بدأت السعودية أول خطوة من خطوات الإصلاح التشريعي، بالإعلان عن أول نظام يعنى بتطوير البيئة القضائية "نظام الإثبات"، كما أعلنت عن نيتها إطلاق تشريعات أخرى تباعاً، وذلك بعد دراستها في 2022 وهي: أنظمة الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية.
"الموجة الجديدة من الإصلاحات"، كما وصفها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء سابق له، ستسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام، ورفع مستوى النزاهة، وكفاءة أداء الأجهزة العدلية، وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية، بما يحد من الفردية في إصدار الأحكام.
ما الإثبات؟
ويشير نظام الإثبات الذي يتضمن 11 فصلاً إلى معالجة الأنظمة القائمة ومراجعتها وتطوير ما يحتاج منها، وتسري أحكام النظام على المعاملات التجارية والمدنية.
ويوضح النظام أنه "لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي وأن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، وفي حال تعارض أدلة الإثبات، ولم يمكن الجمع بينها، تأخذ المحكمة منها بحسب ما يرجح لها من ظروف الدعوى، فإن تعذر فلا تأخذ المحكمة بأي منها، وفي جميع الأحوال يجب أن تبين أسباب ذلك، وإذا اتفق الخصوم على قواعد محددة في الإثبات تعمل المحكمة على اتفاقهم ما لم يخالف النظام العام، ولا يعتد باتفاق الخصوم ما لم يكن مكتوباً".
وعالج نظام الإثبات "آلية الشهادة والاستجواب وشهادة الأخرس واستخلاف المحاكم في أداء الشهادة لمن يقيم خارج نطاق المحكمة".
المشاريع الأربعة
وجاءت موافقة مجلس الوزراء السعودي على نظام الإثبات، في جلسته المنعقدة الثلاثاء (28-12-2021)، برئاسة الأمير بن سلمان، بعد ثلاثة أشهر من موافقة مجلس الشورى.
وقال محمد بن سلمان إن المشاريع التشريعية الثلاثة الأخرى هي أنظمة الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية.
وأضاف أنه "سيلي نظام الإثبات صدور نظام الأحوال الشخصية خلال الربع الأول من 2022، ومن ثمّ سيصدر النظامان الآخران، وذلك بعد الانتهاء من دراسة مشروعاتها حسب الإجراءات النظامية التي رسمها النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام مجلس الوزراء".
عدم وجود تشريعات تسبب في طول أمد التقاضي
وأشار ولي العهد إلى أن "عدم وجود هذه التشريعات أدى إلى تباين في الأحكام، وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدى إلى طول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية، علاوة على ما سببه ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم".
وذكر المحامي نايف آل منسي أن الأنظمة التشريعية: الإثبات والأحوال الشخصية والعقوبات والتعاملات المدنية ستكون النواة التي سيعمل عليها القضاء في المستقبل، وستكون المرجع في التعامل مع كل الشؤون القضائية.
وأوضح آل منسي "يُعنى نظام الإثبات بالبحث في الأدلة التي سيتم تقديمها للمحكمة كالشهادة والإقرار والكتابة واليمين وغيرها، مما يحدد ضوابطها ومدى قوة كل دليل منها، ونطاق الاحتجاج بها".
وقال المحامي إن "الأحكام القضائية كانت تخضع في السابق للاجتهادات الفقهية، التي تختلف فيها الأنظار ويتم الحكم فيها بشكل متفاوت، مما يضر باستقرار الأحكام، وأما الآن فستسهم في تحسين مخرجات القضاء وتقضي على الاجتهادات مما يجعل قضاءنا أكثر انضباطاً ووضوحاً للمتقاضين".
وشرح آل منسي "أحد الأمور التي سيعالجها نظام الإثبات، أنه كان في السابق يأتي شخص بشاهدين للادعاء على دين المدعى عليه بمبالغ كبرى، مما يعرض أموال الناس إلى الخطر، ليمنع الإثبات بالشهادة لمبلغ أكثر من 100 ألف ريال (26 ألف دولار)، ولا يؤخذ إلا بوثائق مكتوبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح المحامي صالح الحارثي فوائد نظام الإثبات، أنه "سيسهم في تحقيق العدالة الناجزة وضمان حقوق المتقاضين والتنبؤ بالأحكام القضائية، إذ سيعلم أي شخص وسيكون على دراية مسبقة بما يؤول إليه حكمه"، مشيراً إلى أن النظام في السابق كان يعتمد على الفقه الإسلامي والمذهب الحنبلي، أما الآن فسيكون على شكل أنظمة يعرفها الجميع ويتنبأ بنتائج الأحكام عندما يقوم أي شخص بدعوى قضائية.
التشريعات سترسخ مبدأ لا عقوبة تعزيرية
ستعمل منظومة التشريعات المتخصصة على الترسيخ التشريعي في الجانب الجزائي لمبدأ العقوبة الشخصية، ولا جريمة ولا عقوبة تعزيرية إلا بناءً على نص نظامي، كما سترفع من كفاءة الجهات المختصة بضبط الجريمة، والنيابة العامة، والمحاكم إلى مستويات أعلى.
تباين الأحكام
في المقابل، وصف المحامي سليم الفهمي نظام الإثبات بأنه من الأنظمة المؤثرة في المجال العدلي، لأنه يعنى بتقرير البينات وكيفية الأخذ بها وحجيتها، والإثبات روح الدعوى. وقال "دعوى من غير إثبات كروح بلا جسد، والدعاوى مرهونة بالبينات التي تثبتها وإلا كانت كعدمها".
وأوضح المحامي عمر الجهني أن نظام الإثبات سيفعل التشريعات التي تقضي على تباين الأحكام وتثبت الوضوح في القواعد الحاكمة من الوقائع والممارسات.
ولفت إلى أنه كان هناك حلقة مفقودة في بعض الأحكام التي يصدرها الفرد معتمداً على وجهة نظره، مما أدى إلى طول الوقت في زمن التقاضي وجعل الحكم يصدر من دون إطار قانوني وقضائي.
تقديم البينة أو سيكون خاسراً دعواه
وقال المحامي سعد الباحوث، إنه "وفقاً لنظام الإثبات الجديد، فإن على المدعي عبء تقديم البينة على دعواه، وإلا سيكون خاسراً دعواه، ويمكن إلزام صاحب الدعوى تعويض المدعى عليه، لأنه لم يستطعْ إثبات ما طالب به".
وأضاف أن النظام أوضح الدليل والقرينة وأنواع اليمين أمام المحاكم وكيف يتم التعامل مع الأدلة المتناقضة، مشدداً على أن النظام يكرس مبدأ أن الأصل براءة الذمة، وأن الإنسان الذي يتهاون في إثبات حقوقه ولا يدون معاملاته ورقياً أو إلكترونياً أو يوثق تعاملاته المالية رسمياً أو يشهد الغير، فإن حقه قد يضيع أو يصبح صعب المنال.