تشعر نانسي بفوند، صاحبة رأس مال استثماري في كاليفورنيا، بالاستياء حينما تفكر في الأضرار التي لحقت بالغابات في الغرب جراء الحرائق على مدار الأعوام الخمسة الماضية، وأسهمت في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
يمكن لحريق واحد ضخم أن يطلق كمية من الكربون في الغلاف الجوي تكفي لمسح أعوام من العمل في المحافظة على الغابات وقدرتها الطبيعية على امتصاص الكربون من الهواء. وعلى عكس معظم نظرائها، تبذل بفوند عبر مجموعتها "دي بي إل بارتنرز" DBL Partners جهوداً حيال ذلك، إذ استثمرت بفوند في شركة من مدينة سياتل الأميركية تدعى "درون سيد" DroneSeed تستخدم طائرات من دون طيار لجمع شتلات الغابات من المناطق الصحية ونشرها في الأراضي المنكوبة بالحرائق، بغية المساعدة في عملية إعادة تأهيل تأتي بعد أسابيع من الدمار الناجم عن الحرائق الضخمة.
لقد أضحى تخزين الكربون وإزالته، أي عملية امتصاصه من الهواء، من التوجهات التكنولوجية الأكثر رواجاً في مجال الاستثمار المناخي. سواء تعلق الأمر بأفكار تستند إلى الطبيعة على غرار "درون سيد" أو التقنيات التي تسحب فعلياً ثاني أكسيد الكربون من الهواء مثلما تفعل مؤسسة "كلايمت ووركس" Climate Works الألمانية في أيسلندا، ثمة وفرة في الأفكار والاستثمارات التي تدعمها.
لقد جمعت بفوند أخيراً، 600 مليون دولار (440 مليون جنيه استرليني) في صندوقها الاستثماري الرابع المرتبط بالتمويل المناخي.
وبحسب رأيها، "لقد شهد الاكتتاب إقبالاً تجاوز طاقته. ثمة أموال طائلة يستقطبها هذا القطاع".
والواقع، أنه خلال أول أسبوعين من العام الحالي، كشفت "وول ستريت" "ووادي السيليكون" عن مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة في الطاقة المتجددة وتخزين الكربون وكفاءة الطاقة في المباني وجميع الأشكال الأخرى من أفكار "البيئة والمجتمع والحوكمة" [تختصر بـ"إي إس جي" ESG، وهي الأحرف الأولى لمصطلح Environmental, Social & Governance].
لقد عُيّن جان روجرز، أحد رواد محاسبة الاستدامة، الذي أسس "مجلس معايير المحاسبة المستدامة"، رئيساً عالمياً لقسم "البيئة والمجتمع والحوكمة" ESG في مجموعة "بلاكستون" التي أعلنت على الفور عن استثمار 3 مليارات دولار (2.2 مليار جنيه استرليني) في شركة "إنفِنِرجي رينيوابلز" Invenergy Renewables في شيكاغو، وهي أضخم شركة خاصة في أسواق الرياح والطاقة الشمسية.
لقد استثمر بنك "غولدمان ساكس" العالمي 25 مليون دولار (18 مليون جنيه استرليني) في شركة "هايدروستور" Hydrostor لتخزين الطاقة، ومقرها مدينة تورنتو الكندية. وأعلنت مجموعة "كارلايل" Carlyle العالمية أخيراً عن تخصيص أكثر من 100 مليون دولار أميركي (73 مليون جنيه استرليني) لاستثمارات جديدة في شركات تخزين الطاقة ومحطات شحن السيارات الكهربائية. في السياق ذاته، أوضحت مجموعة "بريكثرو إنرجي كاتلست" Breakthrough Energy Catalyst التي يملكها مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غيتس، أنها سوف تستثمر 15 مليار دولار أميركي (11 مليار دولار جنيه استرليني) في تخزين الطاقة ومشاريع الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطراداً، ذكر جوناثان ماكسويل، مؤسس شركة "ساستينابل ديفلوبمانت كابيتال"Sustainable Development Capital في لندن "هناك أرباح واقعية من الاستثمار في تلك المجالات. لقد انطلق جواد التمويل".
وخلال الأسبوع الحالي، أشار لاري فينك، مؤسس شركة "بلاك روك" المتعددة الجنسيات BlackRock التي تملك قرابة 10 تريليونات دولار (7.33 تريليون جنيه استرليني) كأصول استثمارية، في خطابه السنوي إلى الرؤساء التنفيذيين في تلك الشركة إلى أن "الـ1000 مشروع جامح في المستقبل، لن تتعلق بابتكار محركات بحث لشركات التواصل الاجتماعي، بل بابتكارات في الاستدامة تكون قابلة للتوسع".
وتأتي الموجة المفاجئة للتمويل في مصادر الطاقة المتجددة في وقت شهدت أجندة الرئيس جو بايدن للمناخ تعثراً في واشنطن داخل "الكابيتول هيل" [مقر الكونغرس] لعدم توافر الدعم من داخل حزبه الديمقراطي، تحديداً من جانب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا الغربية جو مانشين، وهو مليونير في مجال الفحم.
ومن دون إقرار برنامج بايدن "إعادة البناء على نحو أفضل"، سوف يكون من الصعب على الرئيس أن يحرز تقدماً في مكافحة الاحتباس الحراري العالمي، في الولايات المتحدة قبل انتخابات الكونغرس النصفية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني).
كذلك يؤدي الضغط السياسي إلى إلحاق الضرر بمخازن الطاقة الشمسية في السنة الجارية، إذ تحاول مرافق الكهرباء في كاليفورنيا وفلوريدا إزالة أو خفض الحوافز لملّاك المنازل، بغية دفعهم إلى الاستثمار في الألواح الشمسية.
إن الحجج المعارضة لبرامج المناخ على غرار برنامج "إعادة البناء بشكل أفضل" [الذي أطلقه الرئيس بايدن] والألواح الشمسية في كاليفورنيا وفلوريدا، تتعلق في نهاية المطاف بالمال، الأمر الذي يزيل فوائد مكافحة الاحتباس الحراري العالمي من المعادلة. ويشعر أصحاب السياسات التقدمية ومناصرو المناخ بالغضب أثناء مشاهدتهم تلك الحوادث.
في المقابل، حينما يتعلق الأمر بالمال، فإن الأموال الضخمة هي التي تملك القرار، وأصحاب المال يصوتون هذه السنة بناءً على ما يملكونه من ثروات. وعلى حين غرّة، أصبحت المركبات الكهربائية فكرة رائجة بين المستهلكين، لكن مجرد 5 في المئة من جميع المركبات في الولايات المتحدة ستكون كهربائية في 2022، وفق تقرير مؤسسة "بلومبيرغ إن إي أف" Bloomberg NEF العالمية [متخصصة في بحوث استراتيجية عن السلع العالمية والتقنيات التغييرية] الذي يشير أيضاً إلى أن المستثمرين ينتقلون إلى الاستثمار في البطاريات التي تزوّد تلك المركبات الكهربائية بالطاقة.
وعلاوة على ذلك، هناك فكرة إزالة الكربون وتخزينه، التي لا تزال في مرحلة مبكرة إلى حد كبير. وتعمل عشرات من الشركات على إيجاد سبل لإزالة الكربون من الجو والبحر، وهي منخرطة بكل شيء في ذلك المجال، بداية من دفن تلك المادة تحت الأرض إلى صنع أدوات مائدة من الكربون وسلع من الجلد الصناعي.
ولا تجني أيٌّ من تلك الشركات المال، وكذلك فإنها لم تجد طريقة لإزالة الكربون يمكن أن تكون مجدية مالياً، بالمقارنة مع مجرد شراء عقد تعويض الكربون [مثلاً، تستطيع شركة تعمل بتقنية ينبعث منها الكربون، أن تشتري مقابله عقداً لتوسيع إحدى الغابات]. في المقابل، ثمة بحوث تجرى وتُختبر، خصوصاً في مجال الزراعة. ويشير المستثمرون إلى أنهم يستطيعون الانتظار.
وفي ذلك الصدد، تضيف بفوند أن "إزالة الكربون من قطاع الزراعة لن يحدث بين عشية وضحاها. لكن إزالة الكربون من قطاع النقل لم يحدث بين عشية وضحاها كذلك".
© The Independent