تبين أنه لا يتوافر حالياً أي دليل على أن "أوميكرون"، المتحورة الجديدة من فيروس كورونا، تتسبب بمضاعفات صحية أقل خطورة مقارنة مع نظيرتها "دلتا"، وذلك وفق دراسة أولية نظرت في بيانات حول الإصابات المسجلة في المملكة المتحدة، وقد كشفت أيضاً أن خطر الإصابة بالعدوى مرة أخرى نسبته خمسة أضعاف [مقارنة بخطر عدوى دلتا]، مسلطة الضوء على ضرورة أخذ الجرعات المعززة.
نظرت الدراسة في سجلات جمعتها "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) البريطانية و"وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" (اختصاراً UKHSA) حول الأشخاص الذين حصلوا على نتائج إيجابية في فحص الـ"بي سي آر"PCR في إنجلترا خلال الفترة الممتدة بين 29 نوفمبر (تشرين الثاني) و11 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وقد وجد العلماء الذين نهضوا بها في "إمبريال كوليدج لندن"Imperial College London أنه حتى الآن لم يطرأ أي تغيير على نسبة المصابين بمتحورة "أوميكرون" الذين يعانون أعراضاً صحية أو يحتاجون إلى دخول المستشفى مقارنة مع "دلتا".
وشدد العلماء المشاركون في الدراسة على أن "البيانات المتصلة بمعدل الدخول إلى المستشفى ما زالت محدودة جداً في الوقت الراهن"، موضحين أن "المعرفة التامة بمدى الخطورة التي تمثلها المتحورة السريعة الانتشار ربما تستغرق أسابيع عدة".
النتائج التي توصلت إليها "إمبريال كوليدج لندن"، ودعمها تحليل آخر أجرته "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" ونُشر أيضاً يوم الجمعة الماضي، تتعارض مع تقارير أولى جاءت من جنوب أفريقيا تشير إلى أن "أوميكرون" يمكن أن تتسبب بمضاعفات أخف وطأة، إلا أنها كررت التقديرات السابقة نفسها بشأن التأثير الذي تطرحه المتحورة على فاعلية اللقاحات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفق تقديرات علماء "إمبريال كوليدج لندن"، توفر جرعتان من اللقاحات المضادة حماية بنسبة 0 إلى 20 في المئة من عدوى "أوميكرون" المصحوبة بأعراض، في حين تبلغ نسبة الحصانة المناعية بين 55 و80 في المئة بعد أخذ جرعة تحصينية معززة. وقد استندت تلك البيانات إلى تقديرات بشأن فاعلية اللقاحات ضد متحورة "دلتا".
في هذا الصدد، قالت الدكتورة ألكسندرا هوغان من "إمبريال كوليدج لندن" إنه "في حين أننا لم نتبين تماماً الآثار الناجمة عن "أوميكرون" في ما يتصل بشدة المرض، ستشكل الجرعات التحصينية المعززة جزءاً أساسياً من سياسة التصدي [للمتحورة] من أجل الحد من معدل اللجوء إلى المستشفى والوفيات، والحؤول دون تفاقم العبء على النظم الصحية" في البلاد.
التقرير الجديد الصادر عن المركز المتعاون مع "منظمة الصحة العالمية" في "إمبريال كوليدج لندن"، والذي لم يخضع بعد لمراجعة من علماء نظراء، وجد أن خطر الإصابة بـ"كوفيد- 19" تحديداً بمتحورة "أوميكرون" أكبر بـ5.4 مقارنة مع "دلتا"، ما يعني أن الحماية التي توفرها العدوى السابقة ضد الإصابة مرة أخرى بـ"أوميكرون" ربما تتدنى حتى 19 في المئة.
وقال البروفيسور نيل فيرغسون، من "إمبريال كوليدج لندن" أيضاً إن "هذه الدراسة تقدم دليلاً إضافياً يؤكد القدرة الكبيرة جداً لدى "أوميكرون" على تفادي المناعة التي تولدت في الجسم سابقاً، سواء نتيجة العدوى الطبيعية أو التطعيم".
"يشير هذا المستوى من التملص المناعي إلى أن "أوميكرون" تشكل تهديداً رئيساً ووشيكاً على الصحة العامة"، وفق البروفيسور فيرغسون.
كذلك ورد في نتائج الدراسة أن توزيع إصابات "أوميكرون" بحسب العمر ومنطقة العيش والانتماء الإثني يختلف حالياً عن التوزيع المتصل بـ"دلتا"، إذ إن الأشخاص في الفئة العمرية بين 18 و29 سنة والمقيمين في لندن وأولئك المتحدرين من أصل أفريقي يسجلون معدلات أعلى كثيراً من الإصابة بالمتحورة الجديدة مقارنة مع نظيرتها السابقة.
في الواقع، هذا النسق "المختلف تماماً" من مجموعات "أوميكرون" في صفوف البالغين الأصغر سناً، علماً أنهم "بطبيعتهم أقل عرضة للدخول إلى المستشفى أو الوفاة"، يحد من القدرة على عقد مقارنة بين الخطورة التي تطرحها المتحورتان، على ما قال بيني وارد، البروفيسور الزائر المختص في الطب الصيدلاني في"كينغز كوليدج لندن" King’s College London ، علماً أنه لم يشارك في الدراسة.
النتائج التي توصلت إليها "إمبريال كوليدج لندن" بشأن الخطورة المحتملة عززتها "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" التي أصدرت يوم الجمعة الماضي تقريراً جديداً عن البحوث وعمليات المراقبة المستمرة التي تضطلع بها في ما يتصل بالمتحورة الجديدة.
وبينما أشارت إلى أن بيانات كافية تسمح بوضع تقييم كامل للحدة التي تنطوي عليها "أوميكرون" لم تتوافر بَعد، أدخلت "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" تحديثات إلى تقييمها الخاص بمخاطر المتحورة الجديدة، مضيفة أنه "لا يتوافر دليل يدعم وجود اختلاف جوهري في ضراوة العدوى بين متحورة "أوميكرون" وبين [متحورة] "دلتا".
وقدرت الوكالة الحكومية أن 7.6 في المئة من حالات "أوميكرون" سجلها أشخاص كانوا أصيبوا بفيروس كورونا سابقاً، مقارنة بـ1.5 في المئة من المتحورات الأخرى، ما يمثل ارتفاعاً بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً، كما قالت البروفيسورة ميغان كال، عالمة أوبئة رئيسة في "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة".
جاءت تلك التقديرات أدنى قليلاً من الأرقام التي توصلت إليها "إمبريال كوليدج لندن"، إذ أشارت إلى أن 11 في المئة من حالات "أوميكرون" طاولت أشخاصاً كانوا أصيبوا سابقاً بعدوى "كوفيد"، وذكرت "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" أن "معدلات الإصابة الإجمالية ما زالت منخفضة".
وإذ درسوا معدل الزيادة في إصابات المتحورة الجديدة، قدر علماء مستشارون لدى الحكومة البريطانية أيضاً أن تضاعف حالات "أوميكرون" أصبحت تستغرق الآن أقل من يومين، وربما تكون أقرب إلى 1.5 يوم في أجزاء من شمال إنجلترا.
فيما أصبحت "أوميكرون" السريعة التفشي المتحورة المهيمنة في أجزاء من المملكة المتحدة، وكانت اسكتلندا أول من أعلن ذلك بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وارتفعت الإصابات إلى مستويات غير مسبوقة طوال ثلاثة أيام متتالية، دفع الحجم الهائل للأشخاص الذين يخضعون لاختبارات الكشف عن الفيروس بالبعض إلى رسم علامات استفهام حول ما إذا كانت فحوص "التدفق الجانبي"lateral flow tests قادرة على رصد "أوميكرون" بشكل فاعل.
ولكن "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" قالت سابقاً إنه لا تتوافر بيانات تدعم هذه النظرية، وورد في مراجعتها الصادرة يوم الجمعة الماضي إن التقييم المختبري لخمسة علامات تجارية من فحوص "التدفق الجانبي" تولى توزيعها نظام "الاختبار والتتبع"، من بينها "إينوفا" Innova و"شورسكرين" SureScreen و"فلو فليكس" FlowFlex، وجد أن تلك الاختبارات كلها قادرة على الكشف عن عدوى "أوميكرون".
في تعقيبهم على الدراسة الصادرة عن "إمبريال كوليدج لندن"، حث علماء كثر على ضرورة الحد من المخالطة الاجتماعية في الأسابيع المقبلة، على الرغم من إبداء قادة سياسيين تحفظهم مجدداً على إلزام الناس بذلك خلال فترة عيد الميلاد.
"الرسالة المستقاة من هذه الدراسة واضحة، لا تظن أنك إذا كنت قد أصبت بـ"كوفيد" سابقاً، فلن تلتقط العدوى مجدداً"، قالت البروفيسورة ديبورا دان والترز من "جامعة ساري" University of Surrey، التي ترأس فريق عمل "كوفيد- 19" في "الجمعية البريطانية للمناعة".
وأضافت البروفيسورة والترز أنه "فيما تتفشى مستويات عالية من فيروس كورونا في مجتمعاتنا الآن، من المهم حقاً أن يحصل الجميع على جرعاتهم المعززة في أقرب وقت ممكن كي يرفعوا مستوى الحماية التي يتمتعون بها ضد "كوفيد- 19".
ولكن مع ذلك، "حري بنا أن نتذكر أيضاً أنه بعد أخذ الجرعة المعززة يحتاج الجسم إلى وقت قبل توليد استجابته المناعية. بناء عليه، لا بد من أن تتوخوا الحذر بشأن عدد الأشخاص الذين تتواصلون معهم حرصاً على أن نؤدي جميعاً دورنا في خفض انتشار "كوفيد- 19" في عيد الميلاد"، وفق البروفيسورة والترز.
وفي رأي مؤيد للباحثين الذين نهضوا بالدراسة، قال البروفيسور بيني وارد إن "أوميكرون تشكل تهديداً مباشراً وكبيراً للصحة العامة"، ومع عدم توافر كميات كبيرة من الأدوية المضادة للفيروسات للاستفادة منها كعامل مساعد للقاحات بين أوساط جميع السكان المعرضين لمخاطر عالية، "يبقى تفادي اللقاءات الاجتماعية الحل الوحيد القادر على الحد من العدوى المحتملة بالنسبة إلى الأشخاص المعرضين لخطر كبير".
© The Independent