أمام أرفف المراكز التجارية يقف كثير من المصريين يومياً بنظرات لا تخلو من الدهشة من أسعار السلع الغذائية المعروضة، والتي ارتفع بعضها بنسب تزيد على 30 في المئة، لكن قرار الشراء لا يمكن التراجع عنه، في ظل القلق من ارتفاع جديد في الأسعار حال استمرار الحرب في أوكرانيا، ما يدفع كثيرين إلى شراء احتياجات شهر رمضان قبله بثلاثين يوماً على حلوله. وعزز ارتفاع أسعار النفط والذهب والقمح عالمياً مخاوف المصريين من أن تؤثر تداعيات الحرب في عمليات التصدير والاستيراد ما ينعكس بأسعار السلع الغذائية.
بدأ محمد محمود، موظف، في بداية الثلاثينيات من عمره، جولاته الشرائية استعداداً لشهر رمضان، ولاحظ ارتفاع الأسعار بشكل كبير ما جعله يقلل من متطلباته بعض الشيء، بالاستغناء عن بعض الأصناف أو تعويض أنواع بأخرى أقل في السعر، أملاً في أن يكفيه راتبه في الأيام المقبلة لتلبية متطلبات أسرته.
تقلبات السعر
من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا الارتفاع العالمي في أسعار القمح، كان أبرز ما أثار مخاوف المصريين، حيث تستورد القاهرة 70 في المئة، وخلال الأيام الماضية لوحظ ارتفاع أسعار خبز "الفينو" المعبأ، ويباع في "السوبر ماركت" بزيادة نسبتها حوالى 20 في المئة، فيما لجأت بعض مخابز "العيش البلدي" إلى تقليل وزن الرغيف، ما جعل المخابز التي لا تزال تبقي على نفس جودة وسعر الرغيف مقصداً لكثيرين.
يقول الموظف الثلاثيني لـ"اندبندنت عربية"، "اشتريت كمية كبيرة من الخبز تكفي عائلتي لمدة شهر أو أكثر تحسباً لارتفاع الأسعار مع تزايد الأقاويل في وسائل الإعلام عن ارتفاع أسعار القمح نتيجة للحرب في أوكرانيا".
تقلبات الأسعار امتدت لتشمل سلعاً لا ترتبط بتداعيات الحرب مثل الخضروات واللحوم والدواجن، تقول دولت حسن، موظفة في الخمسينيات من العمر، "إنها تنزل كل يوم إلى السوق، ولا تعرف كيف ستكون الأسعار، فالزيادات مستمرة ومن دون مبرر، بحسب وصفها"، مؤكدة "أنها لم تقم بشراء احتياجات رمضان حتى الآن، ولا تستطيع حساب ميزانية الشهر بسبب التقلبات في السعر".
ويشكو أيمن حسن، موظف متقاعد، غلاء أسعار خضروات مثل الباذنجان والبطاطس إذ كانت تعرف بأنها "أكل الغلابة"، مؤكداً "أن البيض والألبان والخضروات ارتفعت حوالى 20 و30 في المئة"، وتوقع "أن يكون رمضان المقبل صعباً على معظم الأسر المصرية، خصوصاً إذا استمرت الحرب في أوكرانيا وتواصل ارتفاع الأسعار"، واعتبر "أن خوف التجار من المستقبل الغامض للتأثيرات الاقتصادية يدفعهم أحياناً لرفع الأسعار والمستهلك يدفع الثمن، مطالباً بتدخل حكومي يضبط الأسواق".
تدخل رئاسي
القلق من تأثير الحرب في أسعار السلع امتد إلى المسؤولين المصريين، حيث اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد الماضي، مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي لمتابعة توفر السلع وأسعارها والاستعدادات الجارية لشهر رمضان، وأكد وزير التموين عدم وجود مشكلة في توفر السلع الغذائية الأساسية خصوصاً القمح والأرز والسكر واللحوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح وزير التموين المصري، "أن مخزوم القمح يصل إلى 4 أشهر، كما أن موسم توريد الإنتاج المحلي يبدأ في أبريل (نيسان) المقبل، ما يجعل مصر تمتلك احتياطيات تكفي لتلبية الاستهلاك المحلي حتى نهاية العام الحالي"، وفق بيان للرئاسة المصرية. وشدد السيسي خلال الاجتماع على "استمرارية المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية ومتابعة أسعارها"، وتابع استعدادات الحكومة لإقامة معارض السلع ذات الأسعار المخفضة.
البرد هو السبب
وفي تصريحات صحافية، اعترف وزير التموين بزيادة أسعار السلع الغذائية بشكل متسارع فوق المعتاد، وبرر ذلك بأن جزءاً كبيراً منها منتجات مستوردة من الخارج تتأثر بأسعار النفط العالمية الذي ارتفع بشكل كبير أخيراً. ووجه رسالة طمأنة للمصريين، "بأن الحكومة تمتلك احتياطياً غذائياً من أغلب السلع وعلى رأسها اللحوم والطيور وغيرهما يكفي لمدة أشهر، إلى جانب توفير الوزارة المنتجات بأسعار مخفضة، ومراقبة الأسواق لمنع الاحتكار وحماية المستهلك من جشع بعض التجار".
وأضاف، "أن انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام الماضية كانت سبباً رئيساً في ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة"، مشيراً إلى "أن بعض السلع ارتفع سعرها لمدة 10 أيام، ثم عادت إلى المعدلات الطبيعية مرة أخرى".
الزيادة مستمرة
ومن المنتظر أن تستمر تأثيرات الحرب في أوكرانيا على حياة المواطن المصري، إذ توقع مساعد وزير التموين إبراهيم عشماوي في تصريحات لصحف محلية، حدوث موجات تضخم كبرى نتيجة لأزمة روسيا وأوكرانيا ليس فقط في أسعار الطاقة والغذاء، ولكن ستشمل مجموعة أخرى من السلع والخدمات، منها النقل والمعادن.
وقال رئيس شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية المصرية عبد العزيز السيد، "إنه في حال استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا سنواجه مشكلة كبيرة في الاستيراد"، موضحاً "أن مصر تعتمد على مجموعة من السلع الغذائية المستوردة، وفي مقدمتها اللحوم والحبوب، مثل القمح والذرة والصويا، ومن المتوقع أن تزيد أسعار تلك السلع بنسبة حوالى 20 في المئة"، بحسب تصريحات صحافية لعضو مجلس إدارة شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية بالجيزة أحمد عتابي.
وعقد الاتحاد العام للغرف التجارية اجتماعاً عاجلاً لمناقشة تكثيف متابعة الحركة التجارية في الأسواق ورصد مدى توافر السلع، حيث أكد رئيس الاتحاد إبراهيم العربي ضرورة زيادة رصد حالة الأسواق وإعداد تقرير يومي مفصل عن سير الحركة التجارية لتحديد أي مستجدات قد تطرأ على السوق، خصوصاً مع قرب حلول شهر رمضان"، بحسب بيان للاتحاد.