قال كبار المستشارين العلميين في المملكة المتحدة إن الحملات المتكررة ضد واضعي النماذج الحاسوبية الافتراضية الخاصة بـ"كوفيد" التابعين للحكومة البريطانية تتهدد بالنيل من ثقة الناس وتقويض الاستجابات المستقبلية للجوائح.
في تصريحات لـ"اندبندنت"، ذكر عدد من أعضاء "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" (اختصاراً SPI-M)، علماً أنها لجنة فرعية تابعة لـ"الفريق الاستشاري العلمي للطوارئ" ("سيج"Sage ) في بريطانيا، أن قلقاً يعتريهم جراء "التداعيات الثانوية" التي يطرحها كيل الانتقادات التي واجهتهم في الأسابيع الأخيرة بسبب نماذج وضعوها [بهدف توفير معلومات وسط الغموض الذي كان مسيطراً على] موجة متحورة أوميكرون [من فيروس كورونا].
وكان زملاء للعلماء ونواب في مجلس العموم البريطاني وجهوا اتهامات إلى المستشارين لأن هؤلاء -وفق زعمهم- أقحموا المملكة المتحدة في عمليات إغلاق [حجر] متكررة وأرسوا "مناخاً من الخوف القائم على التلاعب". يخشى أعضاء في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" أن تضعف هذه الحملات الثقة في النمذجة، وتعوق اتخاذ القرارات اللازمة في مواجهة المتحورات الجديدة الخطيرة من "كوفيد"، أو الجوائح التي ربما تتفشى في المستقبل.
قال البروفيسور جون إدموندز، أحد العلماء الأعضاء في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، إن "سوء تأويل متعمداً" و"سوء فهم حقيقياً" على حد سواء قد طالا النموذج الأخير الذي وضعه الفريق، الذي لم يتنبأ بما سيحدث خلال فصل الشتاء، بل قدم مجموعة متنوعة من السيناريوهات كي يراجعها وزراء المملكة المتحدة، تتراوح من الأفضل إلى الأسوأ.
لذا نجد، وفق كلام الخبراء، أن أحد السيناريوهات كشف عن أن ستة آلاف شخص ربما يفارقون الحياة يومياً [بسبب عدوى المتحورة]، مع دخول عشرات الآلاف من الحالات إلى المستشفيات يومياً. ونظراً إلى أن "الصحف تميل إلى إبراز السيناريو الأسوأ، نجد أن التقارير تنقل هذه الأنباء"، على ما قال البروفيسور إدموندز.
كذلك ورد في سيناريوهات أخرى خلصت إليها النتائج أنه في حال عدم فرض قيود، ستشهد المملكة المتحدة يومياً حتى 400 حالة وفاة، وأدنى قليلاً من ثلاثة آلاف حالة دخول إلى المستشفى، علماً أن هذا التوقع كاد يتحقق خلال الشتاء.
في ضوء النمذجة، وعلى الرغم من دعوات "الفريق الاستشاري العلمي للطوارئ" التي نادت بعودة بريطانيا إلى تطبيق "تدابير أكثر صرامة" في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اختارت الحكومة البريطانية أن تتمسك بقيود "الخطة ب" التي كانت وضعتها في وقت سابق لمواجهة كورونا في الشتاء، في قرار يرى مؤيدون أنه أثبت سلامته منذ ذلك الحين، من ثم ألقى كثيرون باللائمة على خبراء "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" بذريعة أنهم خلصوا إلى توقعات خاطئة.
البروفيسور غراهام ميدلي، رئيس "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، قال إن الالتباس الرئيس يكمن في أن النماذج ليست عبارة عن تنبؤات. في الحقيقة، النماذج سيناريوهات الغرض منها مساعدة صانعي القرار على فهم الآثار المترتبة على اتخاذ مختلف الخيارات السياسية.
أما "المشكلة الرئيسة الثانية فتتمثل في أنه نظراً إلى أن التركيز ينصب على الوضع الأسوأ، يبدو كما لو أننا نضع نماذج لهذا الشكل من الاحتمالات فقط، ولكن هذا غير صحيح. مهمتنا توضيح الكثير من الاحتمالات للحكومة"، أضاف البروفيسور ميدلي.
كذلك أعرب البروفيسور ميدلي عن قلقه من الحملات الأخيرة [ضد فريق النمذجة]، التي ربما تفضي إلى "فقدان الثقة" في عملية وضع النماذج الحاسوبية الافتراضية، ناهيك بأن هذه المشكلة "تواجه أصلاً التطعيمات"، على ما جاء في كلمات البروفيسور ميدلي.
"أعتقد أنها مشكلة خطيرة"، قال البروفيسور إدموندز، مضيفاً أن "الحال عينها تنطبق على [وضع نماذج حاسوبية] لأزمة تغير المناخ. يواجه هؤلاء الرجال المأزق نفسه تماماً. وثمة صحافة يمينية متشدقة في كلامها تحاول تقويض [النمذجة] لأسباب سياسية. يطرح ذلك تأثيراً سلبياً غير مباشر. لذا نعم، نحن في قلق كبير".
في وقت سابق من الأسبوع الحالي، وصف بوب سيلي، النائب البريطاني عن حزب المحافظين، التعويل على النمذجة بـ"فضيحة وطنية"، قائلاً إنه "لم يحدث سابقاً أن ألحقت قلة من الناس ضرراً كبيراً بكثيرين بناءً على بيانات ضئيلة مشكوك فيها ويحتمل أن عيوباً تشوبها".
نائب رئيس "فريق التعافي من كورونا" اليميني، ستيف بيكر، قال بدوره، إن التوقعات التي قدمها البروفيسور نيل فيرغسون، أحد الأعضاء أيضاً في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، دفعت رئيس الوزراء، بوريس جونسون، "بصورة مخزية" إلى فرض الإغلاق في مطلع الجائحة.
وقال أحد الأعضاء في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، طلب بدافع من الخوف عدم الكشف عن اسمه، إن المنتقدين توقعوا أن تكون النماذج "ذات معرفة كاملة أو شاملة".
وأضاف، يُطلب منا عموماً وضع نماذج للنتائج في أوقات الأزمات، في وقت تسير الأمور على نحو سيئ (مثلاً ارتفاع سريع في الإصابات) مع وجود قدر كبير من عدم اليقين (مثلاً متحورة جديدة)، لذا ليس مستغرباً ألا تتسم توقعاتنا بالكمال.
"المقارنة التي اعتمدتها سابقاً أن الأمر أشبه بمطالبة المعلقين السياسيين أن يضعوا تنبؤات بنتائج الانتخابات المقبلة بناءً على الاتجاهات الحالية في وقت تشوبه أزمات سياسية. لن ننتظر من [التنبؤات] أن تكون دقيقة جراء كم الأحداث الواردة في المستقبل"، شرح العضو نفسه.
كذلك قال الخبير إن "أضراراً لحقت به وزملائه نتيجة بعض التعليقات غير المبررة حول واضعي النماذج"، موضحاً أنه كان متردداً في الانخراط علناً في هذا النقاش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أنه "على امتداد الجائحة، نجحتُ في البقاء بعيداً عن الأضواء نسبياً، ولم أعانِ تالياً جبال الإساءات التي تلقاها الآخرون".
ولكن آخرين، أمثال البروفيسور فيرغسون، لم يحالفهم الحظ، إذ أطلق عليه لقب "البروفيسور لوكداون" Professor Lockdown [بروفيسور إغلاق] بسبب نماذجه.
في بداية جائحة كورونا، زود فريق البروفيسور فيرغسون ["الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"] من "إمبريال كوليدج لندن" Imperial College London الحكومة البريطانية بنماذج وضعها لمجموعة من السيناريوهات حول الأحداث المحتملة في حال عدم فرض قيود لاحتواء الفيروس، وقد كشف أحد تلك النماذج عن أن ما يصل حتى 500 ألف شخص من سكان المملكة المتحدة ربما يفارقون الحياة بسبب عدوى "كوفيد-19".
في هذا الصدد، قال البروفيسور مايك تيلدسلي، أحد أعضاء "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" "إننا لم نشهد [أعداد الوفيات المحتملة المذكورة سابقاً] لأننا دخلنا في إغلاق. أعتقد أن وسائل الإعلام تفهم ذلك عموماً، شأن الناس. الأشخاص الذين لا يستسيغون الضوابط، أو لا تعجبهم النماذج، سيصوبون سهامهم على هذا الأمر بقصد الانتقاد المتعمد".
ومع ذلك، أضاف البروفيسور تيلدسلي أن هذه الحملات ضدهم تنطوي على خطر تلويث نظرة الناس إلى العلم والخبراء الذين يقدمون المشورة للحكومة.
كل الذين تحدثوا إلى "اندبندنت"، قالوا أيضاً إن النطاق الواسع من الشكوك المحيطة بالسيناريوهات التي صيغت استناداً إلى النماذج الخاصة بمتحورة "أوميكرون" قد تأثرت سلباً جراء النقص في البيانات.
الحال أن المتحورة الجديدة من كورونا هيمنت على الإصابات في أوائل ديسمبر الماضي، وكانت قليلة جداً المعلومات المتوفرة آنذاك عن مدى خطورتها وقدرتها على التملص من الاستجابة المناعية المتولدة في الجسم. ولم تتوضح تلك البيانات إلا بعد مرور أسابيع.
"عندما وصلت أوميكرون للمرة الأولى [إلى المملكة المتحدة]، لم نكن نعرف سوى القليل جداً عنها، لذا كانت مجموعة السيناريوهات فضفاضة جداً"، قال البروفيسور إدموندز، مضيفاً أن "أحد الأمور المهمة التي كنا نجهلها مدى خطورة [هذه السلالة]. لم تكن في متناولنا بيانات جيدة تشير إلى أن أوميكرون أقل خطورة فعلاً مقارنة مع نظيراتها إلا قبل مجيء عيد الميلاد بفترة وجيزة".
"تتقدم العملية العلمية ببطء وحذر، الوقوع في الخطأ، والتعلم والتكيف والتغيير، وما إلى ذلك. بصراحة شديدة، يثير الضحك أن نفترض أننا قد عرفنا كل خفايا أوميكرون في بداية ظهورها. وقد أظهرت سيناريوهاتنا الأولى ذلك كله"، يختم البروفيسور إدموندز.
© The Independent