تحيط الشكوك حالياً بتقرير التحقيق المستقل الذي تقوده أعلى موظفة في مكتب رئاسة الحكومة البريطانية، سو غراي، بشأن انتهاك العاملين في مجلس الوزراء وإدارات حكومية لقرارات الحظر في فترات الإغلاق بسبب وباء كورونا وإقامة حفلات، بينما بقية الشعب البريطاني ممنوع من اللقاءات والاختلاط. وكان من المفترض أن تسلم نسخة التقرير إلى رئاسة الحكومة الآن، لكن تدخلاً من قبل الشرطة البريطانية لدى سو غراي طالب بعدم نشر تفاصيل تلك الانتهاكات بينما الشرطة تجري تحقيقاً في بعضها.
وسو غراي موظفة حكومية رفيعة غير معينة سياسياً، أي يفترض أنها لا تتأثر بالتوجهات الحزبية. وبعدما هدأت الأوضاع قليلاً في الأيام الماضية بانتظار الإعلان عن تقرير سو غراي، جاء طلب الشرطة من فريق التحقيق الحكومي إخفاء تفاصيل في التقرير ليلقي مزيداً من الشكوك حول موعد نشر التقرير، وإمكانية التلاعب بما توصل إليه من قبل الحكومة. ووصفت المعارضة السياسية في بريطانيا الوضع بأنه "سيرك"، وطالبت رئيس الوزراء بإنهاء هذه الفوضى ونشر الحقائق للشعب البريطاني.
التحقيق والشرطة
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قالت وزيرة الحكم المحلي في حكومة الظل لحزب العمال المعارض ليزا ناندي إن "السبب في حاجتنا لنشر تقرير سو غراي، هو أن رئيس الوزراء لم يكن صريحاً بشأن ما حدث في مقر الحكومة وعلاقته به. كان بالإمكان حل تلك المشكلة لو أنه لم يحتم بتحقيق موظفة عمومية أو الشرطة. لكن لأنه لن يكون صريحاً ولا صادقاً، فإننا بحاجة لنشر التقرير كاملاً. هناك كثير من الأسر المكلومة، وكثير ممن قدموا تضحيات كبيرة وهم بحاجة ليسمعوا الحقيقة من رئيس الوزراء. وإذا لم يضع حداً لهذا السيرك وتعطيل عمل الحكومة في وقت نواجه فيه مشكلات كبرى من ارتفاع تكاليف المعيشة وغيرها، فإننا بحاجة لنشر التقرير كاملاً حتى يتسنى للناس بعد ذلك الحكم بأنفسهم".
التدخلات وحجب التحقيق
جاء تدخل الشرطة نهاية الأسبوع لدى لجنة التحقيق بأن تخفي معلومات بشأن الأحداث التي تحقق فيها ليثير مخاوف من أن الحكومة تريد "حجب الحقائق عن الشعب" في عملية "تغطية" على الانتهاكات. ومما زاد من القلق أن الشرطة حين أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستحقق في بعض الاتهامات بخرق العاملين في مقر مجلس الوزراء لقوانين حظر التجمع أكدت للصحافيين أن نشر تقرير الموظفة العمومية سو غراي لا يشكل أي تعارض مع تحقيق الشرطة، ولا يعيق سير التحقيقات الجنائية.
وتغير موقف الشرطة في نهاية الأسبوع بحجة أن نشر بعض التفاصيل في تقرير سو غراي قد يعرقل تحقيقات الشرطة. لكن وسائل الإعلام البريطانية سألت عديداً من القانونيين على مدى اليومين الماضيين بشأن تلك الحجة، فأجمعوا تقريباً على أنه لا تعارض بين نشر التفاصيل وتحقيقات الشرطة. ذلك لأن تحقيقات الشرطة لن تؤدي إلى محاكمة أو جلسات أمام هيئة محلفين، بالتالي ليس هناك أي عرقلة لسير العدالة في نشر التفاصيل التي توصلت إليها سو غراي. وأن تحقيقات الشرطة لن تسفر سوى عن إصدار مذكرات بغرامات محددة على المخالفين لقوانين الحظر في حال ثبوت انتهاكها.
كانت الشرطة البريطانية ترددت من قبل في إجراء أي تحقيقات في الاتهامات للعاملين في مقر الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت، لكن لجنة سو غراي أرسلت للشرطة ما توصلت إليه من معلومات جعلت الشرطة تفتح تحقيقاً في نحو 8 حفلات من 17 حفلة انتهكت الحظر شملها تحقيق سو غراي.
ونقلت صحيفة "ميل أو صنداي" عن الضابط الكبير السابق في الشرطة البريطانية داي ديفيس الذي كان يرأس وحدة الحماية الملكية وصفه لتدخل الشرطة في تحقيق سو غراي بأنه حول الموضوع برمته إلى "مستنقع قانوني". وحسب ديفيس "يمكن الآن لكل من أدلى بشهادته لفريق تحقيق سو غراي أن يسحب تلك الشهادة بحجة أنه لم يكن يعلم حين أدلى بها أنها يمكن أن تستخدم ضده في تحقيق جنائي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نددت المعارضة من كافة الأطياف في بريطانيا، غير حزب المحافظين الحاكم، بتدخل الشرطة وإخفاء تفاصيل تقرير سو غراي. وطالب زعيم نواب الحزب الوطني الاسكتلندي في مجلس العموم (البرلمان) البريطاني إيان بلاكفورد "أن ينشر التقرير كاملاً ومن دون أي تدخل أو تعديل فيه، ومن دون أي تأخير.. الناس بالفعل قلقون من أن ما يجري بدا وأنه عملية تغطية على الحقائق".
وفي مقابلة مع شبكة سكاي نيوز، قال زعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين السير إد دايفي، أن التأخير في نشر التقرير هو "فوضى مطلقة يجب وقفها فوراً". وأضاف أنه منزعج تماماً من الاحتمال المتزايد بتواطؤ "بين الحكومة وقيادة الشرطة".
أما المتحدثة باسم مجموعة "الأسر المكلومة المطالبة بالعدالة" فران هول، التي توفي زوجها ضابط الشرطة نتيجة إصابته بفيروس كورونا، فوصفت ما يجري حول تقرير سو غراي بأنه "تحول إلى سيرك ومهزلة".
وأضافت هول، "المثير للأسى، يبدو هنا أن الشرطة خانت ثقة الجماهير برفضها في البداية التحقيق في الانتهاك الصارخ للقانون، وتطالب الآن أي بتحقيق آخر بإخفاء أخطر التجاوزات للقانون التي حدثت في "داونينغ ستريت" .. هذا أمر مؤلم جداً. وقالت لقد كان زوجي ملتزماً تماماً بالقانون وتحقيق العدالة، وهذا أمر كان سيغضبه بشدة".
هدوء الحكومة
تنفي الحكومة أي تدخل لدى الشرطة بشأن تحقيقاتها أو تحقيقات سو غراي. كما حاولت الشرطة توضيح أنها لم تطلب من سو غراي تأجيل تقريرها وإنما مراعاة تحقيقات الشرطة في ما يتضمنه التقرير من تفاصيل. ويخشى البريطانيون من أن وصول التقرير إلى رئيس الوزراء في غضون أيام، مع ما أعلن عنه من إخفاء لحقائق فيه سيوفر فرصة لرئيس الوزراء بوريس جونسون ليعلن للشعب ما يريده بشكل انتقائي ويرفع عنه ضغوط أعضاء حزبه الحاكم المطالبين باستقالته، وليس الحقيقة كاملة.
ويبدو الوضع في مقر الحكومة البريطانية أكثر هدوءاً الآن مما كان عليه قبل أيام، مع شعور بأن رئيس الوزراء ربما "أفلت" من عاصفة الانتهاكات في حفلات الحكومة خلال فترات الحظر بسبب كورونا. وتنقل وسائل الإعلام البريطانية عن مصادرها في مقر الحكومة أن جونسون يستعد لإجراء تغييرات واسعة في دوانينغ ستريت بعد هذه العاصفة.
انعكس ذلك أيضاً في استطلاعات الرأي حول توجه الناخبين البريطانيين الذي قلص الفارق بين حزب المحافظين وحزب العمال عما كان عليه قبل أسبوعين. وحسب أحدث استطلاع أجرته شركة الأبحاث "أوبينيوم"، تقلص تقدم حزب العمال على حزب المحافظين من فارق بنحو 10 نقاط قبل أسبوعين إلى فارق بنسبة 5 في المئة حالياً. وأظهرت نتائج الاستطلاع تأييد حزب العمال المعارض عند 39 في المئة، بتراجع نقطتين مئويتين عما كان عليه قبل أسبوعين. بينما حظي حزب المحافظين الحاكم بتأييد 34 في المئة من الناخبين المستطلعة آراؤهم، بزيادة 3 نقاط مئوية عما كان عليه قبل أسبوعين. ولم تتغير نسبة تأييد حزب الليبراليين الديمقراطين عن 9 في المئة.
لكن نسبة قبول البريطانيين برئيس الوزراء جونسون وإدارته للحكومة بشكل عام ظلت بنسبة سلبية، وإن تحسنت قليلاً عما كانت عليه قبل أسبوعين. فما زالت نسبة القبول بجونسون عند نسبة سالب 37- في المئة، وإن كانت أفضل من قبل أسبوعين حين كانت سالب 42- في المئة. أما نسبة قبول زعيم حزب العمال المعارض السير كيير ستارمر فانخفضت 4 نقاط مئوية لتصبح عند الصفر.