أثار إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد غلق المجلس الأعلى للقضاء مخاوف أطراف أممية وأجنبية، بشأن وضع حقوق الإنسان في تونس، مخاوف يعتقد البعض أن تداعياتها ربما ستكون خطيرة على الجانبين الاقتصادي والدبلوماسي، وفي المقابل، يرى البعض الآخر أنها ستكون من دون أثر كغيرها من البيانات التي صدرت بعد 25 يوليو (تموز)، كما يرفض آخرون هذه المواقف من قبل أطراف خارجية، ويرون فيها تدخلاً في الشأن الداخلي.
وكان قيس سعيد الذي أمسك بزمام السلطة في تونس منذ نحو سبعة أشهر، أعلن حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة دستورية مستقلة، معتبراً أنه يخدم أطرافاً معينة بعيداً من الصالح العام.
احتواء الأزمة
وعلى إثر هذا القرار، وصفت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في بيان القرار بـ"الخطوة الكبيرة في الاتجاه الخطأ"، مضيفة أن قرار سعيد "هو خرق واضح لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية إن تحركات الرئيس التونسي لحل المجلس الأعلى للقضاء تشكل "تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان في البلاد"، كما أعرب مبعوثو دول "مجموعة السبع" والاتحاد الأوروبي عن "قلقهم بشدّة إزاء إعلان نية حل المجلس الأعلى للقضاء أحادياً، والذي تقوم مهمته على ضمان حسن سير النظام القضائي واحترام استقلاليته".
وقال سفراء كل من ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في تونس في بيان مشترك إن "القضاء الشفاف والمستقل والفاعل وفصل السلطات هما أمران أساسيان لديمقراطية فاعلة تخدم شعبها".
ولاحتواء الأزمة، استقبل وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، سفراء "مجموعة السبع" المعتمدين في بلاده، إضافة إلى ممثلة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، "لإطلاعهم على حقيقة الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء"، بحسب ما جاء في بلاغ الخارجية. وأكد الجرندي أن المسار الديمقراطي في تونس واحترام حقوق الإنسان والحريات خيارات لا رجعة فيها ولا تراجع عنها، وأوضح أن حل المجلس الأعلى للقضاء يندرج في إطار مواصلة تصحيح المسار الديمقراطي الذي انطلق في 25 يوليو 2021 عملاً بأحكام الفصل 80 من الدستور ومقتضيات المرسوم الرئاسي عدد 117 بتاريخ 22 سبتمبر (أيلول) 2021.
وأبرز ما أعلن عنه رئيس الجمهورية، بحسب بلاغ الخارجية التونسية، أن "حل المجلس لا ينطوي بأي شكل من الأشكال على إرادة للتدخل في القضاء أو وضع اليد عليه، وإنما يندرج في مسار إصلاح المنظومة القضائية والمضي قدماً على درب تعزيز استقلالية القضاء وتجاوز ما شابه من اختلالات، والنأي بالمرفق القضائي عن التسييس الذي تسبب في عدد من الأحيان في تعطيل مسار العدالة، وبت قضايا مهمة على غرار اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، قرر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين تعليق العمل في المحاكم كافة، الأربعاء والخميس، الثامن والتاسع من فبراير (شباط)، ودعا إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء، الجمعة، رفضاً لحل المجلس، وجدير بالذكر أن دعوة الجمعية إلى تعليق العمل لم تنجح، وواصل عدد من المحاكم في البلاد سير عمله العادي، وعللت الجمعية احتجاجها، بحسب البيان، رفضاً "للانتهاك الصارخ لاستقلالية السلطة القضائية من قبل رئيس الجمهورية وحل المجلس الأعلى للقضاء كآخر ضمانة للفصل بين السلطات وتحقيق التوازن بينها".
لا خير يرجى منها
في هذا الإطار، قال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي إن "الشعب التونسي ضد التدخلات الخارجية"، مضيفاً، "عندما نرى مجموعة السبع تتدخل في شؤون دولة، ومصالحها متضاربة في ملفات عدة، نفهم من ذلك أنها أصبحت تستسهل الأمور، وأن أطرافاً من الساحة السياسية في تونس تحركها"، وتابع، "هي أطراف لم تعِ بعد التحولات السياسية والاجتماعية في الداخل والخارج". وأردف، "عملياً، هذه البيانات الصادرة عن السفارات ليس لها أي أثر ولا تداعيات تذكر كغيرها من البيانات التي صدرت بعد 25 يوليو".
من جانب آخر، انتقد العبيدي ما فعلته "مجموعة الدول السبع" في الشرق الأوسط وفي ليبيا من حروب وخراب، وقال، "لا خير يُرجى منها، وفي قادم الأيام، عندما يتشكل المشهد السياسي من جديد مع أهمية الموقع الاستراتيجي لتونس، ستتغير مواقف هذه الأطراف الخارجية".
صعوبات جديدة
وقال المحلل السياسي محمد بوعود، "لن يكون هذا البيان الذي صدر عن مجموعة السبع أو المفوضية الأممية الأخير"، معلقاً، "يبدو أنها أدمنت التدخل في شؤون تونس"، من دون أن ينفي الوضع الاقتصادي الحرج للبلاد في ظل غياب المؤسسات الشرعية التي يمكنها التفاوض مع المانحين الماليين والتي تتحكم فيها هذه الدول الكبرى. وإذ لم يرَ أن هذا البيان كارثي، أوضح، "هو لم يدِن مباشرة نظام وسياسة قيس سعيد، ولم يطالب برجوع المؤسسات الدستورية، ولم يهدد بأي شيء، بل هو يعرب عن قلقه، باعتبار الوضع الاقتصادي، أصبح للأسف، مرتبطاً بالدوائر الأجنبية سواء كانت سياسية أو مؤسسات مالية مانحة". وتابع بوعود أن "على قيس سعيد أن يحرك طاقم مستشاريه ووزارة الخارجية والدبلوماسية من خلال السفارات التونسية في الخارج حتى يتمكن من إحداث خرق في المنظومة الدولية التي يبدو أنها ما زالت تصرّ على التعاطي فقط مع مشهد ما قبل 25 يوليو".
واعتبرت الكاتبة الصحافية المتخصصة في الشأن الاقتصادي إيمان الحامدي، من جهتها، أن "الانشغال الذي عبّرت عنه الدول الأجنبية في بيان مشترك أصدرته السفارات، يمكن أن ينعكس على تدفق استثمارات هذه البلدان نحو تونس".