ارتفاع معدلات إدمان المخدرات من قبل شريحة واسعة من الشباب العراقي جعل الدولة العراقية تفكر لأول مرة منذ تأسيسها في فتح مراكز ووحدات خاصة لمعالجة الإدمان الذي يسارع الانتشار في مختلف المدن العراقية وسط عجز حكومي واجتماعي واضح للحد منه خلال الفترة الحالية. وعلى الرغم من نجاح جهاز الأمن الوطني العراقي وبعض تشكيلات الشرطة العراقية في اعتقال وقتل العشرات من تجار المخدرات، ومصادرة الأطنان منها خلال عام 2021، فإن الواقع يشير إلى استمرار المستويات المرتفعة للإدمان في العراق.
وأصدر مجلس النواب العراقي في عام 2017 قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، وشكّل بموجبه الهيئة العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة لوزارة الصحة العراقية للبدء بإيجاد حلول لهذه المشكلة، التي تسببت في كثير من المشاكل في المجتمع العراقي بهدف إدارة هذا الملف الشائك.
خطة لإنشاء وحدات خاصة
وأعلنت الهيئة العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية أنها تناقش خطة لإنشاء وحدات خاصة لمعالجة الإدمان. وذكرت وزارة الصحة العراقية في بيان أن وزيرها هاني موسى العقابي، ترأس اجتماعاً للهيئة بحضور عدد من ممثلي الوزارات العراقية لمناقشة الخطة الاستراتيجية التنفيذية للسيطرة على انتشار المخدرات. ودعا العقابي، بحسب البيان، إلى "افتتاح ردهة نفسية لعلاج المتعاطين في مستشفى الرشاد، وتوفير المخصصات المالية اللازمة لتكون ردهة نموذجية"، مشيراً إلى بحث أولويات عمل الخطة التي تضمنت إنشاء الوحدات الصحية الخاصة لمعالجة الإدمان.
50 في المئة من الشباب
ولعل التفكير الجدي للحكومة العراقية بإنشاء هذه المراكز جاء بعد النسبة المرتفعة للمدمنين، وازديادهم كل عام، والتي أُعلن عن وصولها إلى 50 في المئة من قبل مجلس القضاء العراقي خلال منتصف عام 2021.
البطالة سبب رئيس
ونقل بيان لمجلس القضاء الأعلى عن قاضي محكمة تحقيق المسيب، نبيل الطائي، أن "أهم أسباب انتشارها يعود لزيادة الإنتاج العالمي للمخدرات، وتطور تكنولوجيا الاتصالات، فضلاً عن نشر ثقافة الجنس"، عازياً انتشار الإدمان أيضاً إلى "سوء الأوضاع الاقتصادية ونسبة البطالة الكبيرة التي تؤدي إلى إقدام كثيرين من الأشخاص على تناول المواد المخدرة ظناً منهم أنها تنتشلهم من هذا الواقع". وأضاف الطائي أن "دور المنظمات المعنية بمتابعة ملف المخدرات في العراق والجهود الرسمية من أجل القضاء على انتشارها بمتابعة ملف المخدرات هو دون مستوى الطموح"، مبيناً أن "أغلب المنظمات والجهات الحكومية تعوّل على مبدأ العقاب، وهذا غير كافٍ للقضاء على هذه الآفة الخطيرة".
المناطق الفقيرة
وتابع أن "نسبة الإدمان قد تصل إلى 50 في المئة من الشباب، لكن هذا الأمر غير مكتشف بشكل رسمي، إذ يوجد الأشخاص الذين يعملون بالمخدرات ويروجون لها في مختلف المناطق، وليس في منطقة محددة"، مشيراً إلى أن "70 في المئة منها في الأحياء الفقيرة والمناطق التي تكثر فيها البطالة، وغيرها من المشاكل الاجتماعية".
تورط الجميع
ولم يعد تعاطي المخدرات مقتصراً على الرجال، بل كانت النساء من ضمن المتعاطين، بحسب الطائي الذي أشار إلى أن "جرائم المخدرات لم تعد محصورة بالرجال، بل أصبحنا نلاحظ تورط النساء في تلك الجرائم". وعلى الرغم من وجود عقوبات مشددة تصل إلى حدّ عقوبة الإعدام ضد الاتجار بالمخدرات وعقوبات أخرى ضد المتعاطين والمروّجين تشمل غرامات مالية ضد المتعاطين وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الذي تم تشريعه عام 2017 بعد عجز القوانين السابقة عن معالجة الظاهرة الكبيرة، فإن الأعداد بازدياد.
11 ألف متهم
ويقول اللواء مازن كامل، مدير مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، إن الأجهزة الأمنية في الوزارة ألقت القبض على أكثر من 11 ألف شخص بتهم تتعلق بالمخدرات، وأضاف كامل في تصريح صحافي، "الأجهزة الأمنية ألقت القبض على 11450 متهماً بقضايا المخدرات من الفترة من يناير (كانون الثاني)، وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، فضلاً عن ضبط كميات من المخدرات تصل الى نصف طن، إضافة إلى مليون ونصف المليون حبة من قبل مفارز مكافحة المخدرات".
أكثر من 1000 مدان
وكانت القضايا المطروحة أمام القضاء كبيرة خلال 2021، ففي إحصائية لرئاسة محكمة استئناف الرصافة التي تضم الغالبية الكبرى من السكان في العاصمة بغداد، فضلاً عن عدد كبير من الأحياء الفقيرة، كشف عن صدور 1007 أحكام بحق المتاجرين والمتعاطين للمواد المخدرة خلال العام الماضي. وأوضح رئيس محكمة استئناف الرصافة الاتحادية القاضي عماد الجابري أن "محكمة الجنايات أصدرت 390 حكماً بحق المتاجرين والمتعاطين للمواد المخدرة، في وقت أصدرت محكمة جنح الرصافة 617 حكماً بحق متعاطين للمواد المخدرة".
ميسان هي الأعلى
وبحسب الجابري، فإن هناك تصاعداً في الأعداد منذ عام 2019، وقال، "محكمتا الجنايات والجنح أصدرتا 885 حكماً بحق المتاجرين والمتعاطين للمواد المخدرة عام 2020، وعام 2019، أصدرت محكمتا الجنايات والجنح 567 حكماً"، وسجلت محافظة ميسان وحدها عام 2021 ما يصل إلى 219 دعوى للمخدرات صدرت فيها أحكام مختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من الأرقام المخيفة لأعداد مروجي ومتعاطي المخدرات بالعراق والقضايا المطروحة أمام القضاء، فإن وزارة الداخلية تؤكد أنه تمت السيطرة على أماكن عبور المخدرات بالبلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد محنا لوكالة الأنباء العراقية نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، "القوات الأمنية تمكنت خلال الفترة الماضية وبعمليات نوعية، من ضبط أطنان من المواد المخدرة، والقبض على عديد من العصابات بمناطق لم يتوقع وصول القوات الأمنية إليها كونها مناطق وعرة ومستنقعات". وأضاف أن "محور الخطة الثاني يتضمن نشر حملات التثقيف والتوعية في المجتمع لأن القضية مجتمعية وتمس المواطنين بالدرجة الأساس"، مبيناً أن الشرطة تعمل على متابعة الملف من خلال حملات كبيرة، وعقد آلاف الورش والندوات، إلى جانب إرسال أشخاص متدربين متخصصين إلى المدارس والجامعات من أجل تحصين الطلبة من الوقوع في فخ تجار المخدرات. ولفت إلى أن "القوات الأمنية، شددت من إجراءاتها في أماكن عبور المخدرات، وتمكنت من السيطرة على هذا الملف".
مراكز العلاج ضرورة
وشددت مفوضية حقوق الإنسان على ضرورة الإسراع بإنشاء دور العلاج، لا سيما في ظل العدد الهائل من المدمنين. وأشارت إلى أن إنشاء تلك المراكز يحتاج إلى عدد كبير من الأطباء النفسين الذي يعاني العراق نقصاً كبيراً فيهم. وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، إن هناك أكثر من 50 في المئة من الشباب يتعاطون المخدرات والمؤثرات العقلية، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن هناك لجنة معنية لمكافحة المخدرات ترأسها وزارة الصحة، فإن الملف متروك للجهات الأمنية والقضائية. وأضاف البياتي أن "إنشاء دور لعلاج المدمنين خطوة ايجابية باعتبار أن كل متعاطي يُعد مريضاً، وقضية تركه المخدر ستوصله إلى الموت"، لافتاً الى أن إنشاء دور علاج المدمنين يحتاج إلى مخصصات وتعاون دولي في هذا الملف.
ستة ملايين شاب
وتابع البياتي أن الإحصائيات المتوقعة تشير إلى وجود 25 في المئة من الشعب العراقي مدمناً للمخدرات، بالتالي سنجد أن هناك ستة ملايين شاب يحتاجون إلى مصحات، مشيراً إلى أن هذه المصحات تحتاج إلى كوادر وموارد بشرية في وقت أن كل الأخصائيين النفسيين بالعراق لا يتجاوز 130 أخصائياً نفسياً.
نقص حاد في الكوادر
وأكد البياتي وجود نقص حاد في الكوادر النفسية الوسطى، وهذا يحتاج إلى إعطاء أولوية صحية إضافة إلى الأولوية الأمنية والقضائية في التركيز على أسباب توجه الشاب والمجتمع للمخدرات والمؤثرات، مبيناً أن قضية المخدرات بدأت تنمو بعد عام 2003، إلا أن تشريع القانون الخاص به كان عام 2017، وهذا الأمر أدى إلى تأخر فتح مراكز العلاج التي تحتاج إلى توفير إمكانات كبيرة.
معالجة الأسباب
بدورها، قالت الباحثة الاجتماعية نجلاء العلي، إن من الضروري طمأنة المرضى المدمنين بشأن إمكانية احتوائهم بتلك الدور، وألا تطاولهم الإجراءات القانونية، مشددة على ضرورة معالجة أسباب الإدمان. وأضافت أن العراقيين لم يعرفوا الإدمان والمدمنين في العقود الـ10 الماضية، وهذه الآفة بدأت تستفحل خلال السنوات الماضية بسبب الأزمات، مشيرة إلى أهمية معالجة الأسباب التي يعانيها الشاب العراقي، فضلاً عن إنشاء دور لإيواء المدمنين. وقالت إن كثيرين يتخوفون من دخول تلك المصحات خوفاً من أن يقال إنهم مدمنون، فضلاً عن آخرين يتخوفون من الإجراءات القانونية التي قد تطاولهم نتيجة إدمانهم، داعيةً إلى حل هذا الأمر بطمأنتهم، ونيل ثقتهم، بهدف إنجاح علاجهم.