لم تتوقف جرائم قتل النساء في قطاع غزة، وكان آخرها مقتل السيدة "نهى" على يد زوجها، بعد تعرّضها لضرب مبرح بأدوات حادة، سببت لها نزيفاً داخلياً أدى إلى وفاتها على الفور، ليسجّل مقتل هذه السيدة الحالة الأولى لجرائم قتل النساء خلال العام الحالي.
وبعد فحص الطب الشرعي في غزة لجثة "نهى"، تبيّن أنها توفيت داخل منزلها بعد نزيف داخلي أحدثته كسور في عظام الصدر، نتجت من ضربها بأدوات حادة في صدرها، ونقلت بعد ساعتين من النزيف إلى المستشفى في مدينة غزة وهي جثة هامدة، وعليها آثار كدمات.
العنف والقتل
حال "نهى" تُعدّ الأولى خلال العام الحالي في قطاع غزة، لكنها من المؤكد لن تكون الأخيرة، كما يعتقد حقوقيو المؤسسات النسوية، وبهذه الحالة تكون جرائم القتل نتيجة العنف الأسري ارتفعت في الأراضي الفلسطينية إلى خمس حالات، أربع منها في الضفة الغربية، وبحسب المعلومات المتوافرة لدى جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن جرائم القتل نتيجة العنف الأسري ارتفعت خلال الأعوام الخمسة الماضية، إذ في عام 2021 سجلت ست حالات قتل واحدة فقط في الضفة الغربية، والبقية في قطاع غزة، وعانت حوالى 20 سيدة من جروح مختلفة جراء تعرّضهن للعنف في القطاع.
وعام 2019، قُتلت 35 امرأة في الأراضي الفلسطينية، وتعرّضت 50 في المئة من المتزوجات في غزة للعنف بالضرب خلال الفترة ذاتها، ونحو 40 في المئة منهن مارس أزواجهن ضدهن العنف الجنسي، وأكثر من 90 في المئة جرى تعنيفهن لفظياً، وفضلت 61 في المئة من النساء اللواتي تعرّضن للعنف السكوت بشكل كامل، و24 في المئة منهن لجأن إلى بيت الأهل، وواحد في المئة ذهبن إلى مقر الشرطة أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى أو الحصول على مساعدة، كما تعرّضت 378 امرأة للعنف المبني على النوع الاجتماعي (التمييز بين ذكر وأنثى).
ويقول الناطق باسم الشرطة الفلسطينية أيمن البطنيجي إنهم أحالوا زوج "نهى" إلى التحقيق بعدما أقرّ باعتدائه عليها، استعداداً لإحالة القضية إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية، مضيفاً أنهم في كل الحالات يعملون على إيقاف الجناة مرتكبي جرائم العنف، ويفتحون تحقيقات لكل قضية للوقوف على الأدلة وملابسات الجريمة، لتقديم الملفات إلى النيابة العامة التي من شأنها أن تتخذ العقوبة المناسبة.
لا نصوص قانونية
ولا يوجد في قطاع غزة أي نصوص قانونية يمكنها تجريم مرتكب العنف ضد النساء ولا معاقبة مرتكبي جرائم القتل نتيجة العنف الأسري. وبالعادة، تحكم النيابة العامة على القوانين والتشريعات سارية المفعول، وأبرزها قانون العقوبات الفلسطيني، إذ في هذا القانون الذي يعود إلى عام 1936، تنص المادة 215 منه على أن "كل مَن أدين بارتكاب جناية القتل قاصداً يعاقَب بالإعدام"، وبناء عليه، فإن من المفترض أن تحكم مؤسسات التشريع على مرتكب جرائم العنف الأسري بالإعدام، لكن يعتقد الباحثون في الشأن النسوي الحقوقي أنه بات غير مناسب للفترة الحالية، وحتى إن حكم المشرع وفق هذا القانون، فإن القاتل أو مرتكب العنف، لديه من الثغرات ما يكفي. ففي القانون، يجب قبول المعذرة في حال ارتكب الجاني جريمته درءاً لنتائج لا فرصة لاجتنابها، والتي لو حدثت تلحق ضرراً بليغاً بالجاني أو بشرفه أو بنفسه.
هذا الجزء من القانون يمنح القاتل أو مرتكب جريمة العنف الأسري الحق في الحصول على حكم قضائي مخفف على جريمة القتل، وفق مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية زينب الغنيمي التي قالت، "القانون المعمول به يفتقر إلى نصوص تحمي المرأة من العنف، إذ لا يوجد نص واضح يعالج ظواهر العنف الأسري. إن قانون العقوبات الفلسطيني جرت صياغته في زمن الحكم العثماني وفترة الإدارة المصرية للقطاع، وبات لا يوفر حماية حقيقية للنساء ضحايا العنف والناجيات منه، وفيه يفلت الجاني من العقوبة، خصوصاً في الجرائم التي تحدث على خلفية الشرف".
مشروع قانون فقط
فعلياً، يوجد مشروع قرار بقانون صادر عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ينص على حماية الأسرة ومعاقبة مرتكبي العنف، إلا أنه لم يقرّ بعد، وهناك مسودة (قانون حماية الأسرة الفلسطينية) وضعت عقوبات بحق منتهكي حقوق السيدات، وجرى فعلياً تطوير نحو ثماني مسودات من مشروع قانون حماية الأسرة والطفل منذ عام 2014 حتى 2020، والغريب أن مجلس الوزراء الفلسطيني صادق بالقراءات الثلاث على مشروع القانون، ورفعه إلى الرئيس عباس لإصدار قرار بقانون فيه في ظل تعطيل المجلس التشريعي.
وحول مشروع القانون، قال وكيل وزارة التنمية الاجتماعية داوود الديك، "إنهم صاغوا قانون حماية الأسرة من العنف، لمحاسبة الجناة وإعادة تأهيلهم ودمج الضحايا والجناة والوقاية ومنع العنف من خلال سياسات وبرامج للحدّ من انتشاره. إن القانون يحمي الأسرة من العنف النفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي، والتمييز والتزويج القسري، وفيه تُشكّل وحدة حماية الأسرة في الشرطة ونيابة للأسرة لحمايتها وقضاء مختصاً، ويُمنع إسقاط الحق الشخصي حتى لا يفلت مرتكب العنف من العقوبة وعلى أثره تزيد الحالات"، وأضاف الديك، "استُبدلت عقوبة الحبس بالخدمة المجتمعية، حتى لا يخرج مرتكب العنف من السجن وقد ازداد العنف لديه أكثر، باستثناء مرتكبي جرائم القتل، التي جرى تشديد عقوبتها بمقدار النصف حتى لا يفلت المجرم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن هذا القانون جيد من وجهة نظر المؤسسات الحقوقية والنسوية، إلا أن الرئيس عباس لم يصادق عليه ليصبح ساري التنفيذ في الضفة الغربية، وكذلك لم يقرّه أو يدرسه المجلس التشريعي في قطاع غزة.
ولفت نائب مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حمدي شقورة إلى أن التعويل على إقرار القوانين والتشريعات يقع على رئيس السلطة الفلسطينية، بينما في غزة من المستبعد إقراره، وعلى كل حال، من الضروري تطبيقه في القطاع وتعديل التشريعات ومواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية، والوفاء بالتزامات السلطة التي نصت عليها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، ومواءمة التشريعات والقوانين بالاستناد إلى مبدأ العدالة وإلغاء التمييز.
قد لا يطبق في غزة
في الواقع، يستبعد الحقوقيون أن تطبّق سلطات غزة أي قانون لحماية الأسرة من العنف، إذ دائماً تخالف كل ما يصدر من الضفة الغربية، بخاصة في شأن التشريعات. وتقول مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة هبة الزيان، "في حال المصادقة على القانون، هناك خوف من عدم تطبيقه في غزة، خصوصاً في ظل الانقسام وأثره في القوانين وإنفاذها، وتطبيقه متعلق بمدى اقتناع جهات الاختصاص في القطاع به". وتؤكد الزيان أن الحكومة الفلسطينية أظهرت إرادة سياسية قوية للقضاء على العنف ضد النساء من خلال تبنّي سياسية صارمة تجاه مرتكبي العنف ضدهن، وذلك من خلال تنفيذ الأهداف الألفية التنموية وتبنّي الاستراتيجية الوطنية للقضاء على العنف ضد النساء، إضافة إلى المصادقة أخيراً على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. وتشير إلى أنه على الرغم من ذلك، رصدوا في هيئة الأمم المتحدة ارتفاعاً لوتيرة العنف ضد النساء في القطاع خلال الأشهر الماضية، ويأتي ذلك منسجماً مع زيادة هذه الظاهرة خلال العام المنصرم، في وقت قد تكون الأسباب في بقاء الأسر التي تعاني مشكلات اقتصادية وظروف الاكتظاظ داخل المنازل جراء انتشار كورونا.