ارتفع عدد الشبان اللبنانيين الذين سقطوا خلال شهر جراء الضربات العسكرية التي تشنها القوات العراقية ضد تنظيم "داعش" إلى ثمانية. فقد أعلنت خلية الإعلام الأمني في العراق عن استهداف الطائرات تجمعاً للمقاتلين، ومقتل 9 من بينهم ثلاثة لبنانيين في منطقة العظيم في محافظة ديالى. وتشير المعلومات الميدانية في لبنان إلى سقوط 6 شبان خلال الـ 48 ساعة الماضية، يقطن 5 منهم ضاحية وادي النحلة في شمال طرابلس، وشاب من منطقة القبة. وفي وقت سابق من يناير (كانون الثاني) الحالي، أعلن عن وفاة شابين اثنين (ز. ع، و أ. ك).
زادت أخبار مقتل هؤلاء مخاوف أهالي العشرات من الشبان الذين اختفوا فجأة عن أنظار أهاليهم، في مراحل متلاحقة، بدءاً من نهاية أغسطس (آب) 2021، تاريخ اغتيال "ز. م" وهو عنصر سابق في الاستخبارات، إذ تفيد المعلومات الميدانية عن "هرب الشبان الذين تربطهم صداقة بالقاتل، وتوجه البعض منهم نحو العراق خوفاً من الاعتقال والسجن تعسفاً"، بحسب رواية أحد الأهالي.
مغادرة مجموعة الخمسة وادي النحلة
منذ حوالى الشهر والنصف، اختفى الشاب "ب. س" (28 سنة) منطقة وادي النحلة إلى جهة مجهولة، وهو سجين سابق بسبب أحداث أمنية ضمن ملف عرسال. وبعد حوالى أسبوعين، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2021، توارى عن الأنظار 4 شبان آخرون، اثنان من عشيرة آل سيف هما "أ. ج. س" (22 سنة)، و"ع. س" (24 سنة)، ورفيقان لهما هما الشقيقان "ع، وي" من عائلة شخيدم العكارية، يقطنان المنطقة منذ زمن بعيد. وبعد مرور 48 ساعة، تلقت أسر الشبان اتصالات من أرقام غريبة، وأبلغ خلالها الشبان ذويهم أنهم "وصلوا إلى حيث يُريدون"، أي إلى العراق. وكانت لهذه الأخبار وقع الصدمة على الأهالي وعموم أبناء العشيرة التي "تنتمي إلى الفكر الوسطي المعتدل وتعاليم الدين الحنيف"، كما يؤكد محمد سيف (تربطه صلة قرابة بالشبان).
وتضاعفت الصدمة على الأهالي عندما تلقت إحدى الأمهات رسالة عبر الهاتف تبلغها بأن "حبيبك مات، وأننا عثرنا على هاتفه في جيبه بعد مقتله"، وذلك في ليل 27 يناير. ولاحقاً، تلقت أسر الشبان تسجيلاً صوتياً من صوت نسائي ممنتج، ينعى الشبان، أي قبل نشر القوى الأمنية العراقية خبر استهداف المجموعة التي تضم لبنانيين.
ويؤكد محمد سيف أن "الأهالي أبلغوا القوى الأمنية فور اختفاء أبنائهم". ويشير إلى أن "الشبان الخمسة تربطهم علاقة صداقة، إلا أنها لم تظهر عليهم أي إشارات تديُّن مفاجئ أو كلام تكفيري". لذلك، فهو يعتقد أن هؤلاء "ضحايا مؤامرة خبيثة للإطاحة بشباننا والتغرير بهم لأخذهم إلى العراق، ليقتل المسلم أخاه المسلم".
سقوط المجموعة هذه ليس الحدث الأول من نوعه، فقد سبق أن سقط شابان في الأنبار بالعراق في مواجهات مع القوات العراقية. ففي 7 ديسمبر سقط الشابان "ز.ع"، الذي كان يعمل إسكافياً لإعالة زوجته وطفله المريض، وكان ينوي الهجرة إلى السويد، والشاب "أ. ك" الذي كان يبيع الآيس كريم، وهما سجينان سابقان في أحداث طرابلس. وينتظر ذوو الشبان إعادة جثامين أبنائهم الذين ظهروا في شريط فيديو عبر "فيسبوك"، إذ ظهرت الجثث على مقدمة إحدى العربات العسكرية بعد مقتلهما. وهذا المطلب يتكرر لدى عائلة سيف التي تطالب تزويدها بصور لأبنائها القتلى، وكذلك استعادة جثثهم للتحقق من مقتلهم. وفتحت عائلة سيف بيوتها لاستقبال المعزين لأن ذلك جزء من التقاليد العشائرية في حالة الوفاة "وتعتبر أبناءها ضحايا بسبب مجرم جرهم إلى مكان ليس لهم، ولو كنا على علم بذلك كنا منعناهم بكامل طاقتنا"، بحسب محمد سيف الذي يضيف أن "هؤلاء الشبان قدموا على طبق من ذهب في معركة ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، وليس لنا مصلحة في الفتنة الإسلامية. ولا يمكن وصم فئة واسعة من الناس بالإرهاب والتطرف إذا خرج منها أفراد عن الإجماع المعتدل الذي يتمسك بالأخوة مع أشقائه العرب".
ظروف اجتماعية ضيقة
ولا تخفى المفاجأة في أوساط المحيطين، وصعوبة توقع ما يدور في عقول الشبان اليافعين، إذ يصفهم الأقرباء بأنهم "أناس عاديون ليس لديهم أي سلوكيات متطرفة". ويتحدث محمد سيف عن "حالة اجتماعية واقتصادية سيئة يعاني منها اللبنانيون كافة، ومن الطبيعي أن هؤلاء الذين ينتمون إلى بيئة أقل من الوسط أن تزداد معاناتهم". وهؤلاء الشبان لا يمتلكون مؤهلات علمية عالية و"أكثرهم لم يصل في التحصيل العلمي إلى المرحلة الثانوية"، وهم "لا يملكون عملاً أووظائف ثابتة، وينتظرون فرصة من هنا وهناك لتأمين الدخل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت محمد سيف إلى أن "اثنين من شباب آل سيف يتيما الأب، وأحدهما والده عالم جليل توفي منذ 4 سنوات، وهو مشهور في فكره الإسلامي المعتدل، ولا يحمل أي من أبناء العائلة الفكر المتشدد". ويقول "لم يظهر على الشبان أي تغييرات، أحدهم كان يستعد للزواج واختفوا قبل الزفاف بأيام قليلة، وقد تلقى اتصالاً غريباً دفعه إلى الهرب. والشاب الآخر كان مرتبطاً ويستعد للزواج، وكانت لديهم علامات طيش الشباب".
يسأل محمد سيف عن الدور الذي لعبته دار الفتوى لتوعية الشباب إلى خطورة الفكر المتطرف، وتجنيب الشباب "الجرثومة التي تصيب دماغ الشباب وتفسده، وتدفع الشباب إلى هجر أهاليهم وأمهاتهم من دون سابق إنذار". وفي هذا السياق، يتطرق إلى أن "أحد الشبان هو معيل والدته التي بقيت وحيدة، فهذا الشاب وفق المنطق السليم إنما يكون جهاده في رعاية أمه". ويطالب السلطات اللبنانية باكتشاف من يغرر بالشباب والمحرض والمهرب، الذي أسهم في وصولهم إلى العراق خلال 24 ساعة و"كأننا أمام بساط الريح".
من جهته ينتقد المحامي محمد صبلوح تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الملف، سائلاً "هل يُعقل أنه من ثلاثة أشهر، لم تستطع الدولة اللبنانية تتبع بيانات الاتصالات وكشف المتورطين في تجنيد الشبان وتهريبهم؟". ويكشف أن أحد الأجهزة أوقف شخصين منذ حوالى الأسبوع. ويسأل "هل كل ما حصل من أحداث هو من مسؤولية اثنين فقط؟". ويقول إن "الدولة لم تلتق الأهالي للحصول على معلومات، ولم تتواصل مع الجانب العراقي، ولم يصدر بيان رسمي عن هذا الملف". ويتحدث عن "اتصالات مشبوهة دفعت البعض إلى الهرب"، مفصّلاً أن "(ع. س) تلقى اتصالاً قبل أسبوعين من زفافه، طالباً منه الهرب وأن هناك ملفاً قضائياً أمنياً في حقه". ويتخوف صبلوح من "مؤامرة تحاك ضد البلاد، ويفترض بالأجهزة الأمنية التحرك لكشف الغرف السوداء أمام الرأي العام، وإلا فهي ستكون مقصرة ومشاركة فيها".
الوعي يزداد
خلال الفترة الماضية، تمكنت الاستخبارات من توقيف مجموعة من القاصرين أثناء محاولتهم الهرب. وقامت القوى الأمنية بمبادرة هي الأولى من نوعها، إذ قامت بتسليمهم إلى دار الإفتاء وتنظيم جلسة توعية بحضور الأهل والعلماء. ويؤكد مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام أن الجلسة خُصصت لـ 5 شباب صغار كان لديهم ميل إلى الفرار، واكتشف عناصر أنهم "بسطاء"، فحصل التواصل مع الأهالي لعقد لقاء "لتوضيح الأفكار المشوهة التي تتسرب إلى عقول الشبان من خلال الإنترنت".
ويتحدث إمام عن "متابعة لهذا الملف ونشر الوعي"، وعلى المستوى العام تعمل مع أئمة المساجد والأهالي في الأحياء لتوضيح الأمور والشبهات، مشيراً إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تطرح هذه المسألة على الساحة اللبنانية والطرابلسية"، و"ربما هناك شيء من التضخيم في الموضوع، لأن الوعي في ازدياد بين الناس نتيجة التجارب السابقة، كما أن محدودية الأعداد وعدم تقبل الناس هذه الأفكار، بما يشي بعدم وجود حاضنة أو ثقافة عامة".
ويلفت المفتي إمام إلى وجوب أخذ مجموعة من الأسر في الاعتبار عند مناقشة هذه القضية، وتحديداً الفقر، وحالة اليأس، وليس الميل الفكري والعقائدي فحسب، و"يجب ألا ننسى أن هناك آخرين يرمون بأنفسهم في البحر ليهاجروا بصورة غير شرعية بسبب الوضع العام".