Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الأرض والقاع

يوثق فيلم "لا أرض أخرى" معاناة الفلسطينيين اليومية مع الاحتلال في الضفة الغربية

طفل يمشي بين الأنقاض على طريق مُهدّم، بينما يصل نازحون من بيت لاهيا إلى مدينة غزة في 22 مارس 2025 (أ ف ب)

ملخص

يهدف برنامج إسرائيل "التهجير الطوعي تحت القصف" إلى الاستيلاء على الأرض ليصل حال الفلسطينيين إلى القاع، لكن الرهان يبقى على الصمود المصري والرفض الأردني لهذا البرنامج التطهيري الخبيث.

كلمة الأرض شائعة بالعربية وباللغات السامية بمعناها، وهي "إيريتس" بالعبرية، وEARTH الإنجليزية المستعارة من الآرامية من خلال القراءات الإنجيلية، ولست متأكداً من أن أصل كلمة Arid بالإنجليزية جاءت من السامية أم من اللاتينية، بمعنى الأرض اليابسة Ardius .

وأميل إلى أن أصل تسمية "يثرب" هي "أرض رب"، ولا أتفق بأن أصلها من التثريب والعيب والمعايرة، كما يقول بعض اللغويين، وقد بدل المسلمون اسمها من يثرب إلى الاسم الحالي "المدينة المنورة"، إذ يعتبر الإسلام ثورة لغوية وثقافية تصحيحية، إضافة إلى الإيمان بأنه رسالة سماوية.

والأرض هي الكوكب الذي نعيش فيه، وصدق أو لا تصدق بأنه لا يزال بيننا من يرفض كرويتها وشكلها البيضاوي ويسميهم بعضهم "علماء"!

وقد تعني كلمة الأرض اليابسة في سياق الحديث عن البحار والمياه، وهي الوطن، والولاء لها والتغني بها كوطن ساد في كل اللغات، و"الأرض بتتكلم عربي" من أشهر أغاني سيد مكاوي التي لحنها من كلمات الشاعر فؤاد حداد، وقد كانت تصدح باستمرار لفلسطين إبان موجة القومية العربية، والأرضة من مشتقات الأرض، وهي النمل الأبيض الذي يتغذى على قواعد الأخشاب وجذوع الشجر والنباتات.

وتتداخل كلمة الأرض بمعناها مع كلمة القاع، والثانية شائعة في لهجة العراق وأهل الخليج والجزيرة العربية، ومن أشهر أغاني العراق في القاع /الأرض هي أغنية "يا قاع ترابج (ترابك) كافوري"، فقد كانت هذه الأغنية تبث باستمرار على "صوت الجماهير من بغداد" طوال حرب السنوات الثمان العجاف بين العراق وإيران، والسلطات الرسمية اليوم في العراق تمنع بث هذه الأغنية أو الاستماع إليها لأنها من عهد صدام البائد.

لكن الغريب أن القاع ليست للبيع، بينما نرى إعلانات العقار تنتشر لبيع الأرض، "أرض للبيع مساحتها كذا وكذا"، فهل القاع أغلى من الأرض؟

اقرأ المزيد

في يثرب، قبل الإسلام، كانت تعيش قبيلة عربية يهودية اسمها "قينقاع"، وهو اسم مركب من "قين" أي الحداد أو الصانع، وقاع التي تعني الأرض أو المكان،  أي مكان الصناعة والحدادة التي اشتهرت بها تلك القبيلة، وتقع مدينة القويعية غرب الرياض، وهي تصغير قويعة والتي هي بدورها تصغير قاع، وهي نقطة التقاء مهمة على الطريق بين المناطق الوسطى والغربية للمملكة العربية السعودية، ويقول البدو بأن فلاناً "يبي برد القاع"، كناية عن أنه مسالم ولا يريد المشكلات، ويصف العسس من البدو الرُحل القاع بأنها "طيبة وممطورة وخضراء"، مما يعني أنها صالحة لرعي إبلهم ومواشيهم.

ومن أشهر الأفلام المصرية والعربية فيلم "الأرض" الذي أخرجه المخرج المصري الشهير يوسف شاهين، ويدور حول صراع الفلاحين مع الإقطاعيين الذين يحاولون مصادرة أراضيهم، فللفيلم رمزية التعلق بالأرض والتمسك بها حتى الموت.

أفرجت إسرائيل قبل يومين عن أحد مخرجي الفيلم التوثيقي "لا أرض أخرى"، وكنت أفضل تسميته "فش أرض غيرها" باللهجة الفلسطينية، والذي أخرجه حمدان بلال بالتعاون مع صديقه الفلسطيني باسل عذرا وصديقيه الصحافيين الإسرائيليين يوفال أبراهام وريتشيل تسور، ويوثق معاناة الفلسطينيين اليومية مع الاحتلال في الضفة الغربية، وقهرهم ومصادرة أراضيهم وتعرضهم للقتل والضرب والإهانة على أيدي المستوطنين يومياً، وقد حاز الفيلم "جائزة أوسكار" هذا الشهر في هوليوود كأحسن فيلم توثيقي، لكنه لم ير الطريق إلى دور العرض الأميركية بعد على رغم انتشاره الواسع عالمياً.

وتزامن إطلاق الفيلم مع دعوات إسرائيلية للتهجير الطوعي لفلسطينيي غزة وهم تحت القصف، هاجر طوعاً أو سنقصفك ونقتلك ونبيدك دون هوادة، وبرنامج الهجرة الطوعية تحت القصف الذي تنادي به حكومة نتنياهو يقابله رفض مبدئي من مصر والأردن اللتين تدفعان بتشبث الفلسطينيين بأرضهم.

ويهدف برنامج إسرائيل "التهجير الطوعي تحت القصف" إلى الاستيلاء على الأرض ليصل حال الفلسطينيين إلى القاع، لكن يبقى الرهان على الصمود المصري والرفض الأردني لهذا البرنامج التطهيري الخبيث.

المزيد من آراء