أنهت الحكومة الليبية الموحدة أسبوعاً حافلاً بالضغوطات، بتلقي ضربة موجعة جديدة، تمثلت بحبس وزيرة الثقافة مبروكة توغي عثمان، على ذمة التحقيق في قضايا متعلقة بفساد مالي وتزوير، بحسب مذكرة الاعتقال الصادرة عن مكتب النائب العام، الصديق الصور.
وتعتبر عثمان، ثاني الوزراء الذين يتم الزج بهم في السجون، بأمر النيابة العامة، في ظرف 10 أيام، بعد حبس وزير التعليم موسى المقريف، في 20 ديسمبر (كانون الأول)، بتهمة الإهمال والتقصير في أداء الواجب، على خلفية أزمة تأخر طباعة الكتاب المدرسي.
وتأتي هذه الضربات المتلاحقة للحكومة، في وقت تواجه فيه خطر الإقالة وتكليف حكومة جديدة بإدارة البلاد حتى موعد الانتخابات الجديد، الذي لم يحدد بعد، وقد تشكل دعماً لهذه المساعي التي يقودها البرلمان في طبرق لإقالتها، بأسرع وقت ممكن.
وزير ثانٍ خلف القضبان
وأصدر مكتب النائب العام الليبي في طرابلس، قراراً أثار جدلاً واسعاً في البلاد، بحبس وزيرة الثقافة مبروكة توغي عثمان، وبرر المكتب القرار في بيان قائلاً إنه "صدر بسبب البلاغات المقدمة ضد عدد من موظفي وزارة الثقافة والتنمية المعرفية، التي أشير في متنها إلى عدد من واقعات الفساد التي شابت الأعمال الإدارية والمالية المنجزة بمعرفتهم، خصوصاً قيامهم بالتعاقد على تنفيذ أعمال صيانة مبان تابعة للوزارة، على الرغم من قيامها بصيانة الأبنية والمنشآت المشار إليها خلال السنة الماضية، معتمدين في تغطية أوجه الصرف الأخيرة على المستندات المعتمدة عند تنفيذ التعاقد السابق".
أضاف، "وبعد إطلاع وكيل النيابة المكلف على المستندات والوثائق المالية والإدارية والتدقيق في مدى سلامتها الإجرائية وتوافقها مع التشريعات الناظمة لأوجه صرف المال العام، اتخذ جملة من الإجراءات الأخرى، كان آخرها استجواب وزير الثقافة والتنمية المعرفية. وتابع البيان "وانتهت النيابة العامة إلى الأمر بحبس الوزيرة مبروكة توغي عثمان احتياطياً على ذمة القضية، بعد أن تكشفت لها صحة ارتكاب الوقائع، وقيام أركان الجرائم بالحصول على منافع بالمخالفة للقوانين واللوائح التي تحيط المال العام بالحماية، وصرف المال العام في غير الوجه المخصص له، وتزوير المستندات الرسمية لغرض تعقيد إجراءات مراجعة وتتبع أوجه صرف المال العام".
احتجاج الحكومة
وبعد صدور قرار النائب العام، كلف رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وزيرة العدل حليمة البوسيفي، بمتابعة ملف الوزراء الموقوفين، مشدداً على "أهمية ضمان استقلال القضاء واحترام سيادة القانون وعدم الإفلات من العقاب، وفق صحيح القانون"، وأعرب الدبيبة، بحسب الناطق باسم الحكومة محمد حمودة، عن "استغرابه من حجز وزيري التعليم موسى محمد المقريف والثقافة مبروكة توغي عثمان من دون اتخاد الإجراءات الممكن اتباعها قبل أوامر التوقيف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبها، انتقدت وزيرة العدل حليمة عبد الرحمن قرار النائب العام حبس وزيرة الثقافة بعد اتهامات بضلوعها في قضايا فساد، وقالت خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الخميس، إن "الوزراء يتمتعون بحصانة، ولم يتم التشاور معنا أو التحقيق الإداري معهم قبل حبسهم". وتساءلت الوزيرة عن أسباب عدم اتخاذ الإجراءات القانونية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات من قبل مكتب النائب العام، قائلة "هل قدم طلباً لرفع الحصانة عن الوزراء وفقاً للقانون؟ وهل تمت إحالة الوزراء إلى التحقيق الإداري قبل أن يثبت عليهم التحقيق الجنائي؟ وهل تمت إجراءات وقفهم عن العمل وعرض الأمر على رئيس الوزراء؟". وأشارت إلى أن "هذه الإجراءات كلها يجب أن تسبق التحقيق والحبس الاحتياطي"، وطالبت مكتب النائب العام بـ "توضيح بشأن عملية القبض على وزيرة الثقافة، في غياب إجراءات كثيرة، كان من المفترض اتباعها قبل القبض عليها". وشددت على أن "الحبس الاحتياطي هو آخر الإجراءات التي يتخذها عضو النيابة المحقق، وفي قانون الإجراءات الجنائية يلجأ إليه عند الخوف من هروب المتهم أو وجود جريمة خطيرة تستدعي الحبس والتحفظ".
لا حصانة لوزير
وردّ وكيل وزارة الخارجية السابق حسن الصغير، على احتجاج الحكومة على احتجاز وزيرين على ذمة التحقيق في قضايا فساد وإهمال، قائلاً إنه "لا توجد حصانة للوزراء في ليبيا، لا بالإعلان الدستوري ولا بالقانون ولا بالعرف"، واعتبر الصغير أن "الاستناد إلى فتوى إدارة القانون بقياسها بالحصانات الموجودة في القانون رقم واحد لسنة 2007، هو قياس فاسد، لأن هذا القانون ملغى بموجب الإعلان الدستوري، والنص الوارد بالإعلان الدستوري بشأن حلول الوزارات محل اللجنة الشعبية العامة حيثما وردت في القوانين، هذه تتعلق بتوزيع الاختصاصات ولا تتعلق بالحصانات، لأن نص الحصانات نص يتعلق بالنظام السياسي في البلاد"، ونوه إلى أن "ذلك ما أكدت عليه، لجنة فبراير (شباط)، حينما منحت حصانات للمنتخبين مباشرة من الشعب في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتركت ما عداهم من دون حصانات، وهذا ما أخذت به غالبية التشريعات في العالم، في حين أن الحصانة للسلطة القضائية متأتية من طبيعة عملها".
أوراق في يد الخصوم
في السياق، منحت هذه الفضائح المتتابعة لوزراء في الحكومة الموحدة، فرصة ثمينة لخصومها ومعارضيها للضغط أكثر على مجلس النواب لسحب الثقة منها نهائياً، وتشكيل حكومة جديدة لتصريف الأعمال في البلاد حتى الانتخابات المقبلة.
وعقب عضو مجلس النواب سعيد أمغيب على حبس وزيرة الثقافة قائلاً، "حكومة بلادي وزراؤها مزورون، ومختلسون، وسارقون، ومسجونون، ومتهمون، وهاربون، ومطاردون، ومطلوبون للعدالة، صدق أبو التاريخ (هيرودوت) عندما قال، من ليبيا يأتي الجديد".
ورأى رئيس الهيئة العليا لحزب "تحالف القوى الوطنية"، توفيق الشهيبي، أن "فساد الحكومة هو الأعلى على الإطلاق في تاريخ البلاد ونسبته كارثية". وأشار إلى أن "الفساد في الحكومة الحالية يطال كل الوزارات والهيئات والمصالح التابعة لها من دون استثناء، لأنها لم تلتزم بأي قانون أو لائحة مالية أو إدارية أو رقابية". وتابع الشهيبي، "الصرف المهول بالمليارات من دون قانون ميزانية، وتحميل بند الطوارئ أرقاماً بالمليارات، مع التوسع في الباب الثاني ومناقلات بين الأبواب من دون ضوابط، إضافة لعدم الانصياع للجهات الرقابية، وعلى رأسها ديوان المحاسبة، تسببت بنسبة فساد كارثية، وما خفي أعظم".
نفي الحكومة لتهم الفساد
في المقابل، نفى الناطق باسم الحكومة الليبية، محمد حمودة، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس، تهم الفساد وإهدار المال العام التي ترمى بها حكومته، قائلاً إن "الموقف المالي للحكومة إيجابي، وإجمالي نفقاتها بلغ أكثر من 83 مليار دينار (17 مليار دولار تقريباً)، ولا يوجد أي عجز مالي بعد توفير ملياري دينار من المبالغ المرصودة لها". وأوضح أن "وزارة المالية خصصت 33 ملياراً (6.8 مليار دولار) لبند مرتبات العاملين في القطاع العام، و21 ملياراً (4.3 مليار دولار) لباب نفقات الدعم، وأكثر من 15 ملياراً (ثلاثة مليارات دولار) لمشروعات إعادة الإعمار، من المقرر أن يقوم الوزراء المعنيون بتوضيحها الأسبوع المقبل".