بينما هناك حرب تجارية مشتعلة بين الولايات المتحدة والصين، تتكشف جبهة أخرى للتوترات بين البلدين من ناحية الجنوب الصيني، أكثر حساسية وخطورة من تلك المتعلقة بالتجارة. إذ اعتادت واشنطن التلويح بورقة "تايوان"، كلّما تصاعد الخلاف بينها وبكين.
وخلال الأسبوع الماضي أعادت الإدارة الأميركية ذلك في حدثين، الأول لقاء ديفيد لي، قائد الأمن القومي التايواني، مع جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، في أول اجتماع منذ أكثر من أربعة عقود بين مسؤولين أمنيين أميركيين وتايوانيين رفيعي المستوى، والثاني مرور سفن حربية أميركية عبر مضيق تايوان.
التحركات الأميركية أثارت غضب بكين، التي سارعت، في البداية، إلى وصف ذلك بأنه "محاولة فاشلة لاستخدام تايوان لاحتواء الصين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تحدّث وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه، عن الأمر بشكل أكثر صرامة، ويحمل تحذيرات لواشنطن قائلاً إنها "ستكون كارثة بالنسبة إلى العالم"، داعياً الولايات المتحدة إلى "عدم التدخل في النزاعات الأمنية بشأن الجزيرة وبحر الصين الجنوبي".
الصراع التاريخي بشأن "تايوان" ربما يكون القضية الأكثر حساسية لبكين، التي تصرّ على أن الجزيرة الواقعة في الجنوب الغربي قبالة سواحلها جزء من الدولة الصينية، ولا بد من إعادتها إلى سيادتها.
تايوان، التي يقطنها ثلاثة وعشرون مليون نسمة، وتحكمها حكومة منتخبة ديموقراطياً، استقلت عن الصين منذ عام 1949، لكن تنظر جمهورية الصين الشعبية إلى الجزيرة كمقاطعة.
تاريخ الصراع حول تايوان
ضُمت الجزيرة إلى سيادة الصين في عهد أسرة تشينغ في أواخر القرن السادس عشر، ثم تنازلت عنها الإمبراطورية في وقت لاحق إلى اليابان في عام 1895 وفقاً لمعاهدة شيمونوسيكي، التي أُبرمت في أعقاب الحرب الصينية اليابانية الأولى، إذ كانت تعرف وقتها باسم "فورموز". وظلت اليابان تحكمها كمستعمرة حتى عام 1945، عندما طُلب من القوات اليابانية في الجزيرة الاستسلام للقوات الصينية (قوات الكومينتاغ التابعة لجمهورية الصين الشعبية) بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. لكن مع اندلاع الحرب الأهلية والاشتباكات المسلحة بين الحكومة الصينية (حزب الكومينتاغ) والميليشيات العسكرية الشيوعية، هربت الحكومة الصينية إلى تايوان، لكن الرئيس "تشيانغ كاي تشك" أصر على أن حكومته واصلت تمثيل جميع الشعب الصيني في الجزيرة والبرّ الرئيسي.
وأكدت واشنطن ومعظم القوى الغربية موقف حزب الكومينتانغ من خلال رفضها، فترة طويلة، الاعتراف بالحكومة الشيوعية في بكين، وهو الموقف، الذي تراجعت عنه معظم الدول فيما بعد.
وحسب مركز العلاقات الخارجية الأميركي، فإن موقف واشنطن من الصين الشيوعية بدأ في التحوّل تحت إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، إذ أسفرت دبلوماسية القنوات الخلفية عن اعتراف واشنطن الرسمي بجمهورية الصين الشعبية في عام 1979، ونقلت عضوية مجلس الأمن من تايوان إلى الصين عام 1971، باعتبار الصين الموحدة هي الكيان السياسي، الذي كان يسيطر على الجزيرة والأراضي الرئيسية قبل الحرب الأهلية.
ظل حزب الكومينتانغ يحكم الجزيرة حتى عام 1987 بالأحكام العرفية للبقاء عليها مستقلة عن الصين، ومنع انفلات الأمر منه، وفي عام 1992 شهدت تايوان أول انتخابات تشريعية حرة، ثم انتخابات رئاسية في عام 1996. كان قد تم تأسيس الحزب الديموقراطي التقدمي، في عام 1986، كمنافس رئيسي لحزب الكومينتانغ، وأصبح قانونياً في عام 1989 بعد إلغاء الحظر المفروض على أحزاب المعارضة. وقد دعا الحزب الديموقراطي التقدمي إلى تايوان مستقلة قانونا ككيان سياسي منفصل عن الصين، وأصبح منفذاً للتعبير عن الهوية التايوانية. وبين عامي 2000-2008 أصبح تشن شوي أول سياسي لا ينتمي إلى حزب الكومينتانغ، يرأس البلاد.
الصين ترفض التخلي عن استخدام القوة
ترفض الصين التخلي عن استخدام القوة لحل النزاع حول وضع الجزيرة، وهو ما أكده وزير دفاعها في كلمته أمام منتدى "شانغريلا"، الأمني في سنغافورة، وهو أول وزير دفاع صيني يتحدث في المنتدى منذ عام 2011، إذ قال إن الصين "ستقاتل حتى النهاية"، إذا حاول أحد التدخل في علاقتها مع "تايبيه" (عاصمة تايوان)، التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها، سيتم استرداده بالقوة إذا لزم الأمر، وأضاف وي الذي كان يرتدي زيه العسكري كجنرال في جيش التحرير الشعبي الصيني "لن تنجح محاولات تقسيم الصين. أي تدخل في مسألة تايوان محكوم عليه بالفشل".
لكن باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي، رد عليه في منتدى شانغريلا نفسه بأن "الولايات المتحدة لن تتحاشى بعد الآن سلوك الصين في آسيا".
وخلال السنوات السابقة، نشرت الصين، كجزء من توسعها العسكري المستمر، صواريخ على طول مضيق تايوان، وتجري تدريبات عسكرية بشكل دوري بالقرب من الجزيرة، وأرسلت طائرات مقاتلة وحاملة طائراتها فوق المضيق، وحوله في استعراض للقوة.
ويقول تقرير لوزارة الدفاع الأميركية لعام 2017 "يواصل (جيش التحرير الشعبي) تطوير ونشر القدرات العسكرية، التي تهدف إلى إجبار "تايبيه" على الاستسلام أو محاولة الغزو، إذا لزم الأمر".
وعلى الرغم من أن بكين تواصل السعي لإحراز تقدم مع "تايبيه" من خلال مناقشة القضايا الاقتصادية والتبادلات بين الأفراد على مستوى عالٍ، إذ ازدهرت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين في السنوات الأخيرة، لكنها رفضت التخلي عن استخدام القوة لحل النزاع حول وضع الجزيرة.
وشمل ذلك إدخال جمهورية الصين الشعبية قانون مناهضة الانفصال لعام 2005، الذي يهدف إلى تعزيز نهج بكين في "إعادة التوحيد الوطني السلمي"، الذي ينص على أنه في حالة سعي القوى الانفصالية إلى الاستقلال، فإن بكين "تستخدم وسائل غير سلمية" لحماية سيادتها الوطنية.
ورداً على ذلك، تواصل تايوان شراء الأسلحة، في المقام الأول من الولايات المتحدة، إذ يعتمد أمنها الاستراتيجي على الضمانات، التي تقدمها واشنطن بموجب قانون العلاقات، ففي يونيو (حزيران) 2017، أعلنت الولايات المتحدة بيع أسلحة بقيمة 1.4 مليار دولار إلى تايوان. وبين عامي 1979 و2017، احتلت "تايبيه" المرتبة التاسعة كأكبر متلق للأسلحة على مستوى العالم. وخلال الفترة نفسها، زوّدت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة أرباع مشتريات تايوان من الأسلحة، وفقاً لقاعدة بيانات نقل الأسلحة بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.
التوتر في بحر الصين الجنوبي
التوتر بين واشنطن وبكين لا يتعلق فقط بتايوان، لكن بالسيادة على بحر الصين الجنوبي، الذي تتنازع بكين مع جيرانها (تايوان وماليزيا وفيتنام والفلبين وبروناي) حوله. من آن إلى آخر ترسل واشنطن سفن حربية للمرور من المنطقة تحت مسمى حرية الملاحة، وهو ما يثير غضب بكين، التي عززت نفوذها على أجزاء من البحر، وقال وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، إن "دولا من خارج المنطقة تأتي إلى بحر الصين الجنوبي لاستعراض عضلاتها باسم حرية الملاحة".
وفي مذكرة لمركز العمل الوقائي صدرت فبراير (شباط) الماضي، حذّر مايكل تشيس، كبير الخبراء السياسيين لدى مؤسسة راند لأبحاث الأمن، من أن "السياسات الداخلية في الصين جنبا إلى جنب مع الاتجاهات السياسية الحالية في "تايبيه" والتوجه الأميركي نحو مزيد من الدعم لها، تسهم في زيادة خطر الصراع".
وأشار إلى أن للولايات المتحدة مصالح في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، والالتزامات طويلة الأمد لأمن "تايبيه"، وغيرها من الأهداف في إطار علاقتها مع الصين، وبشكل رئيسي الفوز في حرب تجارية، وتحدي ادعاءات بكين القوية في بحر الصين الجنوبي، ومنع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في الصين. لذلك يجب على الولايات المتحدة حماية مصالحها من خلال تنفيذ استراتيجية دبلوماسية دقيقة تتجنب حدوث أزمة عبر المضيق.
وبالفعل يتوقع دوغلاس إتش بال، الذي عمل ممثلاً غير رسمي لواشنطن في "تايبيه"، كمدير للمعهد الأميركي في تايوان، أن تمتد احتمالية المواجهات بين الولايات المتحدة والصين إلى ما وراء "تايبيه"، من بحر الصين الجنوبي والمطالبات الإقليمية الصينية الأخرى، إلى مهام الاستطلاع على طول ساحل الصين، وغيرها من المناطق. ويقول في مقال لمؤسسة كارنيغي للأبحاث إنه "على الرغم من أن البلدين ليسا في حرب باردة جديدة، لكن هناك بالتأكيد عقلية الحرب الباردة التي قد تقلل من قدرة كلا الجانبين على إدارة الأزمات بفعالية".