يبدو أن التطورات الأخيرة المتسارعة في قضية وزير العدل التونسي السابق، نائب رئيس "حركة النهضة" الإسلامية، نور الدين البحيري، سيكون لها تداعيات كبرى على الطيف الإخواني في تونس.
وأوضح وزير الداخلية توفيق شرف الدين الاثنين الماضي، أسباب وضع البحيري قيد الإقامة الجبرية، معدداً تهماً خطيرة جداً من أهمها إعطاء الجنسية التونسية دون وجه حق، وبطرق مخالفة للقانون لبعض السوريين أيام حكم "حركة النهضة" في عام 2013. ووزارة العدل التي كان على رأسها البحيري آنذاك هي المسؤولة عن منح الجنسية.
وقال شرف الدين "رفعنا الأمر إلى القضاء وانتظرنا، لكن القضاء لم يتحرك ولا يوجد موجب لعدم تحركه، فأُجبرنا على اللجوء إلى إجراء إداري في إطار القانون. وتم وضع البحيري، وزير العدل السابق، قيد الإقامة الجبرية على أساس الأمر المؤرَّخ في 26 يناير (كانون الثاني) 1978"، مؤكداً أنهم وفروا له كل أسباب الراحة.
تحريض الأمنيين
وتابع شرف الدين قائلاً إن "البعض بلغ به الأمر إلى تحريض الأمنيين مباشرةً على العصيان، وهو أمر على قدر كبير من الخطورة"، في إشارة إلى قيادي في حركة النهضة حرض رجال الأمن بعد اعتقال البحيري.
وكشف الوزير أنه سيتم رفع موضوع تحريض الأمنيين على العصيان إلى النيابة العمومية، مؤكداً أنه لم يختر اللجوء إلى القضاء العسكري إلا أن النص القانوني يلزم بذلك.
وفي بيان صدر عن مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، عبّرت النيابة العمومية عن استغرابها من تصريحات وزير الداخلية، مؤكدةً تعاملها بكل جدية مع قضية جوازات السفر.
من جهة أخرى، ورداً على اتهام القضاء بعدم التحرك، كتبت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، القاضية روضة قرافي، تدوينة على صفحتها في موقع "فيسبوك" قالت فيها، "على الهياكل القضائية مطالبة المشرفين على ابتدائية واستئناف تونس بالجواب على ما ورد في الندوة الصحافية لوزير الداخلية، وتقديم التوضيحات الضرورية والدقيقة للرأي العام حول حقيقة ما نُسب إلى القضاة من تعطيل للأعمال القضائية وإجراء التحقيقات اللازمة لتحميل المسؤوليات عند الاقتضاء لمَن يتحملها"، مضيفةً "كما على وزير الداخلية أن يقدم تفاصيل تناوله النيابة العمومية وفق تواريخ دقيقة، دون الاكتفاء بإلقاء المسؤوليات جزافاً، حتى نتبين صحة التعطيل المُدعى به، فأخطر ما في المسألة، إن لم يصح ما ذكره الوزير، هو التأليب على القضاة. واستضعافهم في هذه الظروف الصعبة".
الصراع مع سعيد
في المقابل، عبرت القيادية في "حركة النهضة" يمينة الزغلامي في تصريح خاص، عن اعتقادها بأن "إيقاف البحيري جاء كردة فعل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من أجل تغيير وجهة الرأي العام بعد إصدار قانون الميزانية الكارثي". وأكد الزغلامي أنهم في حركة النهضة ليسوا "في صراع شخصي مع الرئيس بل هم ضد مشروع انقلابي يستهدف الديمقراطية في تونس".
ولم تستبعد القيادية النهضوية "إمكانية استهداف قيادات أخرى في الحركة"، معتبرةً أنه أمر "وارد جداً"، لكنها أكدت أنهم "حزب متماسك ولن يرتعبوا من هذه الممارسات وسيواصلون النضال من أجل تكريس مبادئ الديمقراطية".
كذلك، أفادت الزغلامي في مؤتمر صحافي عُقد اليوم الأربعاء 5 يناير (كانون الثاني)، أن "البحيري دخل في إضراب عن الطعام ورفض تناول دواءه وحالته الصحية خطيرة جداً". وأشارت إلى زيارة مرتقبة ستجريها مفوضية حقوق الإنسان للبحيري في سجنه.
من جهته، أكد سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن البحيري، خلال المؤتمر الصحافي أن "الهيئة لا تخوض في التفاصيل القضائية في وسائل الإعلام"، مندداً بما قال إنه "تحول الفيسبوك إلى محكمة وإلى فضاء لنشر المعطيات الشخصية، منها جوزات سفر مواطنين ومحاضر بحث وغير ذلك".
أما في ما بتعلق بالتهم التي وجهها وزير الداخلية التونسي إلى البحيري، قال ديلو إن "الوزير لديه مجرد هواجس ومخاوف وليس لديه أدلة حول التهم الموجهة لموكلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شبهة إرهابية
من جانبه، توجه عضو تنسيقيات موالية للرئيس التونسي قيس سعيد، فوزي دعاس "إلى جمهور المتعاطفين"، بالقول إن "ملف البحيري ذو شبهة إرهابية وغسيل أموال"، موضحاً أن "التهم تتعلق بإسناد جوازات سفر وبطاقات تعريف وشهادات جنسية ومضامين ولادة بطرق غير قانونية لأشخاص مشبوهين ليست لهم أي صلة قرابة تونسية منهم فتاة من أبوين سوريَين في يناير 2013، أي قبل أسابيع قليلة من اغتيال الشهيد شكري بلعيد". وأضاف أنه تم إعلام النيابة العمومية والقضاء كذلك، لكن قضاء البحيري طبعاً لا يمرر ملفاً ضد البحيري بل ويعطله".
و"الأخطر من هذا كله" بحسب دعاس، أنه "على الرغم من سرية التحقيقات، يتم تسريب الملف من القضاء ليصبح حديث أطراف عدة وتنطلق تحركات مريبة، ما استوجب وضعه في الإقامة الجبرية كخطوة استباقية".
لا مجال للحلول الوسط
ولمعرفة تداعيات قضية البحيري على الحركة الإسلامية في تونس، رأى الباحث السياسي خليل الرقيق أن "هيجان حركة النهضة يدل على أنها تستشرف مرحلة قد يتحول فيها الصراع بينها وبين قيس سعيد إلى صراع وجود فعلي بمعنى أن كل طرف يريد إلغاء الآخر. ولم يعد هنالك مجال للحلول الوسط". وأضاف الرقيق أن "هذا الإجراء الإداري ضد البحيري سيفكك النسيج العنيف داخل حركة النهضة، جناح (راشد) الغنوشي تحديداً"، مفسراً "وصلنا إلى مرحلة فتح فيها الرئيس الملفات المسكوت عنها، وهي ملف الأمن الموازي والجهاز السري للحركة، وأيضاً ملف التسفير إلى بؤر الإرهاب وملف الاغتيالات السياسية".
وأفاد الرقيق بأن "نور الدين البحيري هو أقرب شخصية لرئيس حركة النهضة، وهو أحد محركاتها ويملك أسراراً كبيرة جداً عن المرحلة الممتدة منذ عام 2012 إلى حدود 25 يوليو (تموز) الماضي"، مواصلاً أن "البحيري ليس بالاسم الهين والإجراء الإداري الذي اتُخذ ضده هو تطبيق للأمر عدد 50 لعام 1978 لحالات الطوارئ، ومن حق وزير الداخلية احتجاز أطراف يعتبرهم خطراً على الأمن العام. وقد سرى هذا الإجراء على مئات الشخصيات التونسية. كما طبقته حركة النهضة لأشهر عدة على حالات ثبت في ما بعد أنها بريئة".