حتى الآن، وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين على إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، لكن لا يشعر المصريون بأي تقدم ملحوظ أو انعكاس لما قامت به الحكومة المصرية من تعديلات تشيد بها المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني.
البداية كانت بتحرير سوق الصرف وتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016، وهو القرار الذي بموجبه بدأت مصر بالفعل سياسة الإصلاح الاقتصادي.
بالتوازي مع القرارات الخاصة بتحرير سوق الصرف، أعلنت الحكومة المصرية عدة قرارات أخرى، لا تقلّ أهمية عن قرار تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، والتي تمثلت في إعادة هيكلة الدعم، بداية من دعم المحروقات والطاقة والكهرباء، وانتهاء بدعم السلع والخبز.
ارتفاع قياسي في معدلات التضخم
صاحب هذه التعديلات موجة غير مسبوقة في معدلات التضخم التي قفزت بنسب قياسية مع الارتفاع "الجنوني" في أسعار جميع السلع والخدمات التي قفزت بنفس النسب التي سجلها سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، والتي تجاوزت أكثر من 100%.
قبل أحداث يناير (كانون الثاني) من العام 2011، كانت الأرقام تشير إلى أن نسبة الفقر في مصر تبلغ 26.3%، لكن مع تنفيذ البرنامج الإصلاحي واتجاه الحكومة المصرية إلى رفع أسعار الكهرباء والوقود والمياه، ربما تأثرت شريحة الفقراء على الرغم من اعتماد الحكومة المصرية لبرنامج الرعاية الاجتماعية، والذي يضمن زيادة في قيمة الدعم لحملة البطاقات التموينية من 14 جنيهاً (0.83 دولار) إلى نحو (2.97 دولار) في الوقت الحالي.
كما رفعت الحكومة من معدلات الأجور، وأيضاً ضاعفت قيمة المبالغ المخصصة للمسجلين في برنامج "تكافل وكرامة"، مع كل زيادة تشهدها السلع والخدمات تزامناً مع أي زيادة تعلنها الحكومة، سواء في الكهرباء أو المحروقات أو المياه.
البنك الدولي: 60% من المصريين فقراء
لكن المثير هو ما أعلنه البنك الدولي الذي يعدّ أحد المؤسسات الدولية المهمة التي تشرف على البرنامج الإصلاحي الذي تنفذه الحكومة المصرية، حيث أكد أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجاً.
وعلى الرغم من ذلك، لكن البنك الدولي في الوقت نفسه أعلن أن الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر تظهر علامات نجاح مبكرة.
وأكد أن مصر بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتسريع الاحتواء الاقتصادي واستيعاب القوى العاملة المتنامي. وقال إن "عدم المساواة آخذ في الازدياد واقترب معدل الفقر الوطني من 30% عام 2015، ارتفاعاً من 24.3% عام 2010".
وأشار إلى أن هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح من 7% في محافظة بورسعيد إلى 66% في بعض محافظات الصعيد (جنوب مصر)، لافتاً إلى أن الإصلاحات الاقتصادية أثّرت على الطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاعاً في بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات.
ويحدد البنك الدولي نسبة انتشار الفقر المدقع على مستوى العالم باستخدام مؤشر خط الفقر الدولي، وهو 1.9 دولار للفرد في اليوم. وخط الفقر يشير إلى الحد الأدنى من الدخل الذي لا يمكن للفرد تلبية احتياجاته الأساسية إذا لم يحصل عليه.
وآخر رقم معلن عن نسبة الفقر في مصر، من جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مصر، هو 27.8% في عام 2015، حيث تعلنه مصر كل عامين، لكن الجهاز لم يعلن حتى الآن عن مؤشرات الفقر في 2017.
وبحسب ما أعلنه جهاز الإحصاء في بحث الدخل والإنفاق، لعام 2017، فإن متوسط خط الفقر المصري يبلغ 5787.9 جنيه سنوياً، أو 482 جنيهاً شهرياً (بما يعادل 1.8 دولار يومياّ وقتها أي قبل تعويم الجنيه في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016.
وفي تصريحات سابقة، قال اللواء أبو بكر الجندي، الرئيس السابق لجهاز التعبئة والإحصاء، إن خط الفقر في مصر بعد التعويم سيقترب من ألف جنيه شهرياً.
هل ارتفع الفقر مع الإصلاحات الاقتصادية؟
حتى الآن ومنذ بدء تطبيق الإصلاحات الاقتصادية في مصر عام 2016، لم تعلن الحكومة المصرية أي أرقام حول نسب ومعدلات الفقر في مصر، لكن الإجراءات الاقتصادية التي نفّذتها الحكومة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والتي على رأسها تعويم الجنيه، أسهمت في موجة غلاء قاسية، يعاني منها الفقراء ومحدودو الدخل، كما أنها أثّرت على الطبقة المتوسطة بشكل كبير.
وفي محاولة لاستيعاب تأثير هذه الإجراءات الإصلاحية توسّعت الحكومة في تطبيق برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة"، والذي يستهدف الطبقات الأكثر فقراً واحتياجاً.
ووفقاً لتصريحات رسمية، فإن برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" يبلغ عدد المستفيدين منه حالياً نحو 2 مليون أسرة، تشمل 8.2 مليون شخص، وأن عدد الأطفال المستفيدين من البرنامج وصل إلى 4.4 مليون مستفيد في الوقت الحالي.
تحركات برلمانية حول مواجهة الحكومة لانتشار الفقر
وأخيراً، تقدمت النائبة آمال رزق الله، عضو مجلس النواب المصري، بسـؤال إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيرة التضامن، بشأن استراتيجية الحكومة للحدّ من زيادة نسب الفقر في مصر.
وقالت النائبة، في بيان، إن "البنك الدولي أكد في دراسة حديثة أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا، مؤكدا أن مصر بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتسريع الاحتواء الاقتصادي، واستيعاب القوى العاملة المتنامي".
وأشارت إلى أن "البنك أوضح أن حالة عدم المساواة آخذة في الازدياد، رغم كون الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر تظهر علامات نجاح مبكرة؛ إذ أن معدل الفقر الوطني اقترب من 30% عام 2015، ارتفاعاً من 24.3% عام 2010".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت أن "هناك تعتيما من الحكومة حول نسبة الفقر في مصر، رغم أن هناك عمليات إحصاء جديدة قامت بها الأجهزة المعنية على أعلى مستوى إلا أنه لم يتم الإعلان عن نسبة الفقر".
وأشارت إلى أن "ارتفاع نسبة الفقراء تحتاج إلى حلول عاجلة وفورية، أبرزها الدعم المالي وتوفير دعم عيني موجه إلى الفقراء، بجانب زيادة الاستثمار بشكل عام، وفي المشروعات كثيفة الأيدي العاملة بشكل خاص، لتقليل نسب البطالة وزيادة التشغيل".
وطالبت الحكومة بإعلان استراتيجية واضحة للحدّ من نسب الفقر في مصر، ومواجهة ضيق المعيشة من خلال إجراءات عاجلة لتحسين أوضاع المواطنين في الفئات الأكثر احتياجا.
وبناء عليه، طالبت الجهات المعنية بالحكومة بالرد على السؤال التالي: ما استراتيجية الحكومة للحدّ من زيادة نسب الفقر في مصر؟
لا بديل عن زيادة الإنتاج
وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد كمال، إن "الحكومة المصرية تعمل حالياً على تنفيذ العديد من الإصلاحات، سواء في البنية التحتية أو التشريعية، وأيضاً أعادت هيكلة منظومة الدعم التي كانت سببا رئيسياً في تفاقم مشاكل عجز الموازنة العامة. ومن الطبيعي أن تتجه السوق إلى الركود والانكماش، بخاصة في ظل اتجاه الحكومة المصرية إلى تقليص حجم السيولة المتاحة في السوق حتى تتمكن من السيطرة على الأسعار وكبح جماح التضخم الذي سجل مستويات تاريخية منتصف العام 2017، وما زال حتى الآن في معدلات مرتفعة لا تقل عن 14%".
وأشار إلى "أنه على المصريين ألا ينتظروا تحسن الأوضاع أو انخفاض أسعار جميع السلع والخدمات، ولكن الفيصل الحقيقي في قصة شعور المصريين بنتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي تتعلق بالإنتاج فقط، ولا بديل عن زيادة الإنتاج، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد".
وختم "بالنسبة إلى الدولة، ما زال هناك عجز كبير، والناتج المحلي الإجمالي لا يكفي لتمويل حجم الإنفاق العام، ولذلك لا بديل عن زيادة الناتج المحلي الإجمالي. وبالنسبة إلى الأفراد، فإن كل ارتفاع في أسعار أي سلعة يتطلب بذل مزيد من الجهد ورفع معدلات إنتاج الفرد حتى يتمكن من مواجهة أي زيادة في أسعار السلع أو الخدمات".