اتهم رئيس الحكومة الليبية الجديدة فتحي باشاغا، اليوم الخميس، منافسه عبد الحميد الدبيبة الذي يرأس حكومة أخرى في طرابلس، بمنع أعضاء حكومته من السفر من طرابلس إلى طبرق في شرق البلاد، حيث مقر البرلمان، لأداء اليمين القانونية.
ومنح مجلس النواب الثلاثاء الثقة للحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، لتحل محل حكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التنازل عن منصبه إلا "لسلطة مُنتخبة". وحدد موعداً لأدائها اليمين القانونية اليوم.
استغلال السلطة
وفي رسالة وجهها فتحي باشاغا إلى مكتب النائب العام، ونشرها مكتب باشاغا الإعلامي، اتهم هذا الأخير ما وصفها بـ"الحكومة المنتهية الصلاحية باستغلال السلطة، وبإقفال المجال الجوي الليبي بالكامل".
واعتبر أن ذلك "يمثل انتهاكاً لحق التنقل، واعتداء على السلطة الدستورية والسياسية"، متهماً حكومة الدبيبة بمنع حكومته "من ممارسة مهام واجباتها".
ولم تصدر حكومة الدبيبة حتى اللحظة أي تعليق رسمي على هذه الاتهامات.
كما اتهمت حكومة باشاغا مجموعات مسلحة باحتجاز اثنين من وزرائها.
وأوردت قناة "ليبيا الأحرار" أن مسلحين احتجزوا وزير الخارجية في الحكومة الجديدة حافظ قدور، ووزيرة الثقافة صالحة التومي أثناء توجههما براً إلى طبرق لحضور جلسة أداء اليمين.
وشهدت جلسة البرلمان، التي عقدت الثلاثاء، لمنح الثقة لحكومة باشاغا، انتقادات طالت عملية التصويت اتهم فيها عبد الحميد الدبيبة، مجلس النواب بممارسة "التزوير" لتمرير الحكومة الجديدة، محذراً من أي محاولة لاقتحام مقار حكومته في طرابلس.
وعين مجلس النواب مطلع الشهر الماضي وزير الداخلية السابق والسياسي النافذ فتحي باشاغا (60 سنة) رئيساً للحكومة ليحل محل الدبيبة.
وجاء اختيار باشاغا، بعدما اعتمد مجلس النواب خريطة طريق جديدة يُعاد بموجبها تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات في غضون 14 شهراً كحد أقصى، ما تسبب في انقسام ورفض حول إرجائها إلى هذا التاريخ الذي اعتبره البعض بعيداً، بينما كان من المفترض أن تكون هذه الانتخابات قد أجريت في نهاية السنة الماضية.
وعين ملتقى الحوار السياسي الليبي قبل سنة الدبيبة على رأس حكومة انتقالية مهمتها توحيد المؤسسات وقيادة البلاد إلى انتخابات رئاسية وتشريعية حدد موعدها في 24 ديسمبر (كانون الأول) الفائت.
لكن، الخلافات العميقة أدت إلى تأجيل هذه الانتخابات إلى أجل غير مسمى. وكان المجتمع الدولي يعلق آمالاً كبيرة عليها لتسهم في استقرار بلد مزقته ولا تزال الفوضى منذ 11 عاماً.
ويوجد حاليا رئيسان للوزراء في السلطة، ولم يتضح بعد موقف المجتمع الدولي من ذلك، وتتصاعد التحذيرات من أن يكون وجود حكومتين بداية لانقسام سياسي جديد كالذي شهدته البلاد مع "رأسين تنفيذيين" على مدى أعوام طويلة قبل التوصل إلى اتفاق سياسي برعاية الأمم المتحدة بدأ تنفيذ مساره مع تولي الدبيبة رئاسة حكومة "وفاق وطني".
وتلقت حكومة باشاغا دعماً دولياً مهماً يعزز موقفها في النزاع على الشرعية، الذي تخوضه مع حكومة الوحدة، إذ أعطت الأمم المتحدة ضوءاً أخضر للتغييرات التي أجراها البرلمان على السلطة التنفيذية، بينما رحبت روسيا بالحكومة الجديدة، التي شكلها، معربة عن استعدادها للتعاون معها.
دعم دولي
ودولياً، كشفت الأمم المتحدة عن موقفها من التطورات السياسية التي تعيشها ليبيا حالياً، التي تهدد بعودة الانقسام الحكومي، وتشتت المؤسسات من جديد، قائلةً إنها "تحترم السيادة الليبية على القرارات التشريعية"، ما اعتبر موافقة ضمنية أو في الأقل عدم اعتراض على التغييرات البرلمانية على السلطة التنفيذية.
وشدد متحدث الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، على "احترام الملكية الليبية العملية التشريعية الجارية، مع أهمية ضمان أن تكون تلك العمليات والقرارات شفافة ملتزمة بإرساء القواعد والاتفاقيات".
وأكد دوجاريك، "أهمية الحفاظ على الهدوء والاستقرار الذي تحقق منذ التوقيع على وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2020". ودعا "جميع الجهات الفاعلة إلى تجنب أي تحريض على العنف وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة".
ومن جانبها، رحبت وزارة الخارجية الروسية بتشكيل الحكومة الليبية الجديدة، وقالت إنها "تعتزم التعاون معها من أجل تسوية سريعة للأزمة في ليبيا".
وأضافت الخارجية الروسية، في بيان، "نرحب بقرار البرلمان الليبي هذا، ونعتبره خطوة مهمة نحو تجاوز الأزمة التي طال أمدها في ليبيا، على أساس تحقيق اتفاق وطني في إطار حوار ليبي داخلي شامل".
وتابعت، "نحن على استعداد للتعاون بشكل بناء مع حكومة باشاغا من أجل زيادة تعزيز التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، وكذلك تطوير العلاقات الروسية الليبية الودية التقليدية، والتعاون متعدد الأوجه متبادل المنفعة".
تحالف المشري والدبيبة
في طرابلس، يبدو أن التحالف الجديد بين رئيس الحكومة الموحدة، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، سيعمل بكل السبل الممكنة لمنع تنفيذ خريطة الطريق الجديدة للبرلمان، التي تتضمن تشكيل حكومة جديدة وإجراء تعديلات جوهرية على هيئة صياغة الدستور، ضمن خطة جديدة للوصول إلى انتخابات شاملة بعد عام ونصف العام.
وفي السياق، كشف الدبيبة والمشري عن إجراءات جديدة لدعم الخطة الحكومية الرامية لتنظيم انتخابات عاجلة بداية الصيف المقبل، وبحسب إيجاز صحافي لمكتب الدبيبة، "تناول الطرفان في اجتماع بطرابلس التطورات السياسية التي تشهدها البلاد، وأكدا ضرورة المُضي في تنفيذ العملية الانتخابية في أسرع الآجال الممكنة".
وبحسب، البيان الحكومي، "ناقش رئيس الوزراء تفاصيل القاعدة الدستورية التي جهزها مجلس الدولة لتنظيم الاستحقاق الانتخابي، في موعده المحدد يونيو (حزيران) المقبل".
ورد الناطق باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، رداً حاداً على مواصلة رئيس الحكومة المقال رفض التنازل عن منصبه، مهدداً بـ"ردع رئيس حكومة الدبيبة إذا صمم على إقامة حكومة موازية، وسيتم تمكين رئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا من مباشرة مهامه بإرادة الليبيين ومساهمة المجتمع الدولي".
وبعيداً من صراع الشرعية المُحتدم بين رئيسي الحكومتين المتنافستين على السلطة، بدأ محللون ومهتمون بالشأن السياسي في تمحيص التشكيلة الحكومية التي حازت ثقة البرلمان، وسط انتقادات وجهت لرئيس وزرائها فتحي باشاغا، بشأن ثلاث مسائل، حجمها الموسع وحصة الجنوب الصغيرة والتمثيل الضئيل للمرأة فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حكومة أزمة
وكان البرلمان قد صوت، الثلاثاء الماضي، بالإجماع على منح الثقة لحكومة "الاستقرار" بتشكيلتها الوزارية كاملة، المشكلة من 29 وزيراً وستة وزراء للدولة.
وتسبب هذا التوسع في عدد الوزارات بانتقادات كثيرة لرئيسها فتحي باشاغا والبرلمان الذي منحها الثقة، ورأى المعترضون على حجم التشكيلة الحكومية أن البلاد كانت بحاجة إلى حكومة أزمة بعدد قليل من الوزراء، تركز خلال مدة ولايتها على ملف الانتخابات والتجهيز لها.
وعلق رئيس الهيئة العليا لتحالف القوى الوطنية، توفيق الشهيبي، على الحكومة التي عرضها فتحي باشاغا للبرلمان قائلاً إن "كثرة الوزارات بوجود 30 وزيراً وستة وزراء دولة لا يبشر بخير، كان باستطاعة باشاغا أن يفرض حكومته على مجلس النواب، وينال الثقة بعدد أقل بكثير من الوزراء، بدل هذا التوسع المفرط الذي سيجعلها تسير على نهج سابقتها".
وأضاف، "حكومة من 35 وزيراً وبما لا يقل عن 80 وكيل وزارة، هذا يعني زيادة كبيرة في الإنفاق، وسيؤدي بالضرورة لأبواب فساد مشرعة في ظل انقسام الأجهزة الرقابية وعدم فاعليتها".
واعتبر الناشط السياسي، أحمد بوعرقوب، أن التوسع في التشكيلة الحكومية التي جمعها فتحي باشاغا، ونالت ثقة البرلمان كانت خياراً لا مفر منه، قائلاً "أزمة ليبيا أكبر من أن تحلها حكومة مصغرة، وجمع شتات الوطن يحتاج إلى فتح باب المشاركة أمام الجميع دون إقصاء أو تهميش، بهدف تحييد كل الخلافات التي تقف أمام بناء الدولة".
ودعا إلى "منح فرصة للحكومة لتعمل قبل الحكم عليها، بدلاً من انتقادها ووضع العراقيل في طريقها قبل حتى أن تخطو خطواتها الأولى في السلطة".
ولم يكن التوسع في التشكيلة الوزارية الباب الوحيد لانتقاد الطريقة، التي شكلت بها، بل شمل أيضاً تقليص الحصة الوزارية التي مُنحت للمرأة، التي لم تتجاوز حقيبتين وزاريتين فقط، بتسمية صالحة بشير الدروقي، وزيرة للثقافة، فيما ستشغل انتصار سالم عبود منصب وزيرة دولة لشؤون المرأة.
وعد هذا العدد من الوزارات تراجعاً كبيراً في ملف الحقوق السياسية للمرأة التي عززت مشاركتها وحضورها في الحكومة السابقة بخمس وزارات، من بينها الخارجية التي مُنحت لنجلاء المنقوش كأول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ البلاد.
حصة الجنوب
الانتقاد الثالث الذي وجه للحكومة كان بشأن الحصة الوزارية الضئيلة التي منحت للجنوب، التي اقتصرت على سبع وزارات من بين 29 وزيراً وستة وزراء دولة، ما أثار اعتراضات كثيرة من نواب المنطقة الجنوبية، كادت تفشل عملية التصويت على منح الثقة لحكومة فتحي باشاغا هذا الأسبوع.
وانتقد وكيل وزارة الخارجية السابق، حسن الصغير، ما وصفه بـ"تهميش إقليم فزان في توزيع المناصب بالحكومة الجديدة"، قائلاً "رئاسة مجلس النواب أخذتها برقة ولا تريد التنازل عنها، ورئاسة الوزراء أعطيت لطرابلس، بينما الجنوب لا ينال حتى حصة عادلة من الوزارات". مضيفاً "أعتقد لو لم نكن نحن من يصدر لهم الماء والنفط لهم لتنازلوا عنا لتشاد أو النيجر أو أي دولة أخرى".