تعكس جهود الوساطة التي يبذلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين روسيا وأوكرانيا، والتي لم تجد كثيراً من الاستجابة، مخاوف أنقرة في شأن تصعيد محتمل. والواقع أن اقتراح أردوغان مقامرة، ولذلك فإن تركيا من بين الدول الأكثر تأثراً في الصراع الحاصل بين أوكرانيا وروسيا.
وعندما نفكر في العملية من منظور ثاقب، يمكننا أن نرى هذا الاقتراح على أنه محاولة للظهور في الساحة أو لعب دور ما.
ومع ذلك، فإن عملية الصراع، التي ربما تضع تركيا في موقف حرج لا تحسد عليه، تلحظ تصعيداً.
مناورة عسكرية
وقالت وزارة الخارجية الروسية أخيراً: "روسيا لا تريد الحرب، وإذا كانت الحرب تعتمد على موقف روسيا، فلن تكون هناك حرب. لن تكون هناك حرب مع أوكرانيا، لكننا لن نسمح بتجاهل مصالحنا". ومع ذلك، فإن الخطوات التي اتخذتها موسكو هي أقرب إلى تأهب لهجوم محتمل.
فقبل أسبوع، أطلقت روسيا في البحر الأسود مناورة عسكرية ضخمة بمشاركة 10 آلاف جندي، وأكثر من 60 طائرة، وأكثر من 140 سفينة، من بينها 20 سفينة حربية كبيرة. ولا تزال الشحنات العسكرية متوجهة إلى الحدود على قدم وساق.
من ناحية أخرى، تواصل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وتركيا تقديم المعدات العسكرية كمساعدات لأوكرانيا بموجب قواعد الاشتباك الخاصة بحلف شمال الأطلسي.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت أنقرة في الفترة الأخيرة بازعاج روسيا بشكل وصف بـ"الخطير"، ليس فقط بسبب التضامن الكبير الذي أبدته مع أوكرانيا من خلال مد يد العون لها، ولكن أيضاً بسبب دعمها لاستراتيجية الناتو لزيادة وجودها في البحر الأسود، على الرغم من أن ذلك سيؤدي إلى مناقشة اتفاقية مونترو، التي لا تريد تركيا مناقشتها.
وكل هذه الخطوات التي اتخذتها أنقرة تساعدنا على فهم الفكرة التي تقول إن عرضها للوساطة عبارة عن مجرد مقامرة أثناء الحرب، خصوصاً في الوقت الذي تتوقع فيه واشنطن أن تقف أنقرة بحزم في مواجهة موسكو.
الوجود الروسي "احتلال"
وعلى الرغم من أن أردوغان من خلال اقتراحه للوساطة، يحاول الحد من غضب فلاديمير بوتين عبر دفع تركيا إلى موقف محايد، فإنه يبدو من المستحيل أن يفلت من الآثار السلبية لذلك على البلاد.
ولأن موقف أردوغان، الذي يقترح حل القضية الأوكرانية على أساس "وحدة أراضيها"، ويعتبر الوجود الروسي في شبه جزيرة القرم "احتلالاً"، لم يقلل فرصة نجاح الوساطة لحدود الصفر فحسب، بل وجه ضربة أخرى لثقة بوتين الضئيلة بأردوغان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالإضافة إلى ذلك، فإن أنقرة ليست في موقع الوسيط الذي تنتظره موسكو بفارغ الصبر، لا سيما أن موسكو تمكنت من تحويل التوتر الأوكراني إلى ورقة مساومة في وجه الولايات المتحدة لوقف توسع حلف الناتو.
واعترف وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو بهذه الحقيقة عندما قال: إن "الحوار بين الناتو وروسيا والولايات المتحدة سيكون حاسماً في هذا الصدد".
وعلى الرغم من حاجة الرئيس أردوغان إلى تهدئة الوضع، فإن استخدام الطائرات التركية من دون طيار (SIHA) في هجمات عدة في دونباس، هو وضع لا يمكن تفسيره بالنسبة لروسيا.
صحيح أن وزير الدفاع خلوصي أكار صرح في مقابلة صحافية بأن "استيراد أوكرانيا لهذه الطائرات واستخدامها مسألة تخص أوكرانيا، وليس من الممكن إلقاء اللائمة على تركيا بسبب تصديرها هذه الطائرات، وأن زيادة القدرة الدفاعية لأوكرانيا تأتي في إطار أحد بنود خطة الشراكة الفردية للناتو، وأن تركيا باعتبارها عضواً في الحلف تسهم في ذلك ضمن العلاقات مع الحلف"، إلا أنه على الرغم من هذه التصريحات، فهو يعلم أن هذا سيكلف أنقرة ثمناً.
تجنب المواجهة
وقد انعكس هذا الوضع على مواقف أردوغان وتصريحاته بحيث إنه اشترى أنظمة "إس-400" الروسية، التي لم يستطع استخدامها. وهو الآن يحاول، من ناحية أخرى، الظهور مع التحالف الأميركي - البريطاني. وفي تصريح آخر، يُبدي تفهمه لمواقف الدول التي تختار توخي الحذر، مثل ألمانيا والنمسا.
وعلى أية حال، فإن الاستراتيجية الأكثر منطقية لأنقرة هي تجنب المواجهة مع روسيا، إذ إن هناك نقاطاً مهمة يتوجب على تركيا أخذها بعين الاعتبار، على رأسها الحفاظ على الاستقرار في المضايق والبحر الأسود، ووجود استثمارات ذات أهمية استراتيجية مثل مشروع محطة أكويو للطاقة النووية الأول من نوعه في تركيا، والذي تنفذه روسيا، وكذلك مستقبل تأمين الإمداد في خط أنابيب الغاز الطبيعي في التيار الأزرق و"تورك ستريم"، بالإضافة إلى عديد من القضايا التي يجب على أنقرة مراعاتها، مثل قطاع السياحة، الذي يعتمد بشكل كبير على السياح الروس والأوكرانيين، كما ينبغي مراعاة الدخل الكبير الذي يأتي من خلال تصدير الفواكه والخضراوات، وقطاع البناء الذي يحظى بمساحة تجارية كبيرة في روسيا.
هناك قضية أخرى تلفت الانتباه في أزمة أوكرانيا، وهي أن مثل هذه الحرب، بطبيعة الحال، تهم الاتحاد الأوروبي في المقام الأول، لكن الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وتركيا هي الأعضاء الثلاثة الأكثر نشاطاً في الناتو في هذه الأزمة، وكل هذه الدول ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
نتيجة لذلك، أتساءل: ما الثمن الذي ستدفعه تركيا هنا؟