استقل رشيد حميد خليل وابنه محمد، 11 سنة، سيارة جارهم شرف الدين سيدو في جندريس للتوجه نحو بلدة إعزاز، بقصد تأمين العلاج لمحمد الذي يعاني من تشوهات وحروق في جسده، أما شرف الدين صاحب السيارة، فهو يقصد البلدة بهدف التجارة بعد أن أصبحت وجهة أهل عفرين على إثر سيطرة الفصائل الإسلامية بدعم الجيش التركي على مناطقهم في 18 مارس (آذار) 2018.
وستكون هذه الرحلة الأخيرة لرشيد، وتلقى جثته بعد أسبوعين قرب قرية قسطل جندو التابعة لناحية شرا صباح الأربعاء 22 مايو (أيار) الحالي، بحسب بيان لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي الذي يرصد حالات كهذه من خلال ناشطيه في عفرين.
تهديد بالقتل
ولدى وصول هؤلاء الثلاثة إلى إعزاز اختطفتهم مجموعة مسلحة، وعلى الفور عذبتهم وراسلت ذويهم عبر تطبيق واتس آب تهددهم بقتلهم في حال لم يدفعوا 100 ألف دولار مقابل إطلاق سراحهم، والسبب ليس سوى أنهم من عفرين التي درجت فيها العادة أن تختطف فصائل ومجموعات مسلحة مدنيين وتطالب بفدية مقابل إطلاق سراحهم.
الستيني شرف الدين سيدو ظهر معصوب العينين ومدمى الوجه من أثر التعذيب في مقطع الفيديو الذي وصل عائلته، يطالب أبناءه ببيع كل الممتلكات بما فيها منازلهم في مدينة حلب التي كانوا يقيمون فيها قبل انتقالهم إلى عفرين، ويشير شرف الدين في المقطع ذاته إلى أنه كل يوم يتعرض للضرب والتجويع ويناشد أهله تأمين المبلغ بشتى السبل.
مصير مجهول
الطفل محمد الذي قُتل والده، رُميت جثته بين أشجار الزيتون، وشرف الدين سيدو ما زال مصيرهما مجهولاً ويكتنفه الغموض، لا سيما بعد ورود أنباء عن أن الطفل قُتل، بحسب ما نقل مراسل موقع "عفرين بوست" عن متابعين لقضية الطفل المختطف، مضيفاً أن الشكوك تحوم حول فصيل "أحرار الشرقية" التي ادعت أنها ألقت القبض على المجموعة الخاطفة، من دون أن توضح مصير المخطوفين حتى الآن، وهو ما يشير إلى محاولة الميليشيات المذكورة تحضير تمثيلية للخروج من الضغوط التي تتعرض لها بحسب ما جاء في الموقع.
حوادث متكررة
في الثالث من شهر مايو الحالي، اختطفت مجموعة مسلحة أخرى الفلاح إبراهيم خليل عبدو، وهو أب لثلاثة أطفال من بلدة بعدينا، أثناء وجوده في حقل زيتون له بوادي دروميه، ناحية معبطلي، وتُراسل المجموعة المسلحة ذوي إبراهيم منذ أسبوع وتُريهم صوراً للمختطف وآثار التعذيب بادية عليه، لحضهم على دفع فدية مالية مقابل إطلاق سراحه أو قتله في حال امتناعهم عن الدفع، بحسب ما جاء في بيان حزب الوحدة الصادر في 27 مايو الحالي.
مواقف المنظمات الحقوقية
في أواسط مايو الحالي، ذكر بيان مشترك لثماني منظمات حقوقية دولية ومحلية، من بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أن "الجماعات المسلّحة المعارضة للحكومة ارتكبت مخالفاتٍ خطيرة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك عمليات الخطف والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة"، وأضاف البيان أن "مصادر محلية في عفرين ذكرت وقوع 110 اعتداءات على الأقلّ، يبدو أنّها تصل إلى حدّ الاعتقال التعسفي للمدنيين وتعذيبهم وخطفهم على يد الجماعات المسلّحة المؤيدة لتركيا".
وطالبت هذه المنظمات الدول التي تدعم قوات النظام والجماعات المسلحة المعارضة من بينها تركيا، بالكشف عن أسماء ومواقع ومصير الأشخاص الذين تعرّضوا للإخفاء القسري والخطف، والذين أُعدموا خارج نطاق القضاء أو وفق إجراءات موجزة أو ماتوا في مراكز الاحتجاز، كما جاء في بيان المنظمات الثماني.
"الآثار الاجتماعية والاقتصادية لموجات النزوح في شمال سوريا"
وفي دراسة صادرة حديثاً عن منظمة IMPACT، التي تتخذ من برلين مقراً لها، بعنوان "الآثار الاجتماعية والاقتصادية لموجات النزوح في شمال سوريا"، تتناول وضع عفرين وإعزاز والباب، أي تلك المناطق التي احتلتها القوات التركية بعمليات عسكرية، وشهدت موجات نزوح أهاليها، وإعادة توطين لآخرين مثل عفرين.
وتشير هذه الدراسة إلى أن منطقة عفرين تشهد توتراً عرقياً، وأن انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات التمييزية ضد السكان المحليين فيها من قبل الجماعة المسلحة المسيطرة والامتياز الممنوح للنازحين داخلياً من خلال صلاتهم بهذه الجماعات، أدت إلى دفع السكان المحليين في ناحية عفرين إلى حالة من العزلة مع محيطهم وإحساس عام بعدم الثقة بل وحتى العداء تجاه الأشخاص النازحين داخلياً، الذين يشعرون أيضاً بالتفكك في مجتمعاتهم المضيفة، بالتالي تمزق النسيج الاجتماعي للمنطقة، بحسب ما جاء في دراسة المنظمة.
لكن هذه الدراسة لاقت انتقادات شديدة من ناشطين وصحافيين أكراد، لا سيما أنها تجنبت تسمية القوات التركية كقوة احتلال بحسب الناشطين، واكتفت برفع توصيات سياسية إلى الحكومة التركية لتحسين الوضع المعيشي للمناطق التي درست فيها الوضع الاجتماعي، كما أنها لاقت استهجاناً من الناشطين حول اعتمادها تسمية النازحين الداخليين بدلاً من المستوطنين، وهؤلاء خرج معظمهم من مناطق الغوطة الشرقية وريف حمص بعد اتفاقات الاستسلام مع النظام، ثم جلبتهم الفصائل المسلحة والقوات التركية إلى عفرين بعد سيطرتهم عليها منذ18 مارس (آذار) من العام الماضي.
الدراسة تشمل كامل منطقة شمال سوريا
من جهتها، قالت جلنار أحمد مديرة قسم الأبحاث والمراقبة والتقييم في IMPACT لـ "اندبندنت عربية"، إن "إيمباكت لم تستخدم في تقريرها توصيف "القوات المحتلة" أو "الاحتلال التركي" أو "المستوطنين"، الدراسة تشمل كامل منطقة شمال سوريا التي استقبلت أو حدثت فيها موجات تهجير قسري وليس فقط عفرين.
لكن حالة عفرين واضحة جداً لحجم الانتهاكات والتمييز الحاصلين فيها، والدراسة تستعمل المصطلحات المستعملة دولياً من دون تحيز للحفاظ على حياديتها، إضافة إلى ذلك، الدراسة (وكذلك منظمة ايمباكت) ليست حقوقية إنما تركز على الجانب المعيشي للناس، وليس انتهاكات حقوق الإنسان أو أجندات الدول. وبنيت هذه الدراسة وتقريرها المنشور بالشراكة مع منظمات دولية لاستخدامها كورقة سياسات في جهود مناصرة موجهة لصناع قرار في الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية وأميركية بالتعاون مع منظمات حقوقية".