة سعودية، أوضح الكاتب والباحث السياسي السوري بسام سليمان أن الفترة الماضية شهدت مشكلات أمنية تنطلق من لبنان إلى الداخل السوري، مع حديث بعض المصادر عن تورط جهات مرتبطة بـ"حزب الله" في دعم أحداث الساحل السوري وعمليات التمرد هناك.

وأشار إلى وقوع اشتباكات عنيفة على طرفي الحدود، بخاصة في مناطق حمص، للمرة الثانية منذ تحرير دمشق، وبين أن الاجتماع يهدف بالدرجة الأولى إلى تبادل المعلومات الأمنية والتوصل إلى آليات محددة تخدم أمن الحدود بين البلدين. كما يسعى إلى تعزيز التواصل والحوار لمنع تكرار الاشتباكات مستقبلاً.

وأكد أن السعودية، ذات الثقل الإقليمي والدولي الواسع، قادرة على ضمان العديد من الاتفاقيات. وعلى رغم وجود تحديات قد تعرقل التوصل إلى اتفاق، يعتقد أن فرص الاستقرار أكبر من التحديات التي قد تفتعلها بعض الأطراف، مثل إيران عبر بعض أذرعها في سوريا ولبنان.

ويرى سليمان أن استضافة جدة لهذا الاجتماع تحمل عدة دلالات، منها الدور الإقليمي والعربي الهام للسعودية في إدارة الملفات الحساسة، شعور المملكة بالمسؤولية تجاه سوريا ولبنان كبلدين شقيقين، ودعم الاستقرار في سوريا ولبنان، والذي سينعكس إيجاباً على المنطقة ككل، ودعم عودة سوريا إلى عمقها العربي وعدم تركها وحيدة في مواجهة الأزمات.

ونبه إلى أن ملف الحدود معقد منذ عشرينيات القرن الـ20، عندما وضعت فرنسا هذه الحدود من دون مراعاة الضوابط الاجتماعية والجغرافية الدقيقة، مما أدى إلى تداخل تسبب في مشكلات متراكمة.

وبعد الثورة السورية، سيطر "حزب الله" على هذه الحدود، مما ألغى فكرة وجود حدود عازلة بين الدولتين، وفقاً لسليمان، الذي أضاف أن المؤسسة الأمنية السورية الجديدة حديثة العهد وتعاني من ضعف الخبرة والتقنيات، في حين أن الدولة اللبنانية، على رغم قدم وخبرة جيشها وأمنها، يبقى موضوع الحدود شائكاً حتى لدى دول كبرى كالولايات المتحدة، التي لم تستطع حتى الآن ضبط حدودها مع المكسيك بشكل كامل.

المزيد من تقارير