لم يعد خافياً على أحد في لبنان، التراجع الكبير في نوعية الغذاء تحت وطأة الأزمات، فقد اختفت عن رفوف المتاجر "السلع الفاخرة"، والمنتجات الشهيرة لصالح البضائع المهربة، أو تلك المعدّلة والتي تعرضت مواصفاتها للتلاعب بهدف تخفيف أسعارها، ففي ظل الواقع الحالي، تقوم المعادلة على صناعي أو تاجر يحاول تأمين سلعة بأقل كلفة ممكنة في ظل غلاء المواد الأولية المستوردة، ومواطن فقير لم تعد لديه القدرة لشراء السلع الممتازة، ولم يعد يبحث عن اللذة في الطعام، ويكتفي بسد جوعه.
السلع الفاسدة تغزو الأسواق
منذ أيام عدة، توجه أحمد إلى أحد الأفران، اشترى ثلاثة أكياس من الخبز، وعاد إلى المنزل، وبدأت زوجته بإعداد الطعام، وإذ بها تجد في أحد الأرغفة كتلة صلبة، ويقول أحمد، "ظنت زوجتي أنها كتلة عجين، حاولت تقطيعها، لتكتشف كتلة من اللحم وذيل فأر"، كان ذلك بمثابة صدمة له ولعائلته، فقد اعتاد منذ سنوات على شراء الخبز من هذا الفرن، يؤكد أحمد أن ما جرى معه نموذج عن الفساد الغذائي في لبنان، حيث يتلاعب التجار بلقمة الفقير، مشيراً إلى أنه أصبح أكثر حذراً في تعامله مع السلع، ويدقق في تواريخ الصلاحية والمحتوى.
وما جرى مع أحمد امتداد لما يكتشفه اللبناني كل يوم عند شرائه السلع الغذائية المختلفة، فما بين جبنة عفنة، إلى لبن مغشوش، وزيت ملوّن، وبنّ منتهي الصلاحية، من دون أن نتجاهل تزوير السجائر، وباتت لقمة اللبناني وصحته في خطر. ودفع انتشار الأخبار عن مواد فاسدة في الأسواق إلى تحرك فرق التفتيش والقوى الأمنية، وتمكنت من ضبط مواد غذائية فاسدة، ولا سيما معامل للألبان والأجبان المغشوشة في منطقة البقاع (شرق لبنان).
أمام هذا الواقع، أعاد وزير الصناعة جورج بوشكيان تذكير المصانع الغذائية بشروط التصنيع الجيد والمواصفات القياسية اللبنانية، وأكد على المصانع المنتجة للمواد الغذائية على أنواعها في لبنان الالتزام بالمتطلبات الصحية، كما يتوجب على المصانع التثبت من مطابقة منتجاتها الجديدة التي تعرض لأول مرة في الأسواق لقائمة المواصفات، والاستحصال على موافقة مسبقة من قبل وزارة الصناعة قبل عرضها للبيع، بالإضافة إلى إجراء الفحوصات المخبرية للمنتجات النهائية بشكل دوري.
التوفير على حساب النوعية
وأسف خالد العمري، مدير مختبر غرفة التجارة والصناعة والزراعة، لما آلت إليه حال الغذاء في لبنان، لافتاً إلى تأثير الانهيارات على جودة السلع، "بسبب انهيار قيمة العملة، يحاول الصناعيون إيجاد حلول من أجل الحفاظ على تنافسية الأسعار"، وأكد العمري أن نقطة الانطلاق بالنسبة لأي منتج "جودة المواد الأولية"، إضافة إلى تأثير غلاء المحروقات على الإنتاج، وبين هذا وذاك يتسلل الغش إلى عمليات الإنتاج.
مخاطر متنوعة
وتحدث عماد القصعة، الأخصائي في سلامة الغذاء، عن ثلاثة أشكال مختلفة للمخاطر التي تواجه الغذاء في لبنان، أخطار بيولوجية، فيزيائية، وكيماوية، يجب أخذها في الحسبان عند تقييم جودة ونوعية المنتجات الغذائية، ولفت إلى أن جودة الأغذية تتأثر بنوعية المواد الأولية، وحال البنية التحتية للمصانع، ومستوى الوعي لدى الصناعيين العاملين في مجال إنتاج المواد الغذائية، وتطرق القصعة إلى المخاطر الجرثومية التي يمكن أن تأتي من تلوث المواد الأولية، أو تلوث الأسطح في المعامل، وقلة نظافة العمال داخل المصانع، ولاحظ تراجعاً في جودة المواد الداخلة في الصناعة لأن "كل شيء أصبح غالي الثمن، وكذلك ارتفعت كلفة نقل وتخزين المنتجات، على سبيل المثال الحليب الذي يدخل في إنتاج الألبان والأجبان، الذي تأثر بغلاء المحروقات، ناهيك عن غلاء الأعلاف والأدوية البيطرية، لذلك، نحن أمام دورة كاملة، يمكن أن تنعكس تراجعاً في نوعية المواد الأولية. أما بالنسبة للبنى التحتية في بعض المصانع، فأصاب أكثرها الاهتراء، ولم تعد هناك قدرة على الصيانة والتحديث لأن كلفتها تتأثر بسعر صرف الدولار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت القصعة إلى أن "الألبان والأجبان من المنتجات ذات الخطورة العالية وهي عرضة أكثر من غيرها للإصابة بالجراثيم وتكاثرها"، لذلك لا بد من احترام "سلسلة البرودة"، وهذا الأمر غير محقق في لبنان بفعل انقطاع الكهرباء، ولاحظ تراجعاً ملحوظاً في جودة ونوعية المنتجات في المتاجر والأسواق الشعبية، وهذا يؤدي إلى زيادة الأعباء على الناس، "إذا أردت تناول غذاء جيد، عليك التوجه إلى أماكن محددة وفاخرة".
المخاطر الكيماوية مرتفعة
وأشار الأخصائي في سلامة الغذاء إلى أن المخاطر الكيماوية لا تقل عن المخاطر الجرثومية، ويحاول بعض المنتجين إدخال بعض العناصر الكيماوية على المنتجات لإعطاء الطعم نفسه في الألبان والأجبان، وشبه القصعة طعم بعض الأجبان بمادة "الكاوتشوك" وهي مادة بلاستيكية صلبة، كما يتم إدخال "الجص إلى اللبنة لإعطائها الشكل المناسب"، وهذه المواد تزيد المخاطر الكيماوية في الألبان والأجبان، ويمكن أن تسبب أمراضاً سرطانية أو أمراضاً مزمنة على المدى الطويل، كما جزم القصعة بوجود "مخاطر فيزيائية مرئية في الغذاء"، كالبقايا الحيوانية.
خطوات ضرورية لسلامة الغذاء
وحدد القصعة خمس خطوات من أجل منتج غذائي سليم، أولاً، مواد أولية سليمة يتم فحصها في مختبرات موثوقة وذات تقنية عالية، للتحقق من جودتها قبل التصنيع، وثانياً احترام المعايير الدولية للممارسات التصنيعية الجيدة والنظيفة للبنى التحتية، وثالثاً، الحفاظ على صيانة أجهزة التصنيع، ورابعاً، النظافة الكاملة لأماكن التصنيع وأسطح العمل، واستخدام المطهرات التي لا تؤذي المنتج، وخامساً، بيئة عمل نظيفة بالكامل لناحية موقع التصنيع.