طوال يومي التاسع والعاشر من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، استضافت الولايات المتحدة الأميركية بدعوة رسمية من الرئيس جو بايدن، قمة افتراضية من أجل الديمقراطية، وهي منتدى يناقش فيه القادة من مختلف أنحاء العالم التحديات والفرص التي تواجه الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين.
القمة التي دعا إليها الرئيس بايدن نحو 110 دول، لم يوجد بينها من الدول العربية سوى العراق، الأمر الذي طرح علامات استفهام عديدة ومثيرة، فتحت باب الحديث لأسئلة عميقة، لعل في مقدمها التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية وفي هذا التوقيت العصيب الذي تمر به، مؤهلة للتبشير بالقيمة السياسية التي وصفها رئيس وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل، بأنها أحسن الأسوأ في أنظمة الحكم.
ولعل المثير في مشهد قمة بايدن هو أن التساؤلات جاءت من الداخل الأميركي، قبل أن تلقى رفضاً أممياً، من جراء الفوقية الأميركية التقليدية، وكأنها السيد والمعلم الذي لا يخطئ ولا يزل، على الرغم من المعالم السيئة التي تركتها تخبطات السياسة الأميركية في العقدين الأخيرين على الحياة الديمقراطية في كثير من البقاع والأصقاع.
يحتار المرء حال تناول قضية شائكة كالعلاقة بين إدارة بايدن التي حررت ما عرف باسم "المبادرة الرئاسية للتجديد الديمقراطي"، وبين الإخفاق الذريع لوجودها في أفغانستان خلال عقدين من الزمن، انتهيا بانسحاب فوضوي، وها هو الجنرال مارك ميللي رئيس هيئة الأركان الأميركي، يتحدث عن عودة القاعدة إلى الداخل الأفغاني، وانقسام قادة "طالبان"، حول ما إذا كان يتوجب التعاون مع قادة القاعدة من جديد.
أما في العراق، فها هي القوات المسلحة الأميركية تعلن عن ترتيبات لانسحاب كامل وشامل، في الوقت الذي تعود فيه فلول "داعش" لترتيب صفوفها مرة أخرى لتعيث المزيد من كل ما هو مجاف ومناف للديمقراطية.
الديمقراطية الأميركية تقدم أم تراجع؟
للجواب، ينبغي علينا العودة إلى التقرير الصادر في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، عن المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية ومقره ستوكهولم، الذي تم فيه إدراج الولايات المتحدة ضمن قائمة تعرف باسم "الأنظمة الديمقراطية المتراجعة"... كيف يمكن لأميركا حارسة الديمقراطية في العالم أن تصل إلى هذه الحال؟
الجواب هو بسبب التدهور المسجل في النصف الثاني من ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والعهدة هنا على صحيفة "واشنطن بوست"، القريبة من البيت الأبيض منذ عقود طوال.
في تقريره يقول المعهد الأوروبي، "إن الولايات المتحدة معقل الديمقراطية العالمية، وقعت ضحية للميول الاستبدادية نفسها، وتراجعت خطوات عديدة على مؤشر الديمقراطية".
التقرير الأوروبي المتقدم يمكن للمرء القطع بصحته من باب المتابعة لمآلات التعاطي مع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، فقد بدا واضحاً أن الحزب الجمهوري يرفض النتائج، ومن ورائه بات هناك نحو 74 مليون نسمة يوقنون بأن تزويراً ما جرت به المقادير، والهدف هو إسقاط الرئيس ترمب. هذه الكتلة التصويتية الهائلة من الأميركيين تجلت بعض ملامح غضبها نهار السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، فيما عرف بيوم الاعتداء على الكونغرس الأميركي، الحصن الحصين للديمقراطية وحارسها الأمين.
بدوره نوه الأمين العام للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، كيفن كاساس-زامور، إلى أن ما وصفه بالتدهور الواضح للديمقراطية في الولايات المتحدة جاء نتيجة الميل للاحتجاج على نتائج انتخابات ذات مصداقية، والجهود لإلغاء المشاركة والاستقطاب الجامح، وهو من أكثر التطورات المثيرة للقلق على الصعيد العالمي.
هل تراجع الديمقراطية سمت عالمي في الآونة الأخيرة؟
التقرير الذي بين أيدينا يؤكد أن العالم يزداد استبداداً، إذ أصبحت الأنظمة غير الديمقراطية أكثر جرأة في قمعها ويعاني عديد من الحكومات الديمقراطية من التراجع بسبب تبني تكتيكاتها المتمثلة في تقييد الحرية وإضعاف سيادة القانون، وهو ما يتفاقم بسبب التهديد بأن يصبح ذلك الواقع الجديد نتيجة قيود فيروس "كوفيد-19"، وصار عدد البلدان التي تتحرك في اتجاه الاستبداد ثلاثة أضعاف العدد الذي يتجه نحو الديمقراطية.
حفنة دولارات لـ"التجديد الديمقراطي"
ذات مرة تحدث وزير خارجية ألمانيا السابق يوشكا فيشر، واصفاً أميركا بالدولة المجبولة على تكرار أخطاء الماضي من غير التعلم من دروس التاريخ، وكأن هناك دافعاً قسرياً يقودها في هذا الاتجاه، إلى الدرجة التي أضحت معها كأسرة البوربون، أي أولئك الذين لم يتعلموا شيئاً من التاريخ، ولم يعوا شيئاً مما جرى في ثنايا التاريخ.
طويلاً جداً عمدت الولايات المتحدة إلى تسخير أرصدتها النقدية لشراء الولاءات، ودفع دول بعينها في طريق التحول الديمقراطي، وكانت المحصلة النهائية ضياع بضعة تريليونات من الدولارات الأميركية عبثاً من غير أي نتيجة ذات قيمة.
أدت محاولات واشنطن المستمرة والمستقرة لتصدير الديمقراطية تحت إغراء التمويلات الخارجية تارة، وتحت سنابك الخيل ونيران البواريد تارة أخرى، إلى عواقب وخيمة، إلى الدرجة التي باتت معها كلمة الديمقراطية سيئة السمعة.
في القمة الأخيرة بان جلياً أن إدارة بايدن تخطط العام المقبل لتقديم ما يصل إلى 424.4 مليون دولار للمبادرة الرئاسية الخاصة بتوسيع مجال الديمقراطية حول العالم، وذلك من خلال العمل مع الكونغرس، ورهناً بتوافر الاعتمادات.
الحديث المتقدم يذكرنا بكارثة كونداليزا رايس التي عرفت بالفوضى الخلاقة، والتي كانت مقدمة للعب في مفاصل الدول الوطنية العربية بنوع خاص، وبعيداً عن أي معنى أو مبنى للدولة الويستفالية.
يبقى المبلغ المرصود زهيداً، ولا يزيد على نصف مليار دولار، وللمرء أن يتصور مقاربة بينه وبين ما هو أزيد من 740 مليار دولار تنفقها الولايات المتحدة على العسكرة في العام المقبل، وهذا هو الرقم العلني، في حين يبقى الرقم الحقيقي مغايراً بالمطلق.
خمسة مجالات سوف تشاغب فيها الأفكار الأميركية العالم مرة أخرى، تحت ستار "الطريق إلى الدمقرطة" وهي كالتالي:
ـ دعم الإعلام الحر والمستقل.
ـ محاربة الفساد.
ـ دعم الإصلاحيين الديمقراطيين.
ـ تطوير التكنولوجيا من أجل الديمقراطية.
ـ الدفاع عن حرية الانتخابات والعمليات السياسية ونزاهتها.
هل يمكن النظر إلى البنود المتقدمة بوصفها كعب أخيل في جسد العديد من دول العالم بحجة الديمقراطية وإعادة إنتاج مسارات ومساقات متجددة للتدخل في شؤون العالم؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن الهدف الحقيقي لقمة بايدن
يبدو الرئيس بايدن في وضع لا يحسد عليه، لا سيما بعد تراجع شعبيته خلال عام من حكمه، وبات الخرق الحادث في الجسد المجتمعي الأميركي متسعاً على الراتق.
أخفق بايدن في الوفاء بوعوده الخاصة بعودة اللحمة والسدى بين الأميركيين أنفسهم، بل إن الناظر إلى الاستعدادات الماضية على قدم وساق في طريق انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يؤمن من دون أدنى شك أن هناك عثرات ديمقراطية، تصل إلى كبوات ديمقراطية في الطريق، الأمر الذي جعل أحد كبار أساطين المحافظين الجدد الأميركيين، روبرت كاجان، يتوقع حرباً أهلية أميركية عام 2024 خلال الانتحابات الرئاسية المقبلة.
هل هي إذن قمة تبييض وجه بايدن في الداخل الأميركي وبالتذرع بقضية الديمقراطية، ومحاولة تلبس دور المبشر العالمي ورسول الأمم للهداية السياسية إن جازت التعبيرات؟
يمكننا التوقف مع قراءتين جاءتا من خلفيتين متضاربتين، واحدة من الداخل الأميركي، والأخرى من الصين.
كتبت فرح ستوكمان من "نيويورك تايمز" عن هذا المؤتمر بوصفه طريقاً لتشكيل جبهة للتحضير للمنافسة التكنولوجية، وكيفية قيام المجتمعات المفتوحة بالدفاع عن نفسها في المستقبل ضد التهديدات التكنولوجية الوجودية.
تقول فرح في مقالها "تخيلوا دولة معادية تغلق الشبكة الكهربائية لمدينة نيويورك لأشهر عدة في كل مرة باستخدام فك شيفرات أجهزة الكمبيوتر الحكومية". وتضيف "تخيلوا قراصنة في الفضاء الإلكتروني يعطلون أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركي من دون سابق إنذار. تخيلوا أن الصين تحصل على بيانات صحية خاصة، أو اتصالات هاتفية خاصة لملايين الأميركيين، بمن فيهم أعضاء الكونغرس".
الكاتبة الأميركية فرح ستوكمان تقودنا في رؤيتها وتحليلها إلى أن قمة بايدن هي الجزء المتمم والمكمل للتحالفات العسكرية والسياسية الأميركية الأخيرة، بدءاً من أوكوس، بين بريطانيا وأميركا وأستراليا، ما يمثل الجانب الحربي في المشهد، ووصولاً إلى تجمع كواد، وحيث الهند واليابان تلعبان دور الطوق مع أميركا وأستراليا ضد الصين وروسيا، بذريعة الحفاظ على الديمقراطية.
ترى فرح أن رد إدارة بايدن كان مواجهة التهديدات السيبرانية من خلال تجميع تحالف من الديمقراطيات التي ستعمل معاً لحماية الاقتصاد والجيوش الأميركية والشبكات التكنولوجية من الجهات الفاعلة السيئة في المحورين الصيني والروسي، وربما في أماكن أخرى حول العالم.
هذا هو السبب وراء قيام الرئيس بايدن ونظرائه الأوروبيين بتشكيل مجلس التجارة والتكنولوجيا الأوروبي – الأميركي الذي شكل مجموعات عمل لتطوير التكنولوجيا الجديدة ومنع وقوعها في الأيدي الخطأ.
الصين وقمة لخدمة المصالح الأميركية
لم يتقبل الروس فكرة القمة، ووجهوا لها رفضاً واضحاً، غير أنهم لم يتوقفوا طويلاً أمامها، فيما الجانب الصيني، الذي شعر بأن الرسالة موجهة إليه، والهدف هو إقصاء قطبيته المقبلة بحجة النظام الشمولي التوتاليتاري، كان صاحب الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة في مقابل الشمولية الديمقراطية الأميركية بحسب وجهة نظر أساطين الفكر الشيوعي الصيني المحدث.
في اليوم الأول للقمة، أي التاسع من ديسمبر، انتقد متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، القمة الأميركية من أجل الديمقراطية، قائلاً إنها لا علاقة لها بالعدالة أو الديمقراطية الدوليتين، بل تتعلق بخدمة مكاسب الولايات المتحدة الأنانية والحفاظ على هيمنتها.
في التصريحات عينها أشار، وانغ ون بين، المتحدث باسم الخارجية الصينية، إلى أن هذا المؤتمر مثال آخر على كيفية قيام الولايات المتحدة بتسييس وتوظيف وتسليح الديمقراطية.
بلغت الصينيين الرسالة، ولهذا اعتبروا أن التحالف المقترح يظهر مرة أخرى أن الولايات المتحدة تقسم الإنترنت، وتسعى إلى الاحتكار التكنولوجي والهيمنة السيبرانية، وتقمع التطور العلمي والتكنولوجي للدول الأخرى.
عطفاً على ذلك فإن بكين واثقة اليوم من أن واشنطن تحاول فرض معاييرها على الآخرين، وتقيد أو تسلب الحق في الاختيار المستقل لشركاء التعاون، وأنها تقف أمام تطوير الإنترنت من قبل الدول، بخاصة النامية، بالتالي منعها من التمتع بعوائد الاقتصاد الرقمي والتقدم التكنولوجي.
تقف الصين في وجه الولايات المتحدة، معارضة لتسييس التعاون العلمي والتكنولوجي على أساس الأيديولوجيا ومن خلال ما أطلقت عليه الترتيبات الحصرية لأن ذلك يعيق الجهود المبذولة لمواجهة التحدي المشترك والسعي نحو تنمية مشتركة، وباتت بكين على يقين من أن هذه التحركات التي تتمثل الديمقراطية طريقاً لها، لن تؤدي إلا إلى تقويض الابتكار العلمي والتكنولوجي.
عشرة أسئلة عن الديمقراطية الأميركية
يتعاطى الصينيون بذكاء فكري، سياسي واجتماعي كبير وخطير مع النوازل الأميركية، ومنها القمة الأخيرة، حيث أعدوا لها قراءة موضوعية شارك فيها عدد كبير من الخبراء الصينيين والدوليين، لمناقشة وجلاء الأمر، وخلصوا إلى تقرير أطلقوا عليه، "عشرة أسئلة تتحدى الديمقراطية الأميركية"... ماذا عن فحوى تلك التساؤلات؟
بحسب العميد التنفيذي لمعهد تشونغيانغ للدراسات المالية، يتمثل جوهر الأسئلة العشرة في أن الديمقراطية الأميركية لا تخدم الشعب ولا تحكم البلد من أجل الشعب. وأن الديمقراطية الأميركية مريضة لأن قلة من الناس هم من يمتلكون السلطة، ولم يستفد معظم المواطنين الأميركيين من تنمية البلاد. والأسوا من ذلك، لم تتحسن رفاهية الشعب الأميركي، بل وخلقت الديمقراطية الأميركة تأثيراً سلبياً أدى في النهاية إلى الفوضى والكوارث في العالم.
التساؤلات العشرة التي طرحها الصينيون على الأمريكيين تتمثل في التالي:
1 ـ هل هي ديمقراطية للأغلبية أم ديمقراطية للأقلية؟
2 ـ هل تضمن الضوابط والتوازنات في السلطة أم تؤدي إلى إساءة استخدامها؟
3 ـ هل تحسن رفاهية الناس أم تزيد من معاناتهم؟
4 ـ هل تدافع عن الحرية أم تعيقها ؟
5 ـ هل تحمي حقوق الإنسان أم تنتهكها؟
6 ـ هل تعزز الوحدة أم تؤدي إلى الانقسام؟
7 ـ هل تحقق الأحلام أم تأتي بالكوابيس؟
8 ـ هل تحسن حكم الدولة أم تؤدي إلى الفشل؟
9 ـ هل تحقق تنمية وازدهاراً أم كوارث واضطرابات في البلدان الأخرى؟
10 ـ هل تحمي السلام والتنمية العالميين أم تقوض النظام الدولي؟
تبدو التساؤلات المتقدمة نقاطاً مفصلية في الحكم على حالة الديمقراطية الأميركية، وهو أمر متوقع من قبل الصينيين، الذين يمثلون الجناح القطبي المناوئ للولايات المتحدة، لكن من غير الطبيعي أن تعلو أصوات أميركية عديدة في الداخل في اتجاه مضاد لطرح الرئيس بايدن.
إصلاح الديمقراطية الأميركية أولا
من باب أيها الطبيب اشف نفسك، وقبل أن تخرج القذى من عين أخيك أخرج الخشبة التي في عينك، كتب الصحافي الأميركي ماكس بوت، في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست" يقول، "إن دعم الديمقراطية أصبح رديفاً للتدخلات العسكرية الأميركية الفاشلة في كل من أفغانستان والعراق. كما أن ممارسات الرئيس السابق ترمب قد شوهت بدورها صورة الديمقراطية الأميركية في الداخل".
بوت في مقاله ذهب إلى أن مشكلة الولايات المتحدة لا تقتصر على تراجع الديمقراطية فحسب، بل إن أميركا باتت تفتقر للكفاءة أخيراً ، الأمر الذي يجعلها تبدو غير فعالة.
هل خسرت واشنطن فرصة ذهبية خلال عامين احتاج العالم فيهما لمد يد المساعدة عبر توزيع لقاحات كورونا وامتنعت واشنطن عن الفعل؟
يقول بوت، إنه كان قد أعرب عن أمله قبل عام من الآن في أن تسهم قيادة الولايات المتحدة في جهود تطوير وتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا لترميم صورتها على المستوى الدولي، لكن أميركا متأخرة مقارنة مع عشرات البلدان الأخرى في ما يتعلق بنسبة السكان الذين تلقوا اللقاحات المضادة للوباء، إذ تمكنت الصين من تطعيم 79 في المئة من سكانها في حين لا تتجاوز نسبة التطعيم في أميركا 60 في المئة فقط من الأميركيين.
لم تكن "واشنطن بوست" فحسب هي من توقف أمام مشهد الديمقراطية في الداخل الأميركي، فقد جاءت نتائج استطلاع رأي لمركز "بيو" للأبحاث في واشنطن لتلفت الانتباه إلى رأي الشارع الأميركي في مسألة الدمقرطة، فقد جاءت نسبة الذين أعربوا عن ثقتهم بالولايات المتحدة كنموذج يحتذى به في مجال الديمقراطية في حدود 17 في المئة فقط من مجموع المشاركين في الاستطلاع الذي أجري في 16 دولة ديمقراطية.
يتساءل الأميركيون اليوم، ألا يتوجب علينا إعادة ترتيب بيتنا من الداخل أول الأمر قبل إخبار الآخرين بما يجب عليهم فعله؟ أليس من الواجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تعزيز ديمقراطيتها، كما أن من الضروري أن يمرر الكونغرس الأميركي تشريعات تتعلق بحقوق التصويت.
قمة براجماتية وتوقعات نتائج عكسية
هل كان الأميركيون والعالم أمام قمة براجماتية أميركية لإعادة تمركز بايدن في عيون الأميركيين، وبنوع خاص قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، تمركز يتطلع إلى تحسين الوضع التفاوضي للولايات المتحدة حول العالم، بخاصة في سياق الملفات الساخنة المفتوحة وعلى رأسها مواجهة العنت الإيراني المستمر والمستقر، وهل ستقوم واشنطن بإنهاء المشهد عسكرياً، عطفاً على المواجهة المفتوحة في شرق آسيا، سواء مع روسيا وأزمة أوكرانيا الساخنة، أو الصين وفخ جزيرة تايوان.
قد يكون ذلك كذلك، لكن رأياً للبروفيسور الأميركي الشهير ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفاد، ضمنه مقاله في مجلة "فورين بوليسي"، يجعلنا نتساءل عن توقيت انعقاد تلك القمة وهدفها الأساسي الذي لم يتضح بعد والنتائج المرجوة منها.
تساءل والت عما إذا كان من المفترض أن تتمخض القمة عن نتائج ملموسة في شتى أنحاء العالم، أم أنها لن تعدو قمة كلامية تصدر في ختامها بيانات لا تعود بفائدة ملموسة على الديمقراطية؟
تساؤل البروفيسور والت يضعنا أمام الطريقة المثلى لتسويق الديمقراطية، وهي التي قال عنها بايدن من قبل، إماه "إثبات قدرة الدول الديمقراطية على التفوق على تلك الاستبدادية". الأمر الذي يعني توفير حياة أكثر ازدهاراً وأماناً للمواطنين مع الحفاظ على الحريات والقيم المدنية التي تعتمد عليها الديمقراطية الحقة.
ذهب والت إلى أن هناك خشية من أن يتسبب إخفاق القمة في التوصل إلى نتائج ملموسة، كما حدث في مؤتمرات قبلها، في تعزيز التصور بأن الديمقراطية ذاتها لم تعد صالحة للأهداف التي وضعت من أجلها.
أما الخلاصة التي توصل إليها، فهي عينها التي خلصت إليها مجلة "إيكونوميست"، ألا وهي أن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بقيادة هذا الجهد في الوقت الراهن.
هل يجيء حساب الحصاد الديمقراطي لبايدن معاكساً لحساب الحقل الذي بذرت فيه البذور بصورة براغماتية؟