ليس صحيحاً أن دول الخليج أهملت لبنان وتركته لإيران. ولا أن المسؤولين نفضوا اليد منه، وما عادوا يريدون أن يسمعوا به وعنه، بعدما كان على مدى عقود، الوطن الثاني لأشقائه في الخليج حكاماً وشعوباً، ولا يزال هو الوطن الثاني لنصف مليون لبناني يعملون فيه. الصحيح أن لبنان أهمل نفسه وكان ضحية خداع استراتيجي قاده من الوصاية السورية الى الأسر الإيراني تحت شعار السلاح لمقاومة إسرائيل، بحيث صار "مقراً وممراً" لإيذاء السعودية وشقيقاتها الخليجية. وهذا ما بدا بوضوح في الجولة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إخوانه في الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي: عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت. ففي كل محطات الجولة كان لبنان حاضراً في المحادثات والبيانات المشتركة. وكان بالطبع حاضراً في محادثات جدة التي سبقت الجولة بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وفي كل البيانات المشتركة، كان المطلوب للبنان ومنه واحداً: التأكيد على "أمن لبنان واستقراره ووحدة أراضيه"، إجراء "إصلاحات شاملة لتجاوز أزمته"، "حصر السلاح في مؤسسات الدولة" وفق القرارين 1559 و1701، و"ألّا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضناً للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات". والإشارة واضحة ضمناً، ومباشرة في بعض البيانات إلى "حزب الله" الذي أنشأته إيران وتموّله وتسلّحه. وهو يتهجّم على السعودية ودول الخليج، ويدعم وكلاء طهران في العراق، ويساعد الحوثيين في اليمن بالإعلام والتدريب والخبرة في إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو المدنيين والأعيان المدنية في السعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والترجمة العملية لما في البيانات المشتركة أن لبنان ليس مهملاً ولا غائباً عن الاهتمامات الخليجية المتنوعة. لا حين يقوم بدوره التاريخي والطبيعي. ولا عندما يأخذه حزب إيران بالقوة إلى إيذاء الخليج. فهو كما كان يقول محمد حسنين هيكل "مرصد الأفكار" و"مختبر التجارب" و"الشرفة الجميلة للمبنى العربي". واليوم صار جرماً يدور في المدار الإيراني، ومنصةً للتهجّم على السعودية والخليج وتأزيم العلاقات العربية، فضلاً عن أن هيمنة "حزب الله" على لبنان تمنع قيام الدولة وتضرب القضاء وتعطل السلطة وتجلب الأخطار إليه بمقدار ما تأخذه إليها، وتحول دون إخراجه من الأزمة المالية والاقتصادية والسياسية الخطيرة. فلا أحد يهمل بلداً يسبب له الأذى. ولا عربي إلا وله شيء يذكّره بلبنان وفيه شيء من لبنان. وما تطلبه السعودية ودول الخليج وفرنسا وكل أوروبا وروسيا هو ما يطلبه اللبنانيون: عودة لبنان إلى نفسه وموقعه العربي.
وليس من المعقول أن يبدو رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقادة الأحزاب والتيارات الوطنية والسيادية عاجزين عن فعل أي شيء للإصلاح واستعادة الدولة لقرار السلم والحرب بحيث تكون "محتكرة العنف الشرعي" بحسب ماكس فيبر. ولا من المقبول أن يعجز لبنان الذي كان رائد النهضة العربية عن اللحاق بالنهضة التنموية والمستقبلية والتطورية التي يقوم بها الخليج، متقدماً نحو موقع القيادة العربية. فهل اختفى الطوفان الشعبي الذي صنع "ثورة الأرز" عام 2005 وأخرج القوات السورية من لبنان؟ وهل صار لبنان مجرد مساحة جغرافية بلا شعب، جاهزة لتكون جبهة أمامية للمشروع الإيراني؟
دروس التاريخ حيّة. لبنان بقي وانتهى أصحاب القوة قديماً وحديثاً، كما تؤكد اللوحات الحجرية على نهر الكلب. ولا مقر ولا مستقر لمشروع فارسي على الأرض العربية. لكن الأسير يحتاج إلى جانب عزيمته وإرادته إلى من يساعده على فك الأسر.