أنفق سكان مدينة لندن هذا العام 2021 ما يزيد على 73 مليار دولار (55 مليار جنيه استرليني) لشراء بيوت خارج العاصمة البريطانية. وبحسب نتائح تحليل لشركة السمسرة العقارية "هامبتونز" اعتمد على أرقام وبيانات مصلحة الضرائب الرسمية شهد هذا العام أكبر هجرة لسكان العاصمة لندن إلى خارجها. ذلك على الرغم من اتجاه سكان المدن إلى الخروج منها في منتصف عمرهم حين يبدأون في تأسيس أسرة بحثاً عن سكن أوسع وأقل كلفة.
وأنفق سكان لندن حتى الآن أكبر مبلغ في عام واحد على الانتقال من المدينة إلى ضواحيها أو أبعد خارجها، نتيجة التغيرات التي فرضتها أزمة وباء كورونا. فمع العمل من المنزل لم يعد كثيرون بحاجة للسكن قرب مكان العمل في المدينة. كما أن الإجراءات الصحية الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا جعلت كثيرين يرغبون في الانتقال إلى بيوت أوسع بها مساحات خارجية كبيرة. وغالباً ما تكون كلفة تلك البيوت خارج المدينة أقل بكثير عن البيوت المماثلة داخل المدن.
وبلغ عدد البيوت التي اشتراها سكان لندن في القرى الريفية حولها خلال العام ما يصل إلى 112 ألفاً و780 منزلاً. وهو رقم سنوي يقارب أعلى رقم سابق وصلت إليه مشتريات البيوت خارج العاصمة لندن من قبل سكانها وكان في عام 2007 حين بلغ عدد عمليات الشراء 113 ألفاً و640 منزلاً. لكن قيمة تلك الصفقات هذا العام تتجاوز بكثير ما أنفقه اللندنيون تلك السنة قبل 14 عاماً، حين بلغت قيمة صفقات الشراء نحو 49 مليار دولار (36.6 مليار جنيه استرليني).
كما يزيد المبلغ الذي أنفقه سكان العاصمة هذا العام على شراء بيوت خارجها بنحو 60 في المئة على ما أنفق العام السابق 2020. ويرجع ذلك جزئياً إلى الارتفاع المضطرد في أسعار العقار عموماً في العام الأخير.
تغيرات نمط الحياة
هناك عدة عوامل ساهمت في هذا التغير في نمط حياة سكان العاصمة لندن، وهو التوجه الذي إذا استمر يمكن أن يؤثر في النهاية على تركيبة المدينة السكانية وعلى سوق العقار السكني فيها أيضاً بحسب ما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في عرضها لتقرير شركة "هامتونز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أولها وأهمها طبعاً اضطرار مكاتب الشركات والأعمال لإغلاق أبوابها مع أزمة وباء كورونا العام الماضي، أو تقليل عدد العاملين من المكتب. وهو توجه يبدو أنه سيستمر هذا العام، ويتوقع أن يستمر في الربع الأول من عام 2022. وتنقل الصحيفة عن مدير الاسكان في شركة أبحاث السوق العقارية "ريزيدنشيال أناليستس" نيل هدسون قوله إن ذلك أحد الأسباب لتوجه سكان العاصمة للبحث عن سكن خارجها.
ويضيف هدسون أن "هناك إعادة نظر عامة في اختيار المسكن، مع عدم حاجة الناس للانتقال لأماكن العمل كما كان الوضع في السابق. وينطبق هذا بشكل واضح على لندن". ويصف العاملون في شركات السمسرة العقارية ما حدث مع العمل من المنزل بأنه "سباق على المساحة"، حيث أصبح لدى المشترين أفضلية للبيوت الأوسع بحدائق أكبر عن الشقق السكنية قرب وسط المدينة.
يضاف إلى ذلك أن الإقبال على السكن في الشقق وليس البيوت يشهد تراجعاً ملحوظاً منذ حادثة "حريق برج غرينفل" في غرب لندن عام 2017 بسبب عيوب طبقة الطلاء الخارجية للمبنى. ومنذ ذلك الحين زاد القلق والمخاوف من سكن الشقق في البنايات بشكل عام ويتجه المشترون نحو البيوت المستقلة بمساحات محيطة بها.
وبحسب ما تراه مديرة الأبحاث في "هامتونز" أنيشا بيفيريدج فإن "عام 2021 ربما شهد أكبر هجرة لسكان لندن إلى خارجها في نحو جيل كامل"، وتضيف: "بعد موجة الهجرة الهائلة هذا العام، نتوقع أن تقل الأعداد بعض الشيء، بخاصة مع ما يبدو من ارتفاع أسعار البيوت أيضاً خارج لندن بمعدلات نمو أعلى مما هي عليه داخل لندن".
ويظل الذين يشترون المنازل خارج العاصمة في محيطها الريفي، حيث يمكنهم الارتباط بالعاصمة بشبكة الطرق والمواصلات، كما يشير تقرير شركة هامتونز. وهذا التوجه موجود على مدى العقود الثلاثة الماضي، لكن الزيادة الهائلة في الهجرة في عام واحد كما حدث هذا العام غير مسبوقة.
لم تكن تلك الهجرات تؤثر في السابق في تعداد سكان العاصمة البريطانية، مع قدوم المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي إليها لتعويض من يخرجون منها إلى الريف. ذلك إضافة إلى ارتفاع معدلات المواليد بين سكان العاصمة البريطانية لندن.
لكن بيفيريدج ترى أنه إذا استمر المعدل الحالي لخروج السكان من العاصمة مع تباطؤ عدد القادمين للسكن فيها، بخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، فإن تعداد سكان العاصمة قد يأخذ في التراجع. وتضيف: "إذا حدث وتعرض تعداد سكان لندن للانخفاض، فإن ذلك سيؤدي بالتالي إلى انخفاض أسعار البيوت وقيمة الإيجارات".
ومن الواضح أن ذلك التوجه قد يستمر، حتى إذا خفت حدة وباء كورونا. فهناك بالفعل تغيرات في أنماط الحياة نتجت من فترة الوباء ولن تختفي قريباً.