في خطوة منتظرة، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، مؤكداً عزمه وضع مرسوم مؤقت للغرض.
وانتقد سعيد خلال زيارته مقر وزارة الداخلية، مساء السبت الخامس من فبراير (شباط)، في العاصمة تونس، المجلس الأعلى للقضاء، الهيئة الدستورية المستقلة، موجّهاً إليه "اتهامات بالتهاون في التعامل مع عدد من الملفات".
وتوجه رئيس الجمهورية إلى مجلس القضاء، قائلاً، "وليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة، وقلت إنه التحذير تلو التحذير".
المحاسبة الفورية
واعتبر قيس سعيد أن "المجلس الأعلى للقضاء صار مجلساً تُباع فيه المناصب، ويتم وضع الحركة القضائية بناء على الولاءات، بحيث أصبحت بعض الدوائر معروفة بدائرة "فلان"، قائلاً، "هؤلاء مكانهم أين يقف المتهمون"، وتماهياً مع قرارات الرئيس، دخلت مجموعة من المحتجين في اعتصام بداية من منتصف الأحد، للمطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء والشروع في محاسبة الفاسدين فوراً.
يذكر أن عدداً من المعارضين نفذوا وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء الأحد، رافعين شعارات لحلّه وإرساء قضاء عادل.
وفي أول رد فعل، قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر في تصريح إعلامي لوسائل إعلام محلية إنه "لا توجد آلية قانونية أو شرعية أو دستورية تسمح للرئيس بحل المجلس الأعلى للقضاء"، واتهم بوزاخر رئيس الجمهورية بالتحريض على حل المجلس الأعلى للقضاء من خلال التظاهر لتبرير أي قرار قد يتخذه، قائلاً، "نحن لسنا مؤسسة منتخبة من الشعب لكي يطالب الشعب بحله".
من جانبه، اعتبر الناطق الرسمي للتيار الشعبي المساند لرئيس الجمهورية محسن النابتي أن "القضاء خذل الشعب التونسي في مرحلة حاسمة من تاريخه، وهو مطالب اليوم بتدارك الأمر وتطهير نفسه من العناصر الفاسدة التي اخترقت ساحته، والانخراط في معركة الشعب من أجل محاسبة المجرمين، وإرساء دولة الحق والعدل، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب"، وتابع النابتي في تصريح، "لو قام القضاء بدوره بخصوص أهم الملفات سواء التي لها علاقة بالإرهاب أو بجرائم الفساد، لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن. لكن للأسف تم الاستحواذ عليه من قبل منظومة الحكم السابقة".
وبخصوص استقلالية القضاء، قال إن "في 25 يوليو (تموز) السابق، تحررت مؤسسات عدة في الدولة من قبضة المنظومة السابقة من ضمنها قطاع القضاء"، معتبراً أنه "بحل المجلس تم تحرير القطاع بأكمله، ويستطيع الشرفاء فيه الآن العمل من دون ضغوطات من المجلس الذي أسهم في تردي الأوضاع بتونس، من ناحية عدم الكشف عن ملفات الإرهاب والاغتيالات والفساد المالي وغيرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تهديد للديمقراطية
وفي جانب مغاير تماماً، صرّح محمد العربي الجلاصي، عضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي المنتمي لتنسيقية الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية التي تعمل ضد قرارات قيس سعيد، أن "الرئيس لم تكُن له الشجاعة لحل مجلس القضاء، بل أعلن فقط عن حله"، مواصلاً، "نحن بكل وضوح نرفض هذا الإجراء. مسار قيس سعيد منذ تمكّنه من الحكم، هو تجميع مطّرد لكل السلطات. فبدأ بالاستحواذ على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو الآن يحاول وضع السلطة القضائية تحت تصرفه، وهذا مرفوض"، ودعا الجلاصي القضاة وكل الأحزاب الديمقراطية ومكونات المجتمع المدني إلى "التصدي لهذه النية".
واعتبر أن قرار سعيد "لا يهدد الديمقراطية فقط، بل أيضاً يهدد أي فكرة إنقاذ أو إنعاش اقتصادي"، مردفاً، "من غير الممكن التفكير في الاستثمار في بلد قضاؤه غير مستقل"، واستدرك، "صحيح أن القضاء لم يكُن مستقلاً في السابق، ولكن يجب أن نعمل على تحريره بإصلاحه، لا بوضع اليد عليه"، ورأى الجلاصي أن "سعيد يستغل المطالبة المشروعة لسائر الطيف الديمقراطي ولعائلة الضحية شكري بلعيد من أجل الكشف عن حقيقة القضاء، ويضع القضاء تحت سيطرته".
وجاء في بيان الهيئة المديرة للجمعية التونسية للقضاة الشبان أنه على إثر الاطلاع على التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية تبيّن أنه "يعمل على تحريض المواطنين على التظاهر قصد المطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء، وتحميل مسؤولية الفشل في الكشف عن مرتكبي الاغتيالات السياسية للمجلس الذي لا يحق له أصلاً التدخل في سير القضايا"، وطلبت الجمعية من المجلس الأعلى للقضاء مواصلة أعماله بصفة عادية، والدعوة لاجتماع عام يضم القضاة والهياكل كافة لـ "التكاتف واتخاذ مواقف موحدة" ضد ما سمته "أكبر حملة تطهير وتصفية سياسية للقضاة، يعتزم رئيس الجمهورية تنفيذها"، بحسب نص البيان، الذي ناشد المحاكم كافة إصدار بيانات رافضة لذلك.