في وقت يُنظر فيه إلى الصين على أنها محرك الاقتصاد العالمي، من الإنصاف القول إنه لن تتم متابعة أي قصة نمو في أنحاء العالم خلال عام 2022 أكثر من قصة الصين. مع ذلك، من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي ليقترب من مستوى ما قبل الجائحة البالغ نحو خمسة في المئة في عام 2022، انخفاضاً من ثمانية في المئة خلال 2021، مع ضعف الانتعاش من الوباء.
في الواقع، وفقاً لما قاله لي خيسونغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لصحيفة "ذا تايمز"، "معدل النمو المحتمل... نحو 5.5 في المئة، ولكن مع عوامل مثل التقلبات في الوباء وارتفاع تكاليف السلع الأساسية، من المرجح أن يكون النمو الفعلي أقل من النمو المحتمل. إذا حددنا الهدف على أنه أعلى من خمسة في المئة، فسيكون آمناً وسيسمح لنا بالتركيز على الدفع نحو الإصلاحات والابتكارات والتنمية العالية الجودة.
لقد أدت مشكلات مثل انخفاض نشاط المصانع والاستهلاك الضعيف باستمرار وتباطؤ قطاع العقارات إلى إضعاف التوقعات الاقتصادية الفورية للصين. فقد تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث إلى 4.9 في المئة، انخفاضاً من 7.9 في المئة في الربع الثاني و18.3 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى، إذ أضر نقص الطاقة واختناقات الإمداد بالمصانع وعودة انتشار "كوفيد-19" بالاستهلاك المُتقطع.
وقال لي عن التحديات العالمية التي تواجهها الصين، "عودة ظهور الوباء والقيود على جانب العرض أضعفا الانتعاش بعد الربع الثالث". وأضاف "الاختلالات الهيكلية تسببت في مشاكل ثانوية".
وتابع أن الدخل المتاح في الداخل نما بمعدل أبطأ من الاقتصاد الوطني، وتعافي الاستهلاك ضعيف، وأدى ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى زيادة تكاليف الإنتاج لشركات المصب.
وقال "تعرض عدد قليل من مُطوري العقارات الرئيسيين لمخاطر بسبب التوسع الأعمى وسوء الإدارة"، مشيراً إلى التخلف عن سداد السندات الهائل من قبل مجموعة التطوير العقاري الصينية العملاقة "إيفرغراند" وغيرها. وأضاف "يجب ملاحظة التأثير... ونظراً إلى الخوف من أن تؤثر ديون إيفرغراند في الأسواق بعيداً من التمويل والبناء الصيني، فقد أرسل المنظمون مجموعة عمل إلى الشركة لتقليل أي صدمة قد يسببها التخلف عن السداد".
وتوقع وانغ جون، كبير الاقتصاديين في "بنك جونغيوان"، استمرار الضغط الهبوطي لمدة تتراوح بين ربعين وثلاثة أرباع. وقال "يمكننا أن نرى أن سياسة التيسير كانت مقيدة للغاية". وأضاف "من غير المرجح أن يتم تخفيف السياسة على نطاق واسع في الربع الرابع من العام".
سعي أميركي للسيطرة على التضخم
قضى صانعو السياسة في الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من عام 2021 في الإصرار على أن التضخم كان تأثيراً "عابراً" للانتعاش السريع. مع ذلك، فقد استقبلوا عام 2022 بالسعي لوضع المكابح على ارتفاع الأسعار. وتتوقع غالبية واضعي أسعار الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي ما لا يقل عن ثلاث زيادات في أسعار الفائدة في عام 2022. في وقت لم يبدأ البنك المركزي تقليص دعمه الواسع للاقتصاد الأميركي فحسب، بل سرع وتيرة خطة شراء الأصول الخاصة به في طريقها للانتهاء في غضون أشهر.
في حين أن هذا الميل المتشدد مصمم للتخفيف من مخاطر ارتفاع درجة حرارة الاقتصاد، إلا أن ظهور متحورة جديدة من كورونا ألقى بظلاله على الطريق. وأقر جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أخيراً، بأن الأعداد المتزايدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا "تشكل مخاطر على التوقعات".
التضخم وارتفاع الأسعار والمحاذير
يخشى بعض الاقتصاديين في حال قوضت "أوميكرون" الانتعاش الشامل، أن يكون التضخم -المدفوع بالطلب القوي على السلع في مواجهة نقص العرض والعمالة المستمر- ومن غير المرجح أن يتراجع التضخم من خلال موجة أخرى من العدوى. مع ذلك، يعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي أن نمو الأسعار سيتراجع بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة في عام 2022، من 5.3 في المئة إلى 2.6 في المئة.
مع ذلك، هناك محاذير، إذ تظل التوقعات الحالية أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ اثنين في المئة، في حين اضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع مستوى توقعاته بشكل متكرر خلال عام 2021.
في حين يوفر الزخم الثابت في القوى العاملة بعض الطمأنينة. ومع نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، كانت العمالة في الولايات المتحدة أقل بنحو 1.2 مليون وظيفة مما كانت عليه قبل اندلاع الوباء، لكنها في طريقها للوصول إلى مستويات ما قبل "كوفيد-19" بحلول الربيع، بعد أن ارتفعت بمعدل شهري يبلغ نحو 378 ألف وظيفة.
وسيستمر باول في توجيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بعد أن منحه البيت الأبيض فترة ولاية أخرى مدتها أربع سنوات. وسيبذل الرئيس الأميركي جو بايدن قصارى جهده لإثبات أنه أوفى بتعهداته لضمان عدم تخلف أي أميركي عن الركب بسبب التعافي. فيما ستُشكل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر الاختبار الانتخابي الأول لرئاسته.
ألمانيا ومكابح الديون
يواجه أولاف شولتز، المستشار الألماني الجديد، وزير المالية القديم، كثيراً من التحديات. فمن المرجح أن يكون 2022 عام الاضطرابات الكبيرة في اقتصاد بلاده.
وسيتعين على الحكومة الألمانية أن تشق طريقها من خلال عواقب الموجة الرابعة من "كوفيد-19"، وارتفاع أسعار الغاز والتضخم المرتفع بعناد في الوقت نفسه الذي يحفز فيه الاستثمار العام، وكذلك الوصول إلى أهداف مناخية طموحة للغاية، إلى جانب إعادة صوغ القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، وإعادة صوغ العلاقات الألمانية مع الصين، الشريك التجاري الأكبر لها.
ويهدف شولتز إلى توليد 80 في المئة من الكهرباء في ألمانيا من مصادر متجددة بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 45 في المئة عام 2021، مع الانسحاب من الفحم والطاقة النووية. من الناحية العملية، هذا يعني أنه سيتعين مضاعفة طاقة الرياح الشمسية وطاقة الرياح البحرية أربع مرات تقريباً على مدى السنوات الثماني المقبلة، إلى جانب التوسع الهائل في الشبكة، وجميع الإجراءات التي يمكن أن تتسبب في حدوث اضطرابات سياسية.
ولم يبالغ المستشار الألماني عندما قال، أثناء حملته الانتخابية في سبتمبر (أيلول)، إن هذا التحول سيتطلب أعظم "تحديث صناعي" مرت به البلاد منذ قرن. ولن يكون الدفع مقابل ذلك أمراً سهلاً، خصوصاً أن شولتز قد التزم إعادة تطبيق "مكابح الديون" -وهي قيود قانونية تحد من العجز إلى 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي- في عام 2023.
وتتمثل إحدى الإجابات في استخدام البنوك المملوكة للدولة والحوافز الضريبية والتنظيم الذكي للاستفادة من الاستثمار الخاص. لقد قامت الدولة بالفعل بإعادة تخصيص 50 مليار يورو (56.5 مليار دولار أميركي) من تمويل الوباء للإنفاق الرأسمالي. وقد تضطر إلى اقتراض مبلغ أكبر من ذلك، مع نقل شولتز إلى منطقة صعبة دستورياً.
وهذا بدوره يثير أوروبا، حيث قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن الدين العام المعروفة باسم ميثاق الاستقرار والنمو، قابلة لإعادة التفاوض. ويريد الفرنسيون وحلفاؤهم مساحة أكبر للمناورة المالية، في حين من الصعب المبالغة في أهمية موقف ألمانيا.
ويلوح في الأفق شبح التضخم الذي يشكل القلق الأساسي للسياسة الألمانية. فمن المتوقع أن يتجاوز ستة في المئة، وهو أعلى مستوى منذ ثلاثة عقود. وضاعف البنك المركزي الألماني توقعاته للتضخم لعام 2022 إلى 3.6 في المئة.
وحتى الآن، رفض البنك المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة، وأصر على أن الضغوط الأساسية مؤقتة، بعد شتاء سجلت فيه تكاليف الطاقة أرقاماً قياسية.
إلى جانب شولتز، ستلعب شخصيتان دوراً محورياً في رسم المسار الألماني أحدهما كريستيان ليندنر، وزير المالية الجديد، وهو اقتصادي ألماني كلاسيكي ليبرالي يؤمن بالمال السليم والقيود المالية وقوة المشاريع الحرة، لكنه قد يجد أنه يتعيّن عليه كبح جماح بعض هذه المبادئ.
وقد كُشف عن هوية الشخصية الأخرى في الفترة الماضية فحسب، وهو ينس ويدمان، الرئيس المتشدد للبنك المركزي الألماني (بوندسبانك)، الذي تقاعد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بعد عقد من الزمان في المنصب. تم ترشيح يواكيم ناغيل لخلافته، وهو غارق في الشكوك التقليدية للبنك المركزي بشأن سياسة البنك المركزي الأوروبي الفضفاضة. مع تولي ليندنر وناغيل دفة القيادة، قد يكون 2022 عاماً مليئاً بالصراع الممتص وغير المتوقع بشأن المستقبل الاقتصادي لأوروبا.
النمو الياباني الأضعف بين الدول الصناعية الكبرى
عندما تولى فوميو كيشيدا، رئيس وزراء اليابان، منصبه في أكتوبر 2021، وعد بما لا يقل عن "شكل جديد من الرأسمالية"، ودورة حميدة من النمو من شأنها مضاعفة الأجور وتقليل مستويات عدم المساواة المتزايدة في اليابان.
إلا أنه سرعان ما أجبره المحافظون اليمينيون المؤيدون للأعمال في الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم على التراجع عن مقترحاته الأكثر تطرفاً، مثل زيادة ضريبة الأرباح الرأسمالية. وبدلاً من إنشاء نوع جديد من الرأسمالية، سينشغل كيشيدا إلى حد كبير في عام 2022 بمهمة الحفاظ على استقرار الاقتصاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تتأثر اليابان نسبياً بفيروس كورونا، الذي قتل عدداً أقل بكثير من الناس كنسبة من السكان مما كان عليه في دول مجموعة السبع الأخرى.
لكن الأساليب المستخدمة لتحقيق ذلك، بما في ذلك إغلاق الحدود بشكل صارم وتثبيط السفر والاستهلاك الداخليين، أضرت بالاقتصاد. لقد تقلص في خمسة من الفصول الثمانية الماضية، ومن المتوقع أن يكون النمو في عام 2022 هو الأضعف بين الدول الصناعية الكبرى.
وعلى الرغم من حديثه المتطرف، فقد اعتمد كيشيدا حتى الآن على الأدوات الاقتصادية المألوفة للحزب الديمقراطي الليبرالي بما فيها حزم التحفيز الاقتصادي الضخمة والنداءات للشركات لزيادة الأجور. وفي الأيام الماضية، صوت البرلمان الياباني على إنفاق 55.7 تريليون ين (510.7 مليار دولار أميركي). ما أضاف ديوناً إلى أكثر من 1200 تريليون ين (10.4 مليار دولار أميركي). لكن آثار الإنفاق الهائل لا تزال تفشل في إضفاء الإحساس الضروري بالأمان والرفع الذي من شأنه إقناع الرؤساء بزيادة الرواتب وإطلاق دورة الاستهلاك التي طال انتظارها، والتضخم والنمو اللذين يمكن التحكم فيهما.
في حين أن الوضع الدولي لا يساعد. فقد تتآمر المخاوف من الصراع على تايوان واحتمال حدوث تباطؤ محتمل في الصين. ما قد يضر بصادرات اليابان، وقد يشجع على انتهاج اليابانيين مزيداً من الحذر والادخار.
أستراليا وتوسع اقتصادي مرتقب
مع الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أستراليا في مايو (أيار) وتأخر حزب العمال في استطلاعات الرأي، فإن سكوت موريسون، رئيس الوزراء الأسترالي من يمين الوسط، عازم على إقناع الناخبين بأنهم دخلوا في فترة انتعاش قوية بعد الإغلاق. في الوقت الحالي، يبدو أن الأرقام في صالحه، إذا تم تجاهل العجز الكبير.
وقد سمحت التوقعات الاقتصادية والمالية المهمة لمنتصف السنة المالية، التي صدرت في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2021، للحكومة بالتراجع إلى عيد الميلاد مع تحسن قدره 100 مليار دولار في الميزانية، مقارنة بتوقعات مايو الماضي. علاوة على ذلك، أفادت دائرة الإحصاء أنه تم توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل جديدة في نوفمبر، وهي نتيجة كانت أعلى بكثير من التوقعات.
ومن بين البنوك الأربعة الكبرى، يتوقع "بنك الكومنولث" الأسترالي توسعاً اقتصادياً قوياً خلال عام 2022، ويصاحبه تسارع في التضخم ونمو في الأجور.
مع ذلك، فإن المكاسب غير المتوقعة في الإيرادات الحكومية لن تظهر تحسناً كبيراً في توقعات الحكومة التي حطمت الرقم القياسي والتي بلغت 340 مليار دولار في الميزانية في مايو 2021. ويجري الحديث الآن عن الإيرادات الإضافية البالغة 106 مليارات دولار، ومعظمها من الضرائب التي تتوقعها الحكومة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وكلها تقريباً في الإنفاق المتدفق والوعود الانتخابية التي لم يتم الإعلان عنها بعد.
بناءً على هذه الأرقام، تعيش أستراليا بشكل جيد بما يتجاوز إمكاناتها.
وكان الاقتصاد الأسترالي قد انكمش بنسبة 1.9 في المئة في الربع الثالث، إذ تصارع البلد مع تفشي فيروس كورونا ومتحورة "دلتا". وهي النتيجة التي فاجأت معظم كثيرين ممن قلصوا توقعاتهم من 2.5 في المئة إلى ثلاثة في المئة، بمعدل سنوي، في حين نما الاقتصاد بنسبة 3.9 في المئة.
ويتفق معظم الاقتصاديين على أن الاقتصاد الأسترالي قد انتعش بسرعة أكبر بكثير مما افترضت وزارة الخزانة في البلاد، في توقعاتها لشهر مايو، حتى قبل أن يتم الإغلاق بحق نصف سكان أستراليا البالغ عددهم 25 مليون نسمة بعد وصول "دلتا" في يونيو (حزيران).
بشكل عام، تشمل أسباب التفاؤل استجابة أستراليا الحازمة للوباء، التي تضمنت أطول عمليات إغلاق تراكمية في العالم في ملبورن، وزيادة في التطعيمات الكاملة، إذ وصلت إلى 94 في المئة في سيدني ونيو ساوث ويلز، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
وعلى حد تعبير كريس ريتشاردسون وستيفن سميث، الاقتصاديين في "ديلويت أكسس إيكونوميكس"، فإن الأدلة الدولية متشابهة عندما تتقدم الدول بما يكفي على "كوفيد-19" تنفتح اقتصاداتها، وترتفع عائداتها الضريبية بسرعة.
ومرة أخرى، تم توفير عائدات الصادرات الأسترالية من خلال طلب الصين على خام الحديد، أكبر صادرات البلاد.
في حين لا تزال حالة عدم اليقين الكبيرة بالنسبة إلى أستراليا هي علاقتها المشحونة مع بكين بشأن قضايا الأمن وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أنه لم ينتج عن ذلك بعد تأثير اقتصادي حاد، فإن الاحتمالات آخذة في الازدياد.