الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان في مؤتمره الصحافي السنوي وفي إطار رده على سؤال لمراسلة شبكة "سكاي نيوز" البريطانية حول الأزمة الأوكرانية، تعجل ضرورة الرد العاجل على ما يطرحه من مطالب أمنية "الآن وفوراً"، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يواصل للشهر الثاني على التوالي ماراثون لقاءاته واتصالاته مع نظرائه من العالم الخارجي، التي كان بدأها مع نظيره الأميركي جو بايدن في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي. وعلى الرغم مما يبدو وكأن ذلك جنوحاً نحو "تنازلات ما" يبدو مضطراً إلى تقديمها تحت وطأة ما تفرضه عليه الدوائر الغربية من قيود تهدد بمواصلتها بل واتخاذ الجديد منها أكثر تشدداً، فان هناك من الشواهد ما يقول إن ما يجنح إليه بوتين من اتصالات ولقاءات يأتي في إطار يجمع ما بين التكتيك والاستراتيجية، بحثاً عن "الهدف المنشود" بين ثنايا مباحثاته ووفوده مع مختلف أطراف المجتمع الدولي في شرقه وغربه، وبين صغيره وكبيره. ولذا لم يكن غريباً أن يسارع بوتين فور الانتهاء من مباحثاته (عبر الفيديوكونفرنس) مع الرئيس بايدن، لإجراء عدد من الاتصالات الهاتفية واللقاءات التي تواصلت على مدار الشهر مع عدد من رؤساء بلدان أميركا اللاتينية، ومنها الأرجنتين وفنزويلا ونيكاراغوا وكوبا في الشطر الغربي من الكرة الأرضية، إلى جانب إيران وتركيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والمجر والصين وبلدان آسيا الوسطى وغيرها.
لم تكن هذه الاتصالات تستهدف في جوهرها مجرد البحث عن حليف في مواجهة ما يداهم بلاده من ضغوط وتهديدات، بقدر ما كان يسعى من خلالها توضيح وجهات نظره تجاه ضرورة بناء نظام عالمي جديد، يرتكز على ما سبق وأقرته منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في بيانيها الصادرين في عامي 1999 في إسطنبول، و2010 في الآستانة حول ضرورة ألا يستند أحد في ضمان أمنه على حساب أمن الآخرين. وذلك ما حاولت الوفود الروسية على مختلف المستويات، وعبر شتى الاتصالات شرحه لنظرائها ممن جرى التواصل معهم خلال الأشهر القليلة الماضية.
توالت زيارات رؤساء ومبعوثي الدول الأجنبية للعاصمة الروسية، تأكيداً واعترافاً بدورها وأهمية مشاركتها في مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وإن جرى ذلك من منطلقات تستند في بعض جوانبها إلى مفاهيم خاطئة، ومنها ما كان ولا يزال يتردد حول أنها "تعتزم غزو أوكرانيا المجاورة". بل وهناك من صدق ما تردد حول الموعد المحتمل للغزو الروسي الوشيك في غضون الفترة من منتصف يناير الماضي وحتى منتصف فبراير (شباط) الجاري، على رغم عودة أوكرانيا عما سبق وروجت له في هذا الشأن، مؤكدة عدم صحة مثل هذه "الأقاويل" التي استندت إليها الدوائر الغربية كمبررات لما اتخذته من قرارات حول الدفع بالكثير من القوات ومئات أطنان الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا، ومنها ما تدفق مباشرة على المناطق المتاخمة لمنطقة الدونباس شمال شرقي أوكرانيا، وعلى مقربة مباشرة من الحدود الروسية. وذلك ما حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق في حينه، بدت وكأنما تعد العدة لحملة تالية لتحميل روسيا مسؤولية إشعال فتيل الحرب في المنطقة وما جاورها، قبيل وصول فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية إلى موسكو الذي طالما عرفته الأسرة الأوروبية متمرداً على الكثير من قراراتها ومعاييرها وتوجهاتها، بل ومعارضاً لبعضها ومنها مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
"مهمة سلام"
جاء فيكتور أوربان إلى موسكو في "مهمة سلام" على حد تعبيره، وفي وقت مواكب لزيارة مماثلة قام بها عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي إلى العاصمة الأوكرانية. ورغماً عن ذلك فلم يسلم رئيس الحكومة المجرية من اتهامات وانتقادات حلفائه في الخارج، وممثلي المعارضة المجرية في الداخل، ممن حاولوا ويحاولون الاستفادة من الظرف القائم لخدمة توجهاتهم وصراعاتهم في إطار الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المرتقبة التي ثمة من يصفها بـ "المصيرية".
وفي الوقت التي وصفت فيه المعارضة المجرية زيارة أوربان لموسكو ومباحثاته مع الرئيس الروسي بأنها "خيانة"، وتتعارض مع المصالح الوطنية للمجر، اعتبرها آخرون من الأوروبيين أنها تتجاهل مصالح ومعايير الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي نقلت فيه وكالة أنباء "نوفوستي" الروسية عن ناتالي لويسو عضوة البرلمان الأوروبي ما قالته حول "إن زيارة أوربان لموسكو يمكن أن تنال من وحدة الاتحاد الأوروبي بشأن القضية الأوكرانية، وأنها "جزء من خطة بوتين لدق إسفين فى صفوف الاتحاد الأوروبي"، فى وقت مواكب لاحتدام الموقف وتصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا ومعهما الولايات المتحدة وكثيرون من أعضاء الناتو.
وفي الوقت الذي أعادت فيه المصادر الروسية إلى الأذهان ما سبق وصدر عن بيتر سيارتو وزير الخارجية المجرية حول أن المجر تعلن تحفظاتها تجاه احتمالات انضمام أوكرانيا إلى الناتو لأسباب لا علاقة لها بخلافاتها مع روسيا، وإنما اعتراضاً على سياساتها تجاه ملف الأقليات في أوكرانيا، ومواقفها من الأقلية المجرية التي تعيش بين ظهرانيها منذ جرى ضم الكثير من أراضي المجر إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الأولى وهزيمة امبراطورية النمسا-المجر. وقد جاء ذلك مواكباً لرفض رئيس الحكومة المجرية لما اعتمده الاتحاد الأوروبي من معايير وما اتخذه من قرارات بشأن قضايا الهجرة، وحقوق الإنسان، والمثلية الجنسية، والموقف من منظمات المجتمع المدني. ولم يكتف فيكتور أوربان بكل ذلك، حيث مضى إلى ما هو أبعد بقراره حول رفض نشر قوات إضافية للناتو على أراضى المجر، وإعلانه أن "سلوك أوكرانيا غير مقبول".
عدم وحدة الرأي الأوروبي
وفيما أشارت مصادر روسية إلى ما كشف عنه بيتر سيارتو وزير الخارجية المجرية خلال زيارته ومباحثاته مع نظيره سيرغي لافروف حول أن بودابست تلقت طلباً من الولايات المتحدة بنشر قوات إضافية تابعة للناتو على أراضيها، وأن وزارة الدفاع بصدد دراسته"، نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن تيبور بينكي وزير الدفاع المجري تصريحاته حول أن "لدى بلاده ما يكفي من قوات مسلحة وطنية، ولذلك لا داعي لنشر وحدات إضافية من قوات حلف الناتو على أراضيها". وكانت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية أشارت إلى أن "أعضاء الناتو يدرسون تشكيل وحدات قتالية جديدة يبلغ عدد أفرادها ألف شخص، فى رومانيا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا، على غرار تلك الموجودة فى دول البلطيق وبولندا". ومضى وزير الدفاع المجري إلى ما هو أبعد بما قاله فى حديثه إلى إذاعة "Info Radio" عن أن "الوضع حول أوكرانيا لا يشكل تهديداً مباشراً لبلاده، وأن انتشار القوات الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا لا يدل، بحسب تقديرات الجيش المجري، على أن روسيا تعتزم مهاجمة أوكرانيا". ونقلت وكالة "نوفوستي"، ما قاله الوزير المجري حول أن بلاده وبمقتضى "برنامج تطوير الدفاع والقوات المسلحة"، أنشأت قوات وطنية تملك من القدرات والإمكانات ما يغنيها عن الاعتماد على القوات المسلحة والوحدات الأجنبية.
وفي ذلك كله ما يؤكد عدم وحدة الرأي والموقف داخل الأسرة الأوروبية تجاه مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وهو ما سبق وقاله الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الصحافيين في البيت الأبيض في حديثه في يناير الماضي، بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه منصبه، وليس تحت تأثير بوتين وما يغدقه من دعم وتنازلات لأصدقائه من رؤساء عدد من بلدان شرق أوروبا التي سبق وأعلن عن تمتعها بتخفيضات كبرى لها في أسعار الغاز. ومن هذه البلدان المجر التي وقعت عقدين مع "غاز بروم" حتى عام 2036 بأسعار مخفضة تبلغ ما هو أقل من الأسعار الأوروبية بخمسة أضعاف، بحسب ما أعلنه بوتين رسمياً في ختام مباحثاته مع أوربان. واستباقاً لدحض ما قيل ويقال حول إن ما حصل عليه الزعيم المجري أوربان من مكاسب في مباحثاته مع الجانب الروسي يمكن أن ترفع من أسهمه لدى مواطنيه في إطار استعداداته للانتخابات البرلمانية المرتقبة في أبريل (نيسان) المقبل، حرص الرئيس بوتين على تأكيد أن موسكو على استعداد للتعاون لاحقاً مع أي من الفائزين في هذه الانتخابات، وإن سارع إلى تأكيد أن ما تحقق من إنجازات على صعيد التعاون الثنائي بين البلدين هو "نتاج عمل رئيس الحكومة المجرية أولاً وقبل كل شيء"، على حد تعبيره. وذلك ما سبق وكشف عن مثيله في لقائه مع نظيره الصربي فوتشيتش في موسكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضلاع المثلث المحوري
ويمضي الرئيس بوتين ليواصل سلسلة اتصالاته ولقاءاته تمهيداً لظروف أفضل قد تكون تكئة يستند إليها في مواجهة ما يداهمه وبلاده من ضغوط وتهديدات بالمزيد من العقوبات، حيث سرعان ما شد الرحال إلى الصين للقاء زعيمها شي جين بينغ على هامش افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022. ولكن تشاء الأقدار أن تكون بكين ومعها بوتين والزعيم الفرنسي نسخة مما سبقها من أضلاع المثلث المحوري الذي سبق وحدد في عام 2008 ملامح تسوية تاريخية لأحداث مماثلة لما نتابع تطوراته خلال الفترة الراهنة. ففي دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في أغسطس (آب) 2008 "تورط" الرئيس الجورجي الأسبق ميخائيل ساكاشفيللي وتحت رعاية أميركية، وبمساعدة أوكرانية في غزو أوسيتيا الجنوبية (التي كانت أعلنت عن انفصالها مع جمهورية أبخازيا ذات الحكم الذاتي عن جورجيا من جانب واحد في مطلع تسعينيات القرن الماضي)، وقتل عدد من قوات حفظ السلام الروسية هناك ما دفع روسيا إلى اتخاذ ما تراه من رد مناسب وصلت معه بقواتها إلى مسافة 35 كلم من العاصمة تبليسي. وذلك ما كان بداية لوساطة أوروبية بزعامة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي. وها هي دورة الألعاب الأولمبية في بكين تعود ثانية في ثياب شتوية، لتعيد بعضاً من تاريخ الأمس القريب بمشاركة فرنسية للمرة الثانية لتتصدر المشهد السياسي بما جرى على هامش بداياتها من أحداث سياسية ثمة من يصفها بالتاريخية لتشهد ميلاد إعلان أحد أهم التحالفات السياسية العسكرية في العقد الحالي من القرن 21.
وكان الزعيمان شي وبوتين توصلا إلى بيانهما السياسي الذي صدر تحت عنوان: "الإعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهداً جديداً والتنمية المستدامة". في هذا البيان أكد الزعيمان وحدة مصير بلديهما، وأعادا إلى الأذهان ما سبق وقاله بوتين حول "أنه لا يجوز لأي دولة ضمان أمنها على حساب أمن دول أخرى"، في إطار "ضمان الأمن العام المتكامل المستدام وغير القابل للتجزئة". ومن هذا المنطلق كشفا عن "معارضتهما لأنشطة قوى خارجية رامية إلى تقويض الأمن والاستقرار في مناطق مجاورة لهما، وأبدتا عزمهما على "التصدي لأي تدخل خارجي في شؤون دول ذات سيادة تحت أي ذريعة كان" ومعارضتهما لـ “الثورات الملونة"، وأكدتا نواياهما تطوير التعاون في هذا الصدد. كما أعلن الزعيمان عن مبادرتهما حول "تشكيل "جبهة عالمية بمشاركة الأمم المتحدة ضد الإرهاب ورفض تسييس مكافحته".
كما توقفا بالكثير من الحسم والصراحة عند محاولات توسع الناتو شرقاً، في دعوتهما إلى إدانة ما وصفاه بمحاولات بعض الدول والتحالفات العسكرية السياسية التي تسعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تحقيق امتيازات عسكرية أحادية الجانب على حساب أمن الآخرين، لا سيما من خلال ممارسة المنافسة غير العادلة وتأجيج التنافس الجيوسياسي والمواجهات والخلافات، ما يقوض بشكل خطير السلام والاستقرار الدوليين. كما ناشدا حلف شمال الأطلسي "التخلي عن المناهج الأيديولوجية التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، واحترام سيادة وأمن ومصالح دول أخرى وتنوع أساليب الحياة الحضارية والتاريخية والثقافية الخاصة بها، والتعامل على نحو عادل مع التنمية السلمية لدول أخرى". وذلك إلى جانب إعلان تفهم الصين لما تقدمت به روسيا من مقترحات حول ضرورة سحب القوى النووية لأسلحتها النووية خارج حدودها، انطلاقاً من بنود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي قالا إنها تشكل حجر الأساس في نظام نزع السلاح وعدم انتشار الأسلحة النووية في العالم وجزءاً مهماً من نظام الأمن الدولي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، وإشارتها إلى غياب أي بديل عنها لضمان السلام والتنمية في الكرة الأرضية. كما كشفت الوثيقة عن "موقف مشترك معارض لما وصفته بالتحالفات المغلقة والمعسكرات المتنافسة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ"، ومنها تحالف "أوكوس" العسكري الجديد بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.
وكان الرئيس بوتين استهل سلسلة لقاءاته "المباشرة" مع زعماء كل من الهند في نيودلهي، وإيران في موسكو قبيل رحلته الأخيرة إلى الصين، في إشارة غير مباشرة إلى ملامح ما يرومه من تحالف يرتكز على القوى البشرية الهائلة لهذه البلدان الأربعة بما تملكه من قدرات اقتصادية وتكنولوجية، وهو ما تناوله الإعلان المشترك في ختام فقراته التي كشفت عن "نوايا الجانبين تجاه تطوير التعاون بينهما في إطار "روسيا - الهند - الصين"، ودعم التنسيق المتبادل في إطار مختلف المنصات ومنها لقاءات القمة لبلدان شرق آسيا والمنتديات الإقليمية ومنها آسيان ومؤتمرات وزراء دفاع بلدان آسيان وشركائها في الحوار". وإذا أضفنا إلى هذه الفقرة الجملة الأخيرة التي تقول إن الجانبين "يعتزمان العمل من أجل صالح دعم دور منظمة "آسيان" بوصفها العنصر المحوري للمنظومة الإقليمية"، فإننا قد نكون أمام أهم فقرات هذا الإعلان المشترك وما يرومه من أهداف وخطط تتراوح بين الآنية، وبعيدة الأجل.
التحول شرقاً
ولعل ذلك كله يمكن أن يكون أيضاً بداية مرحلة نوعية جديدة تقول ملامحها بتحول تدريجي من تبعيات حمى الاندفاع صوب "التعاون غير المحسوب" مع الغرب، بل والرغبة المحمومة في الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، وهو ما أعرب بوتين عن بعض جوانبه في أولى سنوات ولايته الأولى في مطلع القرن الحادي والعشرين، إلى التحول شرقاً نحو ما كشف عنه عميد الاستشراق السوفياتي - الروسي الأكاديمي يفغيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وهو الذي كان وراء الكثير من الخطوات الأولى على طريق التحالفات مع الصين والهند، ما أسفر لاحقاً عن قيام منظومة "بريكس"، التي تضم اليوم كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
أما عن الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فإنها تظل في إطار الجهود العاجلة التي تستهدف احتواء تفاقم الأزمة الراهنة والحيلولة دون اشتعال الحريق خشية اتساع نطاقه، من منظور ما أخذته باريس على عاتقها من أدوار في إطار رباعي مجموعة "نورماندى" مع ألمانيا وروسيا وأوكرانيا، التي تشكلت في عام 2015 في محاولة لاحتواء النزاع الذي اشتعل بين السلطات الأوكرانية ومقاطعات الدونباس في جنوب شرقي أوكرانيا التي أعلنت عن انفصالها من جانب واحد عن أوكرانيا. وكذلك استناداً إلى تقليد طالما كان يقضي باستقلالية القرار الفرنسي، بعيداً من الأسرة الأنغلوسكسونية. وفي هذا الصدد تقول المصادر الرسمية الروسية إن نزع فتيل الأزمة الراهنة ماثل أمام العيان، منذ سنوات طوال تعود بدايتها منذ تاريخ توقيع "اتفاقيات مينسك في عام 2015، وما أعقبها من مداولات ولقاءات تحت رعاية "مجموعة نورماندي".
وذلك ما أوجزه الرئيس بوتين في بداية لقائه مع الرئيس الفرنسي ماكرون في العاصمة الروسية موسكو. وفي هذا الصدد ننقل عن بوتين ما قاله في مستهل حديثه مع ضيفه الفرنسي حول أن "فرنسا تشارك بأنشط شكل في حل القضايا المحورية للأمن الأوروبي، وهذا ما قام به أسلافك، وهذا الأمر يخص بما في ذلك الأزمة التي نشبت بعد هجوم جورجيا على أوسيتيا الجنوبية ووضع اتفاقات مينسك ومن ثم تنظيم عمل صيغة نورماندي، وأنا أرى حجم الجهود التي تبذلها القيادة الفرنسية الحالية والرئيس شخصياً من أجل إنهاء الأزمة المتعلقة بضمان الأمن على أساس متساو في أوروبا، وكذلك حل الأزمة الداخلية الأوكرانية الجارية جنوب شرق البلاد". وذلك ما رد عليه ماكرون بقوله إن الأوضاع الحرجة في أوروبا تثير القلق وتفرض ضرورة التصرف على نحو مسؤول يكفل ضمان الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية"، في إطار ما سبق وتوصل إليه الزعيمان من نتائج وقرارات. على أن ذلك لا يمكن أن يكون وحده "القول الفصل"، والمحطة الأخيرة في سلسلة اتصالات ولقاءات الرئيس بوتين مع الكثير من الأطراف المعنية، حيث تنتظر موسكو خلال الأيام القليلة المقبلة اثنين من أبرز نجوم الساحة السياسية الجدد ممن تروم موسكو معهما المزيد من التنسيق المتبادل والتعاون المتكافئ بعيداً من ضغوط الخارج، وما تفرضه دوائر ما وراء المحيط من خطوط حمراء، وضغوط اقتصادية، وهما أولاف شولتز المستشار الألماني، وقاسم توكايف رئيس كازاخستان في آسيا الوسطى.