لا تزال الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مصر تثير تساؤلات حول نتائجها، وهي التي اكتنفتها الضبابية في جوانب عدة منها، لا سيما بعد الرسائل والإشارات التي بعثت بها تصريحات مسؤولي البلدين، غير أن المتفق بشأنه يبقى ترقية العلاقات الثنائية إلى مستوى تطلعات الشعبين.
قراءات مختلفة... القمة العربية أولها
وفتحت "السرية" التي لازمت مجريات زيارة الرئيس تبون إلى القاهرة ولقاءه نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الأبواب أمام قراءات مختلفة خاض فيها كل طرف، بحسب مصالحه ومعلوماته، ووفق الظروف التي جاءت فيها، الأمر الذي جعل نتائجها غير واضحة، بخاصة في ما تعلق بالملفات الإقليمية والعربية التي كانت من أهم أسباب تنقل تبون إلى مصر.
ونالت القمة العربية المقررة في الجزائر، نصيباً وافراً من الزيارة، وهو ما كشف عنه تبون والسيسي بالقول إن المباحثات خلصت إلى توافق تام في الرؤى ووجهات النظر، وتأكيد ضرورة مواصلة التشاور وتوسيعه تمهيداً للقمة العربية المقبلة، والتي من شأنها "المساهمة بشكل كبير في ترتيب البيت العربي".
ويبدو أن الجزائر تريد إنجاح القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها، وما زيارة تبون إلا جزء من جهود التشاور مع الدول الكبرى في المنطقة وفي مقدمتها مصر، على اعتبار أن البلدين يمثلان رأس الحربة بالنسبة للدول العربية، ولديهما ثقل عربي وإقليمي، واتفاقهما على تفعيل آليات العمل العربي المشترك والحفاظ على الأمن القومي العربي سيساعد على مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه المنطقة.
وساطة بين الجزائر والمغرب
إلا أن انتقال الرئيس المصري إلى الإمارات، مباشرةً بعد اختتام زيارة نظيره الجزائري، زاد من الضبابية، حيث قرأت جهات أن هناك وساطة يتم التحضير لها تقودها القاهرة وأبو ظبي، للتخفيف من حدة التوتر بين الجزائر والمغرب. كما رأت جهات أخرى أن الجزائر طلبت مساهمة أبو ظبي في حلحلة بعض التوترات العربية - العربية من أجل إنجاح القمة العربية المقبلة، بخاصة أن السيسي عقد جلسة مباحثات ضمت إلى جانبه كلاً من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، والملك حمد بن عيسى، عاهل البحرين، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات.
ملفات أخرى
وكانت ملفات أخرى على طاولة المباحثات، على اعتبار أنها تهم البلدين، ولعل أهمها الملف الليبي الذي كان إلى وقت قريب نقطة اختلاف بين الطرفين، وهو ما تجلى في تصريحات المسؤولين الذين عبروا عن أن مصر والجزائر تقدمان الدعم اللا متناهي لليبيا حتى تمضي في مسارها السياسي وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن مع خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمسلحين الأجانب دون استثناء، بما يحقق وحدة ليبيا وسيادتها واستقرارها، في توافق نادر جزائري - مصري إزاء الأزمة الليبية.
كما تم بحث القضية الفلسطينية ومؤتمر المصالحة المقرر في الجزائر، بشكل واسع خلال مباحثات تبون – السيسي. وبحسب العارفين، فإن الجزائر قدمت تطمينات للطرف المصري بأنها لا تستهدف "خطف" الملف من بين أيدي المصريين الذي يرون أنهم الأولى والأجدر بالملف، وهو ما قد يجعل من مؤتمر الفصائل الفلسطينية بالجزائر يشهد "مفاجآت".
نجاحات كبيرة ثنائياً
ثنائياً، يظهر أن العلاقات الجزائرية - المصرية حققت نجاحات كبيرة بعد زيارة تبون، وهو ما أكده السيسي بالقول إن القمة "بنّاءة ومُثمرة"، تم خلالها الاتفاق على دفع أطر التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية ومكافحة الإرهاب، وتفعيل آليات العمل العربي المشترك والحفاظ على الأمن القومي العربي في ظل التحديات الخطيرة التي تواجه المنطقة.
ووضعت الزيارة حجر الأساس لتعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والجزائر، لا سيما أن الاستثمارات المصرية في الجزائر تتبوأ المرتبة الأولى بين الدول العربية بنحو 3.6 مليار دولار، مع وجود 26 شركة مصرية تعمل في الجزائر في قطاعات مختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دفعة قوية... توافق واختلاف
في السياق، رأى الكاتب المصري المتخصص في الشؤون العربية، الطيب الطاهر العزب، أن القمة "سمحت بإعطاء دفعة قوية من القيادة المصرية لتوفير البيئة والمقومات اللازمة لإنجاح القمة العربية التي ستستضيفها الجزائر"، موضحاً أن "تلك الدفعة لا تتعلق باستضافة الجزائر للقمة فهو أمر مفروغ منه، لكن في ما يتعلق بتوفير ما يتطلب لإنجاحها". وأضاف أن "هناك تفاهماً مصرياً - جزائرياً في الكثير من القضايا"، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة توافقاً حول موعد القمة العربية المقبلة الذي "أرجح أن يكون في أوائل يونيو (حزيران) المقبل".
وأوضح العزب أن "الجزائر ترغب في الوصول إلى قدر من التوافق بين الدول العربية في القضية الفلسطينية وإعادة الزخم لها كقضية مركزية في المنطقة بعد أن أرهقت صراعات الدول العربية الداخلية القضية وجعلتها تختفي عن الأضواء"، مشيراً إلى أن "ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية يشهد خلافاً كبيراً"، وأبرز أن "هناك توافقاً حدث بين مصر والجزائر في الملف الليبي بعد الدور المصري في سحب قوات الجيش الوطني الليبي من طرابلس، إضافة إلى دعم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
تطورات نوعية مرتقبة
من جانب آخر، رأى الأكاديمي الجزائري، أنور سكيو، أن "الزيارة سمحت للرئيسين الجزائري والمصري التأكيد بشكل واضح على الأهمية البالغة للنسخة المقبلة من القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر، والتي ستجري في ظروف نوعية، تتوجها نظرة الجزائر الحكيمة إلى لمّ الشمل العربي من جديد، وعودة سوريا العضو المؤسس إلى الجامعة، إضافة إلى دفع الملفين الليبي والفلسطيني وقضية الشعب الصحراوي"، مشيراً إلى "عمق الحضور الجزائري ببُعديه الأفريقي والعربي كهمزة وصل أساسية بين الدائرتين".
أما عن الموقف المصري الرسمي، فعبر سكيو عن اعتقاده بأن "الجانب المصري يعترف بالثقل الجزائري ودوره في ضمان الاستقرار الإقليمي، لا سيما في الشأن الليبي والمالي وقضية الصحراء الغربية، إضافة إلى الاستفادة من الدبلوماسية الجزائرية بخصوص موضوع الأمن المائي المصري، ناهيك بالمبادرة الجزائرية النوعية في إعطاء القضية الفلسطينية نفساً جديداً من خلال لمّ شمل الأفرقاء واحتضان حوار فلسطيني - فلسطيني". وأوضح أن "المشهد قد يحمل في الفترة المقبلة، تطورات نوعية من شأنها دفع الجامعة العربية التي عانت أخيراً نوعاً من السبات حيال قضايا وملفات عدة تهم المنطقة".