انتهت زوبعة استبدال بالحكومة الليبية واحدة جديدة تقود البلاد حتى موعد الانتخابات الجديد، المقدر أن تجرى بعد عام ونصف العام تقريباً، من دون مفاجآت، بعد تعيين مجلس النواب فتحي باشاغا رئيساً جديداً للوزراء، كما كان مرجحاً.
لكن، تداعيات هذا القرار تبقى غامضة، بعدما جدد رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة، رفضه تسليم السلطة إلى خلفه المعين من البرلمان.
ومرت أول خطوة منتظرة لرئيس الوزراء الجديد فتحي باشاغا بسلام، بعد أن حطت طائرته في طرابلس من دون مشكلات أو صدام مع أي طرف موالٍ لسلفه عبد الحميد الدبيبة، إذ تخوف البعض من تفجر الأوضاع في العاصمة، بسبب الصراع بين الطرفين على رئاسة الحكومة.
وصول هادئ إلى العاصمة
وصل رئيس الحكومة المكلف من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، منتصف ليلة الخميس، الجمعة، إلى مطار معيتيقة قادماً من طبرق، عقب تسلم قرار تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، من دون أن يتعرض لمضايقات من أي طرف، بعدما سيطر التوتر على المشهد الليبي بتواتر أنباء عن تحرك قوات عسكرية من الزاوية ومدن أخرى في الغرب الليبي باتجاه طرابلس، قبل ساعات من وصوله إليها.
وألقى باشاغا كلمة مقتضبة أمام وسائل الإعلام فور وصوله إلى العاصمة، أكد فيها أن "الحكومة الجديدة ستكون للجميع وبالجميع، وسنمد أيدينا لكل الأطراف من دون استثناء".
وحاول باشاغا إرسال رسائل إيجابية إلى الدبيبة، تسهل عملية نقل السلطة إلى حكومته، بقوله "أشكر حكومة الوحدة الوطنية، وعلى ثقة بالتزام حكومة الوحدة الوطنية بمبادئ الديمقراطية والتسليم السلمي للسلطة".
كما أرسل باشاغا رسائل طمأنة أخرى للداخل والخارج، تعهد فيها بأن يكون عند حسن الظن، قائلاً إنه "لن يترك مجالاً للظلم والانتقام والكراهية، وسنفتح صفحة جديدة، وسنتعاون دائماً مع مجلسي النواب والدولة ونطوي صفحة الماضي".
وبين باشاغا الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لحكومته خلال فترة ولايتها. مشدداً على أن "علاقة الحكومة بجميع دول العالم ستكون مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون الوثيق على جميع الأصعدة، بخاصة الصعيد الأمني". مشيراً إلى "أهمية دور بعثة الأمم المتحدة في ليبيا خلال الفترة المقبلة".
خطة عمل الحكومة
وقبل ساعات من وصوله إلى طرابلس، كشف رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، عن رؤيته التي سيعمل من خلالها على إدارة شؤون ليبيا، وفقاً لخريطة الطريق التي أقرها البرلمان، متعهداً تقديم تشكيلته الحكومية الجديدة خلال أسبوعين.
وأكد باشاغا، في مقال له نشرته صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية، أن "الأولوية بالنسبة إليه ستكون تلبية الحاجات الملحة للمواطنين، والوصول الآمن إلى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية".
وأضاف، "كما هو معلن في خريطة الطريق التي وضعها البرلمان، سأضمن استكمال الانتخابات بموعد أقصاه 14 شهراً، ويجب أن نعمل من أجل انتخابات موثوقة وآمنة وشاملة، وسيكون هذا هو هدفي الأهم كرئيس للوزراء، بعد أن واجهت عمليتنا الانتخابية الأخيرة بعض الصعوبات الأمنية، بما فيها حماية بيانات المواطنين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ترشيد الإنفاق
ولمح باشاغا إلى أنه سيعمل على ترشيد الإنفاق الحكومي، بعد أن كان التوسع فيه ديدناً للحكومة السابقة، وتسبب لها بكثير من الانتقادات. قائلاً "لن أقدم وعوداً غامضة وغير واقعية، لكني سألتزم بضمان عدم تكبد الدولة الليبية مزيداً من الخسائر البشرية والمادية، إضافة إلى تنفيذ الجدول الزمني للانتخابات الذي حدده البرلمان، ويجب التركيز على القضايا الجادة في قطاعات الصحة والأمن والطاقة والاقتصاد".
وتابع، "يجب علينا الآن تنفيذ سياسات مالية سليمة وعقلانية، تزيد القوة الشرائية وتوفر السيولة في المصارف وتحرر الاقتصاد، والتأكد من أن مؤسسات الدولة لدينا تقدم الخدمات لمواطنينا، وليس فقط لنخبتنا".
الدبيبة يرفض الاستسلام
في المقابل، جدد رئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة، رفض التنحي عن منصبه، مؤكداً أنه "لا يزال يمارس عمله وفقاً للمدد الزمنية المنصوص عليها في خريطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار في تونس".
وأضاف، "المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير الحكومة وفقاً لخريطة الطريق في جنيف"، معتبراً "ما حدث في مجلس النواب تعدياً صريحاً على اختصاص المجلس الرئاسي".
وجدد الدبيبة تأكيده أنه "سيسلم السلطة لجهة منتخبة من الشعب الليبي، لأن الهدف من الاتفاق السياسي وخريطة الطريق هو الوصول إلى الانتخابات، وحسب هذا الاتفاق فإن الحكومة تنتهي مع المجلس الرئاسي بالوصول للانتخابات".
استبعاد الانقسام الحكومي
في السياق، استبعد الناطق باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، أن تكون ليبيا مقبلة على انقسام تنفيذي جديد، بسبب وجود حكومتين. مؤكداً "وجود توافقات بين مجلسي النواب والدولة بشأن تولي فتحي باشاغا رئاسة الحكومة".
ورأى بليحق أن "باشاغا يمتلك شخصية تلقى احتراماً كبيراً في المنطقة الغربية، سياسياً وعسكرياً، ما يسهل عليه تسلم أعماله خلال الأيام المقبلة، وتشكيل حكومته خلال 15 يوماً".
وأشار بليحق إلى أن "سبب إقالة حكومة الدبيبة هو القصور في أداء عملها، إضافة إلى نكثه تعهداته بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، وصرف قرابة 90 مليار دينار (20 مليار دولار)، خلال مدة وجيزة، وإيقاف عديد من وزرائه على ذمة قضايا فساد".
وشدد بليحق على أن "اختيار الحكومة الليبية حق أصيل لمجلس النواب، وهو قرار سيادي للمجلس، وسبق تأكيد في أكثر من مناسبة ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشأن الليبي".
تعديل دستوري
وكانت الجلسة البرلمانية، التي جرى فيها منح الثقة لفتحي باشاغا، لتشكيل حكومة ليبية جديدة، شهدت أيضاً التصويت على قرار آخر لا يقل أهمية، ولم يحظَ بالاهتمام اللازم بسبب التركيز على مسألة الحكومة الجديدة التي خطفت كل الأضواء، إذ جرت الموافقة على إجراء تعديل دستوري يسمح للبرلمان بسحب مسودة الدستور الحالية، وتشكيل لجنة لكتابة واحدة جديدة، تطرح للاستفتاء الشعبي قبل الانتخابات العامة.
وصوت مجلس النواب، بأغلبية على اعتماد التعديل الدستوري الثاني عشر، وتضمينه بشكل رسمي في الإعلان الدستوري.
وقال متحدث البرلمان، عبد الله بليحق، "المجلس وافق بالأغلبية المطلقة على التعديل الدستوري الثاني عشر بـ126 صوتاً من أصل أكثر من 147 نائباً".
وعلى الرغم من هذا الإعلان من البرلمان، فإن حسم هذه المسألة ما زال محل شك، بسبب عدم وجود توافق نهائي بشأنها مع مجلس الدولة، على الرغم من تصريح بليحق، بأن "لجنة خريطة الطريق المكلفة من قبل مجلس النواب التقت اللجنة المختصة من مجلس الدولة بمقر ديوان مجلس النواب، في مدينة طبرق، وانتهى اللقاء إلى التوافق على الصيغة النهائية للتعديل الدستوري".
لكن، الناطق الرسمي باسم مجلس الدولة محمد عبد الناصر، سرعان ما نفى التوصل إلى اتفاق بين رؤساء اللجنتين، فيما يتعلق بالمادة الخامسة من التعديل الدستوري.
وقال عبد الناصر، "وفد مجلس الدولة يرى ضرورة الاستفتاء على مشروع الدستور بشكل مباشر في حالة عدم اتفاق اللجنة على أي تعديلات، أو اعتباره قاعدة دستورية لدورة برلمانية واحدة".