كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن "استعادة حقوق المارونية السياسية بعدما أتت السنية السياسية على جثتها"، نزل كالصاعقة على تيار المستقبل وجمهوره، الذي يترأسه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. ولم ينفع البيان التوضيحي لباسيل بترميم الهوة التي وقعت بين الفريقين، ﻻ سيما أن كلام باسيل ترافق مع معلومات عن محاولته إقالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المحسوب على الرئيس الحريري.
وكشفت مصادر لـ "اندبندنت عربية" أن باسيل طرح قضية عثمان مع نادر الحريري، المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة، خلال لقاء جمعهما في وزارة الخارجية الثلثاء الماضي.
علاقة ملتبسة
لم تكن العلاقة يوماً بين التيارين طبيعية. فتيار المستقبل والتيار الوطني الحر إما أعداء وإما حلفاء، وبينهما مواجهة شرسة وخصومة بدأت عام 2005، واشتدت بعد تفاهم رئيس التيار السابق ورئيس الجمهورية الحالي ميشال عون مع حزب الله.
في حينها، حمّل تيار عون تيار الحريري مسؤولية الدين العام في البلد ووضع كتاب "الإبراء المستحيل"، الذي شكل الضابطة اﻻتهامية بحق رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة وكل فريق عمل الرئيس رفيق الحريري. والتيار الوطني الحر نفسه هو الذي أسقط حكومة سعد الحريري عام 2011، فبات المستقبل يعتبر أن عون يُستخدم من قبل حزب الله للعب دور المواجهة معه وإضعافه، تجنباً لتحويل المواجهة إلى شيعية- سنية.
بقيت العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر متشنجة حتى بلغت أفضل أحوالها، عندما قرر الرئيس سعد الحريري تبني ترشيح رئيس التيار ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بعدما كان عقد اتفاقاً مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
فتحت اللقاءات بين الحريري وباسيل في العاصمة الفرنسية باريس، وما أنتجته من تسوية، مرحلة جديدة بين التيارين، ارتاب منها كل الفرقاء السياسيين، حتى حزب الله، الذي تخوف من عودة الثنائية المارونية - السنية، الشبيهة بثنائية رئيس الحكومة رياض الصلح ورئيس الجمهورية بشارة الخوري خلال فترة نيل لبنان استقلاله عن فرنسا.
انتقلت العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر من مرحلة العداوة إلى التوافق. لكن جمهور المستقبل، الذي تفهم التفاهم، لم يهضم يوماً التيار الوطني الحر ولم ينس "الإبراء المستحيل"، لكنه وقف إلى جانب خيارات زعيمه على مضض ورافق بمرارة مرحلة تأليف الحكومة وممارسات باسيل بحق رئاسة الحكومة، خلافاً ﻻتفاق الطائف، التي تجلت في جلسات مناقشة الموازنة، عندما أصر باسيل على لعب دور المقرر في إدارة الجلسات، معيداً قرار الحسم في الموازنة إلى القصر الجمهوري.
واستمر باسيل، مدعوماً من الرئيس عون، في أداء دور المقرر على قاعدة خذ وطالب، محاولاً انتزاع كل نقاط القوة من الرئيس الحريري. فبرزت لديه بعض محاولات الإمساك بالقرار الاقتصادي عبر الموازنة والتصميم على الإمساك بالقرارات الأمنية والقضائية والسياسية.
وتكشف مصادر لـ "اندبندنت عربية" أن باسيل، الذي يعمل على أن يكون المرشح الأساسي والفائز بموقع رئاسة الجمهورية بعد عمه، يسعى إلى أن تكون كلمته هي المقررة في التعيينات المقبلة، حتى يتمكن من وضع يده على كل مفاصل الدولة. وهو بحسب المصادر يسعى إلى تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو إلى تعيين نواب جدد للحاكم مقربين منه، ﻻ سيما أن ولاية النواب الحاليين انتهت منذ أشهر، وحال غياب التوافق بين القوى السياسية دون تعيين جدد.
ويسعى باسيل إلى تغيير اللواء عثمان، ليدخل المديرية من موقع المقرر في تعييناتها الداخلية. كما يسعى إلى استبدال رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط (ميدل إيست) محمد الحوت، المحسوب على الحريري، أو إلى تعيين مدير عام للشركة مقرب من التيار الوطني الحر. وهو كان استحدث هذا المنصب بقانون قدمه إلى مجلس النواب. وهذه التعيينات ستكون الملف الساخن على طاولة مجلس الوزراء بعد الموازنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تقول مصادر مقربة من الحريري أن لدى رئيس الحكومة توجهاً جديداً في ملف التعيينات مدعوماً من الفريق المسيحي المنافس للتيار الوطني الحر، أي حزب القوات اللبنانية. فالرئيس الحريري يصر على اعتماد الكفاءة في التعيينات، ﻻ سيما في الفئة الأولى.
وتذكر أوساطه بأن وصول صاحب الكفاءة إلى مركز إداري في الدولة سيكون انتصاراً لمنطق والده رفيق الحريري. أما منطق المحاصصة مع باسيل، ضمن معادلة الربح والخسارة، فسيمنح الأخير ثلثي المراكز المسيحية في الدولة مقابل حصول الحريري على ثلث. ما يعني تمكن باسيل من تعطيل الدولة وشل إداراتها في أي معركة سياسية مستقبلية، بعد تمكنه من امتلاك القدرة على تعطيل الحكومة بسبب امتلاكه الثلث المعطل.
التسوية الرئاسية... مهددة؟
يتساءل كثيرون إذا كان هذا الاهتزاز الذي شهدته العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر سيؤدي إلى إسقاط التسوية الرئاسية بين الحريري وعون وباسيل.
بالطبع ﻻ، تقول مصادر سياسية. فالتسوية قائمة طالما أن عون موجود في القصر الرئاسي في بعبدا.
لكن عدم سقوط التسوية ﻻ يعني عدم إعادة النظر بطبيعة العلاقة مع التيار الوطني الحر ورئيسه، من قبل الحريري. فالأخير، الذي يتعرض لضغط شارعه السني وسط تصاعد استياء كوادر تياره، وهذا ما عبّر عنه الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بشكل واضح، سيضطر إلى وضع قواعد جديدة للعلاقة مع تيار العهد من دون انفصال عنه. ما يعني إعادة النظر بطبيعة العلاقة وليس ببنود التفاهم نفسه.
ومن المتوقع أن يتمسك الحريري بعثمان والحوت أكثر، وبآلية تعيينات تعتمد الكفاءة ﻻ المحاصصة. وربما قد يتخذ قرارات تؤكد أن قرار مجلس الوزراء بيده، وليس لدى التيار الوطني الحر أو رئيسه.