أربكت الندرة في الزيت التي تعرفها أسواق الجزائر وزارة التجارة، فأصدرت قراراً يمنع بيع هذه المادة للقصَّر. ما فتح الباب أمام حملة سخرية ومطالب بتنحية المسؤول الأول عن القطاع، وزير التجارة كمال رزيق، بحجة فشله في توفير حلول للمشاكل التي تقلق المواطنين، ومنها ارتفاع الأسعار.
قرار بعد مراقبة
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حملة سخرية استهدفت وزير التجارة إثر إصداره قراراً يمنع بموجبه بيع مادة زيت المائدة للقصر. وقد وصفت أطراف عدة هذه الخطوة بالغريبة. الأمر الذي دفع رزيق إلى تبرير القرار. وقال إن اتخاذ هذا القرار لم يكن اعتباطياً. وتابع أن فرق الوزارة بالتعاون مع مصالح الأمن راقبت أشكال السلوك الاستهلاكي منذ شهر، و"لاحظت أمراً غريباً تمثل في استغلال الأطفال من طرف بعض عديمي الضمائر".
وأضاف رزيق أن كاميرات المراقبة بينت أن هؤلاء يرسلون الأطفال لشراء هذه المادة من المحال، فيما يبقون هم في الخارج. وهو ما اعتبره نوعاً من أنواع المضاربة. ما استلزم اتخاذ قرار منع الأطفال من شراء زيت المائدة، مؤكداً أن تذبذب توزيع زيت المائدة في بعض المحافظات ضغط وليس أزمة كما يروج لها البعض.
خطوة غير قادرة على ضبط السوق
في السياق، يعتبر أستاذ الاقتصاد عمر هارون، أن "قرار منع القصّر من شراء الزيت لا يمكن النظر إليه على أنه قادر على ضبط السوق، لأنه بعيد عن المشكل الحقيقي الذي يحتاج إلى نتائج واضحة من لجنة التحقيق التي أقرها مجلس الأمة"، داعياً إلى "مراجعة المنظومة الاقتصادية في مجال السلع الأساسية، وهو الأمر الذي باشرته الجزائر بموجب قانون المالية لسنة 2022، الذي يؤكد مراجعة أسلوب الدعم المباشر الذي أرهق الحكومة والشعب في عدد من السلع والخدمات"، مشيراً إلى أن "الوضع يجعلنا أمام حتمية وجود منظومة تخزين استراتيجي من السلع الضرورية التي يتم توفيرها في السوق في حال وجود أزمة مماثلة". وأكد "ضرورة توافر جهة رسمية تكون مهمتها تفنيد الإشاعات والأخبار المغلوطة".
أما ارتفاع الأسعار فهو، وفق هارون، "ظاهرة عالمية من تبعات كورونا". ويضيف أن "الجزائر ليست استثناء عن دول العالم، إلا أنه تنقصنا في هذه المرحلة مصارحة الشعب بالواقع الحالي الذي يدعو إلى التحلي بمزيد من الصبر".
وقال هارون إن "الجهود المبذولة لخفض نسب الضريبة على الدخل ومحاولة مراجعة النقطة الاستدلالية ستقلص حجم تراجع القدرة الشرائية للجزائريين إلى نحو 50 في المئة".
رد فعل ومقاومة للتغيير
من جانبه، يرى المتخصص في إدارة الأعمال أنور سكيو أن "قرار منع بيع الزيت للقصر مفاجئ، يذكر بقضية نقص وارتفاع أسعار الحليب، ثم ارتفاع أسعار اللحوم". ويقول إن "هناك فجوة تأخر واضحة بين الآليات التقليدية غير الفعالة التي تعتمد عليها وزارة التجارة وواقع سلوك وجب تداركه والتحكم فيه، خصوصاً إذا ما كان الموضوع يتعلق بالاستقرار الاجتماعي وتهديد الأمن الغذائي للمواطن الجزائري"، مشيراً إلى أن "قرار الحكومة إعادة النظر في نظام الدعم الاجتماعي ضمن موازنة 2022 ليس بمعزل عما يحدث اليوم، فخلق أزمات ندرة المواد الاستهلاكية الأساسية على الرغم من وفرتها في المستودعات يعتبر رد فعل ومقاومة للتغيير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع سكيو أن "التوجه الطموح للجزائر في إرساء نوع من التوازن والثبات على سيرورة الإنتاج المحلي، يستدعي نجاعة وجهوداً وآليات أكثر فاعلية على مستوى وزارة التجارة ومديرياتها، ما من شأنه أن يرقى إلى جهود السلطات لاسترجاع النظام العام في مجال المواد الغذائية والاستهلاكية والقضاء على المضاربة والتجاوزات"، مشدداً على "ضرورة مراجعة وتيرة تفاعل مصالح وزارة التجارة مع مشكل المضاربة وعدم الامتثال للقوانين واللوائح التي تضمن المنافسة السليمة والتسعير العقلاني والاستثمار المستدام في إنتاج المواد الاستهلاكية على غرار زيت المائدة، وليس الاكتفاء بالتحرّكات الميدانية بين حين وآخر من دون تفعيل خطة عمل واضحة وصارمة لمراقبة وتنظيم عمل كل مكونات السلسلة".
قلق ومطالب بالرحيل؟
وقد أقلق المواطنين تصريح وزير التجارة بأن الجزائر ستصبح البلد رقم واحد في أفريقيا في تصدير مادة الخام من الزيت، داعياً المواطنين إلى الترشيد في الاستهلاك. ووجه أصابع الاتهام إلى القنوات الخاصة وبعض الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، بتأجيج الوضع ومحاولة النفخ في أزمة الزيت. وقال إن "أزمة الزيت أخذت بعداً إعلامياً كبيراً في إطار خدمة أجندات غير وطنية"، منتقداً "سلوكيات المواطن الذي يرضخ للإشاعات ويقتني المواد بالضعف لغرض التخزين". وأكد أن الأزمة لا علاقة لها بالوفرة بقدر ما هي إشكالية مضاربة واحتكار. وأشار إلى أن الإشكال هو أن أحد المتعاملين الذي لم يكن يطلب الدعم سابقاً، أصبح يطلبه ويتعامل بالفاتورة.
أموال الدعم
إلى ذلك، يعتقد رئيس "منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات"، يوسف ميلي، أن "قرار وزير التجارة غير مدروس، وجاء رد فعل على أزمة التحكم في إنتاج مادة الزيت وتوزيعها". وقال إن "هذه المادة حساسة في السوق، إذ يكفي أن تنتشر إشاعة عن ندرتها فيتحول الأمر مباشرة إلى أزمة حقيقية"، مشيراً إلى أن "ارتفاع الأسعار مشكل عالمي بحسب منظمة التغذية العالمية، لكن يجب إعادة النظر في عملية توجيه الدعم".
ويلفت ميلي إلى أن "الوضع لا يتعلق بوزير التجارة بل بموضوع الدعم في حد ذاته". ويسأل "لماذا لا تكون أزمة في مادة الطماطم مثلاً؟". ويختم أن "احتكار إنتاج الزيت وأموال الدعم التي تسيل اللعاب هي من أكبر أسباب هذه الأزمة".
ويبدو أن وزير التجارة يخوض "معركة" مع جهات تسيطر على السوق في البلاد، إذا انتقلت من ندرة المواد إلى ارتفاع الأسعار إلى الاحتكار والمضاربة. ولعل الندرة المفاجئة للزيت، التي أثارت غضب المواطنين الذين باتوا مستائين من تكرر ذلك، دليل على رفض "البارونات" الانسحاب من السوق التي استحوذوا عليها الـ20 عاماً الماضية.