أثارت دراسة نشرها صندوق النقد العربي مسألة التعامل بالعملات المشفرة في الجزائر، إذ ذكر أن بنوكها المركزية لم تنخرط في مشاريع إصدار عملات رقمية على الرغم من توفرها على كل متطلبات ذلك، الأمر الذي يطرح عدة استفهامات في ظل التطورات الدولية المتسارعة.
وكشفت نتائج الدراسة عن أن الجزائر تبقى من بين الدول العربية التي لا تمتلك أي مشروع لإطلاق عملات رقمية ولا حتى مبادرات لاستكشاف هذه الإمكانية، على الرغم من توفرها على التشريعات واللوائح حول خصوصية البيانات وحمايتها، وأطر عمل قوية للمرونة السيبرانية ولوائح نظام الدفع التي تتوافق والمعايير الدولية، مرجعة الرفض إلى مخاوف من مخاطر إعاقة انتقال أثر السياسة النقدية والتنافس مع الودائع المصرفية وتقويض وساطة البنوك، وكذلك الانتقال من الودائع المصرفية إلى العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية خلال الأزمات المصرفية، بالإضافة إلى وجود مخاطر في مجال أمن الفضاء الإلكتروني وفقدان البيانات أو تسربها والاستعانة بمصادر خارجية.
وعلى الرغم من أن اعتبارات تسهيل عمليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تأتي على رأس أولويات غالبية البنوك المركزية العربية في مجال مدفوعات الجملة، بنسبة 56 في المئة، فإن الجزائر لا تزال "غير مهتمة" بالعملية التي تأخذ منحى تصاعدياً في سياق عالمي يوحي بتطور سريع في استخدام العملات الرقمية.
الفلسفة الكلاسيكية
في السياق، يقول أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "البنك المركزي الجزائري يعتمد على الفلسفة الكلاسيكية التي تحكم إصدار النقود، وهي أن يكون لتلك النقود مقابل مادي إما معادن نفيسة كالذهب والفضة أو عن طريق السلع والخدمات أو بالعقارات، وأن تكون صادرة من جهة رسمية، معتقداً أن أسباب عدم التفكير في التعامل بالعملات المشفرة يعود إلى أن البنك المركزي الجزائري جهة رسمية ولا يتعامل إلا مع الجهات الرسمية، والعملة هي رمز رسمي ورمز سيادي يمثل الجهة الرسمية، ثانياً أنه وفق الفلسفة الكلاسيكية المشار إليها سابقاً، التي تنص على أن أية عملة يجب أن يكون لها مقابل، فإن العملات المشفرة لا ينطبق عليها الأمر لأنها عبارة عن معادلات رياضية افتراضية".
أما السبب الثالث الذي يمنع البنك الجزائري من التفكير في التعامل بتلك العملات، فيرى الحيدوسي أنه يتمثل في أماكن وجود مقرات تلك الشركات التي تصدر العملات المشفرة، وهي في أغلبها معروفة بالتهرب الضريبي والمعاملات المالية المشبوهة في الاتجار بالسلاح والمخدرات والبشر، مضيفاً أن العملات المشفرة تدخل في إطار صراع لتأسيس نظام مالي عالمي جديد الذي طال مخاضه، وقد تصبح فقاعة في أي لحظة، وختم أن ما قام به البنك المركزي الجزائري هو عين الصواب في انتظار التطورات العالمية التي تحدد طبيعة النظام المالي العالمي اتجاهاته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منع قانوني
وكانت الحكومة الجزائرية قد منعت قانوناً تداول عملة "بيتكوين" بسبب افتقادها "الدعامة المادية كالقطع والأوراق النقدية وعمليات الدفع بالصك أو بالبطاقة البنكية"، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية في العدد رقم 76 الصادر بتاريخ 28 ديسمبر (كانون الأول) 2017، حيث نصت المادة 117 على أنه "يُمنع شراء العملة الافتراضية وبيعها واستعمالها وحيازتها، ويعاقب على كل مخالفة لهذا الحكم، طبقاً للقوانين والتنظيمات المعمول بها".
ودافعت الحكومة عن موقفها بالقول في المادة نفسها إن "الجزائر تسعى إلى إقامة نظام مراقبة أكثر صرامة لتتبع التعاملات الإلكترونية التي يمكن أن تستعمل في تجارة المخدرات أو التهرب الضريبي أو لتبييض الأموال، بفضل السرية المضمونة لمستخدمي العملات المشفرة".
ويُلزم قانون الصرف الجزائري بإجراء العمليات المالية عبر المصارف، كما يمنع القانون التعامل بغير الدينار داخل الدولة، كما يمنع إخراج العملة الصعبة نقداً إذا تعدى المبلغ سبعة آلاف يورو أو ما يعادلها من الدولار.
عملة رقمية جزائرية
إلى ذلك، يعتبر الباحث الأكاديمي في إدارة الأعمال، أنور سكيو، أن "الحديث عن موضوع الأنظمة البنكية المتباينة في العالم اليوم، قضية متشعبة الأطر والقراءات بشكل كبير جداً، يعكس مدى حساسية التباينات التي تميز كل نموذج بنكي اقتصادي في هذا العالم، إلا أن واقع اليوم بعد جائحة كورونا التي عجلت نمطية التغيير بصفة رهيبة، أصبح الوضع يؤسس لبوادر نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بحلول 2030، يؤمن بتكامل المصالح والتوجهات وضرورة تعايشها وليس العكس، وهنا نستطيع بصفة مباشرة وموضوعية استحضار العملات المشفرة التي أخذت حيزاً واسعاً من الجدل والأضواء"، وقال إن دور الجزائر ومنظومتها البنكية في اقتناص التوليفة المناسبة للتعامل مع هذا التحديث شبه العالمي الذي طال المعاملات الرقمية في العالم أجمع.
ويشير سكيو إلى أن "تحديات الانفتاح التي نتحدث عنها هي بحجم الإمكانات الزخمة التي تتوفر في البيئة الجزائرية، نظير هامش الأمان الكبير الذي نستطيع خلقه من خلال التحول التدريجي للتعاملات الرقمية المختلفة، بما يسمح للتأسيس مستقبلاً لسيناريو عملة رقمية جزائرية من شأنها فتح هذا المجال للمهتمين الجزائريين بالاستثمار فيه"، مشدداً على أن المنظومة البنكية الجزائرية على قدر التحديات التي تستشعرها في الفترة الأخيرة، إلا أنها وفقت لحد بعيد جداً في توفير البيئة المناسبة للنموذج الاقتصادي الجزائري الذي يأخذ دائماً مصلحة الانفتاح خارج قطاع البترول، وكذلك حماية وتشجيع الاستثمارات المحلية بشكل خاص.
تعامل بحذر
ولا تزال الجزائر تتعامل بحذر شديد مع كل ما له علاقة بالشبكة العنكبوتية والعالم الافتراضي، وحذرت لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها، من الإعلانات المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جهات مجهولة، تتضمن دعوة للإقبال على عمليات ادخار، أو فتح رأسمال أو التمويل التساهمي، وأكدت أن مثل هذا النوع من العمليات يتم وفق مجموعة من القواعد القانونية المتعلّقة ببورصة القيم المنقولة، وكذلك بالشركات والهيئات التي تلجأ علانية للادخار عند إصدار قيم منقولة.
وأكد رئيس اللجنة عبد الحكيم براح، في تصريحات صحافية، أن هناك منصات إلكترونية ومواقع إنترنت أطلقت عدة مشاريع تتضمن إعلانات تدعو المستثمرين ورجال الأعمال للادخار وباشرت العملية، على الرغم من أن مثل هذه النشاطات ممنوعة قانوناً إلا بعد المرور على اللجنة التي يترأسها، والحصول على موافقتها لضمان حماية الزبائن وأموالهم، محذراً المتعاملين الاقتصاديين من الانسياق وراء هذه المشاريع التي تلقى ترويجاً في الفضاء الافتراضي.