كما كان متوقعاً، أربك تأجيل الانتخابات الليبية المشهد السياسي في البلاد تماماً، وفتح الطريق لخلافات جديدة حول بعض الملفات الحساسة، مثل مصير الحكومة الموحدة الحالية، التي كان من المفترض أن تنتهي ولايتها يوم فتح صناديق الاقتراع.
وتسبب التأجيل في العودة إلى الخلافات القديمة حول القوانين الانتخابية، التي كانت عاملاً رئيساً في انسداد المسار السياسي والانتخابي، والتي يرجح البعض أن تلعب الدور ذاته في إفشال الموعد الجديد المقترح للاستحقاق، في نهاية يناير (كانون الثاني)، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها يُرضي كل الأطراف.
وواجهت المؤسسات ذات العلاقة بتنظيم الانتخابات، مثل مجلس النواب والمفوضية الانتخابية، ضغطاً كبيراً في اليومين الماضيين، من داخل البلاد وخارجها للإعلان رسمياً عن موعد جديد للاستحقاق، مع وضع حلول للمسائل الخلافية التي ذهبت بانتخابات الرئاسة إلى طريق مسدود.
تظاهرات في مدن عدة
شهدت مدن ليبية عدة، الجمعة، وقفات احتجاجية وتظاهرات ضد تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ودعت التحركات، التي شارك فيها مواطنون ونشطاء ومرشحون للانتخابات، إلى التعجيل بتحديد موعد جديد، وأكدت غالبية البيانات الصادرة في مدن ليبية عدة أن الانتخابات هي الحل الوحيد للخلاص من المعاناة اليومية للمواطنين وتدني الخدمات العامة والفوضى الأمنية وانتشار الجريمة.
واستنكرت مجموعة من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني ومرشحي البرلمان في مدينة درنة، شرق بنغازي، "عدم إجراء الانتخابات في موعدها"، معتبرين "الموعد المقترح في 24 يناير المقبل نهائياً لا رجعة عنه لإجرائها".
ونددوا في بيان بـ"الالتفاف على إرادة الشعب الليبي بعدم إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر وفق خريطة الطريق"، مطالبين "مفوضية الانتخابات بإعلان القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية والقائمة الأولية للمرشحين للانتخابات البرلمانية بأسرع وقت ممكن".
وأكد البيان أن "تعطيل الانتخابات غير مبرر، ويجب الالتزام بموعد نهائي لإجرائها غير قابل للتعطيل مرة أخرى تحت أي ظرف".
وشدد المحتجون على "رفضهم التام للدخول في أي مراحل انتقالية جديدة، وأنه على مجلس النواب تحمُّل مسؤولياته تجاه العملية الانتخابية أمام الشعب الليبي".
جلسة برلمانية حاسمة
في الأثناء، دعا رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري، أعضاء البرلمان، إلى الجلسة الرسمية التي ستعقد الاثنين المقبل، في مقر المجلس بمدينة طبرق، وستحظى باهتمام كبير في الشارع الليبي، كونها تناقش وضع خريطة طريق جديدة لإنقاذ المسار الانتخابي.
ومن المتوقع أن تنظر الجلسة في تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة متابعة العملية الانتخابية، والتواصل مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والمجلس الأعلى للقضاء.
وقال المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي المريمي إن البرلمان سيناقش في جلسته المقبلة التقرير الذي أعدته اللجنة المشكلة من المجلس، لمتابعة عمل المفوضية العليا للانتخابات، موضحاً أن "التقرير يتضمن العراقيل والصعوبات التي واجهت المفوضية، والعمل على اتخاذ قرارات لإتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإزالة كل الصعوبات لإنجازها بنجاح".
في المقابل، بيَّن عضو مجلس النواب سعيد أمغيب أن الجلسة لن تناقش مصير العملية الانتخابية فقط، بل مصير الحكومة الحالية أيضاً ضمن جملة من المسائل الأخرى، قائلاً "جلسة البرلمان المقبلة ستناقش كل الخيارات، سواء بتشكيل حكومة مصغرة أو التمديد للحكومة لمدة شهر، بعد انتهاء ولايتها القانونية" ومشيراً إلى أن "الخيارات جميعها ممكنة، وسنتشاور حول القرار الذي يناسب المرحلة الحالية".
المشري يتمسك بمواقفه القديمة
وعزز رئيس مجلس الدولة خالد المشري المخاوف بشأن صعوبة الإيفاء بتنظيم الاستحقاق الانتخابي في الموعد الجديد، الذي حددته المفوضية بعد شهر واحد، نظراً إلى المسائل الخلافية الكثيرة، التي تسببت بالفشل في تنظيم الانتخابات بموعدها الأول، والحاجة إلى وقت أطول لحلحلتها.
وقال المشري، "لن تكون هناك انتخابات في 24 يناير، لأن الأسباب التي عطّلت العملية الديمقراطية لا تزال قائمة"، معتبراً في كلمة بمناسبة ذكرى الاستقلال، أن "المفوضية أعادت رمي الكرة إلى مجلس النواب، واقترحت موعداً تعلم جيداً أنه مستحيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "كان من المفترض أن يتوجه الليبيون في هذا اليوم إلى مراكز الانتخاب لاختيار رئيس للبلاد، لكن ذلك لم يحدث بسبب العوائق الكثيرة، ولم يتجرأ كثرٌ من المسؤولين على الخروج للشعب الليبي، والقول إنهم أخطأوا والاعتراف بما ارتكبوه".
وحمّل المشري مسؤولية هذا الإخفاق لـ"أيادي العابثين التي أصرّت على إخراج المسار الدستوري من العملية السياسية، في مقدمتهم البعثة الأممية التي عملت على محاولة تغيير السلطة التنفيذية من خلال اتفاقات وصفقات، بعدما بدأ المسار الدستوري، وتوافق أهم جسمين أساسيين في ليبيا عليه في مدينة الغردقة المصرية، وبرعاية الأمم المتحدة".
وطالب رئيس مجلس الدولة بأن "تشارك كل المؤسسات في صياغة القوانين طبقاً للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري، الذي أقسم كل المسؤولين على احترامه وصيانته والعمل به".
واتفق رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس النواب طلال الميهوب، مع المشري في أن التاريخ الذي اقترحه رئيس مفوضية الانتخابات "غير مبني على أسس صحيحة".
وقال الميهوب، "إجراء الانتخابات في ظل المشهد الراهن يبدو صعباً لدرجة كبيرة، بخاصة في ظل وجود ميليشيات ومجموعات مسلحة متناحرة، وكذلك وجود بعض المرشحين ضمن السباق الرئاسي بمخالفة القانون".
ضغط دولي
وأثار تأجيل الانتخابات الليبية مخاوف دولية كبيرة من تجدد الصراع السياسي والعسكري في البلاد، ومطالبات دولية بضرورة إنجاز خريطة الطريق التي وُضعت برعاية أممية، لإنهاء المرحلة الانتقالية والأزمة السياسية في البلاد.
ودعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، في بيان مشترك الجمعة إلى "الإسراع في تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية في ليبيا، بعد الإخفاق في إجرائها في الموعد السابق".
وطلب البيان من السلطات المعنية احترام تطلعات الشعب الليبي نحو انتخابات سريعة، عبر الإسراع في تحديد موعد نهائي لها، ونشر القائمة النهائية للمرشحين للرئاسة من دون تأخير، مشدداً على أهمية الحفاظ على الزخم بهدف انتخاب حكومة جديدة وتعزيز استقلال ليبيا وسيادتها ووحدة أراضيها ووحدتها الوطنية.
وأكدت الدول الخمس ضرورة تسوية الخلافات حول القضايا السياسية أو العسكرية من دون اللجوء إلى العنف، محذرةً كل الأطراف من استعدادها لمحاسبة من يهددون الاستقرار أو يقوضون العملية السياسية والانتخابية عبر العنف أو الحض على العنف.
غوتيريش يدعو إلى احترام الناخبين
في موازاة ذلك، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بضرورة احترام إرادة 2.8 مليون ناخب ليبي مسجل لدى المفوضية، قائلاً إنه "يتحتم احترام إرادة الشعب، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا في ظروف مؤاتية، بغية إنهاء الانتقال السياسي سلمياً ونقل السلطة إلى مؤسسات منتخبة ديمقراطياً".
ونوه غوتيريش إلى أن المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا ستيفاني وليامز وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستواصلان دعم العملية التي يتملّك زمامها ويقودها الليبيون، لمواجهة التحديات الراهنة وضمان إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أسرع وقت ممكن.