ازداد تأثير الإشاعات في المجتمع الموريتاني، مع ازدياد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات للإشاعة قوتها وتأثيرها الواسع وتحولت من كلام مرسل إلى صوت وصورة ومعلومات مضللة من هنا وهناك، تغري الناس بأسرار قصور الرئاسة وحفلات عشاء المشاهير، وما يجري في أروقة الوزارات وما تخفيه عنهم وسائل الإعلام الرسمية.
ويوفر الإنترنت أرضاً خصبة لنمو الإشاعات والوصول إلى قدر كبير من الناس وبثّ المعلومات المضللة والأخبار الزائفة ونشرها بين أفراد المجتمع، فالشبكة العنكبوتية غيّرت إلى حد كبير من طبيعة الأخبار الكاذبة وطريقة نقلها وسرعة انتشارها، ما أصبح يشكل مشكلة اجتماعية حقيقية تهدّد الاستقرار والوئام الاجتماعي، بخاصة في بلد كموريتانيا حيث التراتبية الاجتماعية لا تزال مسيطرة.
ولعل هذا ما دفع رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني للإعلان عن قرب سنّ قوانين كفيلة بوضع حد لهذه الظاهرة الهدامة التي تزعزع السكينة العامة، وتنشر الكراهية وتحرض الفئات الاجتماعية على بعضها، معتبراً أن ما ينشر من إشاعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي جريمة يعاقب عليها القانون وأن فاعلها "كمن يلعب بالنار وسيندم ".
تسببت في انقلابات
قبل انتشار استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الإشاعات تنتشر بشكل كبير في المجتمع الموريتاني بسبب ثقافة التواصل بين الناس، كما أنها تلعب دوراً رئيسياً في الكثير من الأحداث الاجتماعية والسياسية، فالمجتمع الموريتاني صغير ومتعارِف، وحين تنطلق الأخبار الكاذبة تنتقل بسرعة كبيرة من شخص إلى آخر، ومن وسط إلى آخر، ويصبح تأثيرها كبيراً وتتخذ أشكالاً متباينة باختلاف الفئات والأوساط الاجتماعية.
ويعتبر الميدان السياسي في موريتانيا أكثر الميادين تأثراً بالإشاعات حيث ترفع بعضها أسهم السياسيين وكبار المسؤولين وتنتقص من شعبية منافسيهم، فالتلاعب بالإشاعات لأغراض سياسية شائع في موريتانيا، وأخيراً تجاوز الأمر المنافسة الانتخابية التي يتخذها الجميع مطية، لتبرير أي هجوم على الخصم إلى تشويه سمعة المتنافسين وإلحاق الضرر بوسطهم الاجتماعي والتأثير سلباً في سلوك الناخبين على مدى سنوات.
ولعل أخطر الإشاعات تأثيراً في الحياة السياسية في موريتانيا كانت إبان فترة الانقلابات العسكرية، وما كان يشاع آنذاك من فرار الرئيس معاوية ولد الطايع إلى خارج البلاد، ومحاولة تقسيم البلاد بين العرب والزنوج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عام 2012 انشغل الموريتانيون بقصة الهجوم على الرئيس محمد ولد عبد العزيز وإصابته بثلاث رصاصات قالت الرواية الرسمية إنها من ضابط إنتابته الشكوك حول سيارة كان يستقلها الرئيس، فأطلق الرصاص فوراً، بينما انتشرت إشاعات كثيرة حول أسباب إصابة الرئيس والمتهم الحقيقي بالحادث، وطيلة فترة علاج الرئيس بفرنسا انتشرت إشاعات حول حالته الصحية وأخرى حول وفاته واستلام الجيش مقاليد السلطة.
وفي عام 2005 سرت إشاعة بين الموريتانيين تفيد بأن أحد كبار مسؤولي الدولة زار إسرائيل ووقع اتفاقية لدفن النفايات النووية بالصحراء الموريتانية، مقابل ملايين الدولارات لن تدخل ميزانية الدولة، بل سيتم تقاسمها بين كبار المسؤولين، وأثارت هذه الأخبار الكاذبة غضب الموريتانيين وخرجت تظاهرات رافضة لهذه الاتفاقية، وأخذت الإشاعة بعداً آخر واعتبرها السياسيون من أسباب الانقلاب على الرئيس السابق معاوية ولد الطايع الذي أطاح به الجيش في أغسطس (آب) 2005 بعد تأزم الوضع الداخلي، كما أثرت في شعبية المسؤول الذي اتهم بزيارة إسرائيل، والتآمر على بلاده لصالحها ولا يزال متوارياً عن الأنظار بعيداً من الحياة السياسية، على رغم أن له باع طويلة في السياسة.
وعلى الرغم من أن هذا الخبر لا يعدو كونه إشاعة أو على الأقل اتفاقية لم تنجز بسبب الانقلاب على ولد الطايع، لا يزال بعض الموريتانيين يرفضون الذهاب إلى المنطقة التي قيل إن النفايات النووية دفنت بها خوفاً من تأثيرها في صحتهم.
تقتل السياسيين
تلعب الإشاعة في مجتمع قبلي كالمجتمع الموريتاني دوراً كبيراً في رسم معالم الخريطة السياسية وتستعمل كطريقة للانتقاد والمعارضة، ووسيلة من وسائل المجابهة من وراء الستار، وتسجيل مواقف وتمرير رسائل خفية.
ففي الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية الأخيرة، راجت الكثير من الأخبار الكاذبة هدفها التشويش على المنافسين وكسب نقاط في آخر مراحل الحملة التي شهدت تنافساً كبيراً بين المرشحين، فقد راجت إشاعات عن تدهور صحة أحد المرشحين وعلى رغم نفي المقربين منه لها، إلا أنها أثرت في حظوظه في الفوز بالانتخابات.
ومن أقوى الإشاعات التي استهدفت السياسيين في موريتانيا تلك التي أطلقت على إحدى الوزيرات وتفيد بتعرضها لضرب شديد من قبل زوجها إثر خلاف عائلي ناجم عن شكوك لدى الزوج حول تصرفات الوزيرة.
ولم تنجح محاولات احتواء هذه الإشاعة التي راجت بشكل كبير وشغلت الناس في موريتانيا لفترة. ونفت الوزيرة وزوجها هذه الإشاعة وأجريا أحاديث صحافية وظهرا في برامج تلفزيونية صوّرت في بيت العائلة تظهر مدى الاحترام والتفاهم بين الزوجين، وأكدت الوزيرة أن الإشاعة روّج لها منافسون وحساد يرغبون في القضاء على مستقبلها السياسي.
إشاعات الفنانين
في المجال الفني، استغل الفنانون الموريتانيون الأضواء المسلطة عليهم في إطلاق إشاعات تبقي أسماءهم متداولة بين الناس على رغم غياب أعمالهم الفنية، حيث أنها لم تكن في أغلب الأحيان سلبية تجاه الفنانين والمشاهير، فبعضها إيجابي ولعب دوراً هاماً في رفع شعبية الفنان وجعل المهتمين بالمجال الفني من نقاد وصحافيين يولونه أهمية كبيرة.
وتنتشر ثقافة الأخبار الكاذبة في أوساط الفنانين ومشاهير المجتمع الذين يجتمعون في المجالس والحفلات وداخل مجموعات خاصة تعمل على نسج الإشاعات ونشرها ومحاولة إقناع الآخرين بها، وتختلف دواعي النشر من حالة إلى أخرى فإذا كان السبب الرئيسي من وراء نشر الإشاعة في أغلب الأحيان هو الكراهية والحقد حيث يعمد بعض المتنافسين أو المتخاصمين إلى إطلاق الأخبار الكاذبة عن بعضهم البعض فإن آخرين يطلقون الإشاعات بهدف التسلية وإضفاء جو من البهجة، بينما يطلق بعض الأشخاص الإشاعة عن نفسه لتحقيق هدف أو مصلحة شخصية.
ويعرّف الباحث محمد ولد الناجي الإشاعة بأنها أمر يذاع بين الناس ولا يكون له أصل في أغلب الأحيان، ويهدف لإثارة البلبلة والفتن والقلاقل، أو تمرير انتقادات، أو تحقيق غايات أو التأثير على المعنويات، أو الضغط على الناس وتوجيههم وجهة معينة.
ويضيف أن كثيراً من الإشاعات في موريتانيا انطلقت على سبيل الثرثرة والمزاح وتناسلت بفعل تفضيل المجتمع تتبع الأخبار ونقلها، بعد تحميلها بما هو مدهش ومثير لشد الانتباه ولفت الأنظار.
ويشير إلى أن بعض المجتمعات تقبل الإشاعات أكثر من غيرها وتفضلها على الأخبار الصحيحة بسبب الثقافة الاجتماعية السائدة وانعدام الشفافية وأزمة الثقة في السياسيين عامة، ويوضح أن "هناك عوامل تساهم في ظهورها وانتشارها، مثل وجود أزمات أو كوارث أو تجاوزات، حيث تظهر وتتكاثر والإشاعات في أجواء الاستياء والسخط والقلاقل أكثر من أوقات السلم الاجتماعي".