قبل أقل من شهرين ونصف الشهر سجل المخرج المصري الراحل جلال الشرقاوي على حسابه في "فيسبوك" عدة تدوينات مطولة عن ذكرياته مع الفنانة سهير البابلي، إحدى أبرز الممثلات المصريات التي فارقت الحياة في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقتها، حمل الشرقاوي على عاتقه أن يسرد عدداً من المواقف اللافتة معها وكيف كانت تتحامل على نفسها وتظهر للجمهور مباشرة على المسرح، حتى إنها سقطت مرة من شدة الإعياء، وأصر الأطباء على أن تمكث تحت الملاحظة لمدة أسبوعين على الأقل، ولكنها كانت تقاوم لشدة ارتباطها بعملها.
ترك الشرقاوي تلك الذكرى ثابتة إلى الأبد على صفحته الشخصية لتكون آخر ما كتبه للجمهور، حيث فارق الحياة عن عمر 87 عاماً بعد مضاعفات فيروس كورونا، فقد تأثرت رئتاه بشدة، بحسب ما أكدت ابنته الفنانة المعتزلة عبير، التي كانت أول من أعلن إصابته بالفيروس قبل نحو 10 أيام. الأستاذ الذي تخرج على يديه الكثيرون، وعمل معه نجوم من جميع الأجيال، لن يتمكن أحد من حصر ذكرياته وبصماته التي لا تُنسى في عالم الفن.
شهادات رفيعة ومواهب متعددة
رحل جلال الشرقاوي بعد ساعات قليلة من وفاة نجمة مسرحية كبيرة أخرى هي الفنانة عايدة عبد العزيز التي تعد من علامات التمثيل في مصر، ولها أيادٍ بيضاء على مواهب كثيرة تتألق حالياً، أما جلال الشرقاوي فهو المخرج المسرحي، والممثل، والمخرج السينمائي، والمنتج، والمؤلف، والمعلم بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وصاحب الكتب القيمة، والحاصل على خمس شهادات رفيعة من جامعات ومعاهد عليا بين مصر وفرنسا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يُعد أحد كبار رواد المسرح المصري، وكان من الطبيعي أن يرد عدد ممن تعلموا على يديه لسيرته بعض الجميل عن طريق حكايات الامتنان والعرفان، بينهم الفنان محمد صبحي، ونشوى مصطفى، وفيفي عبده، وسلوى محمد علي، وغيرهم كُثر ممن حرصوا على وداع النجم الراحل الذي يشيع جثمانه من مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين المصرية، فيما قضى أيامه الأخيرة في غرفة العناية الفائقة، بعد أن تمكن منه فيروس كورونا، وكانت تتوالى الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل محبيه الذين كانوا يتمنون نجاته، خصوصاً بعد أن أكدت ابنته عبير أنه كان في حالة نفسية سيئة بسبب عزلته عن محبيه.
نجم المسرح السياسي
الفنان جلال الشرقاوي ولد في 14 يونيو (حزيران) عام 1934، وحصل على درجات علمية في العلوم والسينما وعلم النفس والإخراج، وغيرها، حيث كان نهماً للعلم، وكان صاحب مواهب متعددة، وهو ممثل من طراز رفيع، شارك في أكثر من 85 عملاً بينها "على باب مصر"، و"درب ابن برقوق"، و"أيام المنيرة"، و"قلبي ليس في جيبي"، و"الحب وأشياء أخرى"، كما شارك بالإنتاج في أكثر من عمل مسرحي، بينها "الجوكر" للفنان محمد صبحي، وظهر فيه كممثل أيضاً، في حين أنه كان يتولى الإخراج، أما أبرز أعماله وأكثرها شعبية كمخرج مسرحي فهي "مدرسة المشاغبين" عام 1973، كما أن اسمه ارتبط بعشرات العروض الشهيرة الأخرى، لا سيما في المسرح السياسي الذي كان أحد أبرز رواده، فقد أخرج "عطية الإرهابية"، و"ع الرصيف"، و"دستور يا سيادنا"، و"الخديوي"، ومن مسرحياته أيضاً "راقصة قطاع عام"، و"حودة كرامة"، و"برهومة"، و"أنا متفائل... تصور"، و"تتجوزيني يا عسل؟"، و"بولوتيكا"، و"قشطة وعسل"، و"دنيا أراجوزات".
قدّم كمخرج أيضاً عدداً هائلاً من المسلسلات الإذاعية التي مثّل بها، حيث تميز صوته بالقدرة الكبيرة على التجسيد، وكان من أفضل من أدوا شخصية "عطيل" في مسرحية ويليام شكسبير الشهيرة، وكان مخرجاً أيضاً لمجموعة لافتة من السهرات التلفزيونية والأفلام، ووصل رصيده كمخرج إلى 50 عملاً.
نجاح مع كل الأجيال
وتميز الراحل بقدرته الهائلة على التواصل مع مختلف الأجيال، حيث كانت لديه رؤية طازجة لتقديم أعمال ذات قيمة تلقي إعجاب أجيال الشباب، وهو ما بدا واضحاً في المسرحيات الأخيرة التي أشرف على إخراجها قبيل سنوات من رحيله.
ظل اسم جلال الشرقاوي على أي عمل مسرحي مرادفاً للنجاح الجماهيري والقيمة والمتعة الفنية كذلك، وبقي يردد دوماً أنه فخور بإخراجه لمسرحية "مدرسة المشاغبين" التي تُعد أيقونة لكل الأجيال، كما أنها أسهمت في شهرة جميع أبطالها، بينهم عادل إمام، وأحمد زكي، ويونس شلبي، وسعيد صالح، وعلى الرغم من أن المسرحية تعرّضت لهجوم حاد وقت عرضها، فإنه كان يدافع عنها ويعدها من أبرز أعماله، ومع مرور الوقت أصبح لها حضور طاغٍ في ذاكرة الجمهور.