ملخص
-بيان صادر عن غرفة "عمليات الجنوب" أعلن فيه "النفير والتعبئة العامة في كامل حوران (درعا وبقية الجنوب السوري) للبدء بالعمليات العسكرية"، وفيه دعوة إلى "الجيش للانشقاق السريع"
-مع تتالي الأخبار الواردة من حلب، واقتراب المسلحين من حماة، سارع الناس في حمص وحماة لتموين أنفسهم ومنازلهم بكل ما يلزم من أغراض وسط اعتقادات بأن مصير مدنهم "السقوط الحتمي".
بعد السقوط السريع والمفاجئ لمدينة حلب شمال سوريا بأيدي ائتلاف الفصائل المسلحة المنضوية تحت راية "هيئة تحرير الشام – النصرة سابقاً"، وتمكنهم من السيطرة على المدينة ومساحات واسعة من أريافها وكذلك إطباق السيطرة على قرى ومدن محافظة إدلب، باتت الأنظار شاخصة نحو مدن أخرى وسط البلاد تمكنت بالفعل قوى غرفة عمليات "ردع العدوان" من التقدم نحوها وإسقاطها، على رأسها حزام ريف حماة الشمالي كمورك وكفرنبودة وصوران واللطامنة وغيرها، وعلى رغم التهويل الإعلامي الكبير فلا تزال قرى مثل قمحانة وجبل زين العابدين وسقيلبية ومحردة، والأخيرتان تشكلان عمقاً مسيحياً كبيراً في المنطقة، مع قرى عدة أخرى على الطوق الجغرافي ذاته صامدة لم تسقط بعد.
الجيش يؤكد تموضعه
وتواصلت "اندبندنت عربية" مع قادة ميدانيين في حماة ومناطق أخرى، أكدوا وصول تعزيزات ضخمة لجيش النظام السوري وقواته الرديفة من دفاع شعبي والبدء بالتحضير لعملية معاكسة نحو استرداد قرى قريبة سقطت في وقت سابق.
العملية المعاكسة التي كان أطلقها جيش النظام أفضت مبدئياً إلى استعادة السيطرة على قرى تل الناصرية وتل السمان وتل جديد وزور المحروقة وزور الحيصة وزور قصيعية ومناطق أخرى، وفي المقابل سقط خلالها رئيس فرع الأمن العسكري في حماة (بمعارك صوران)، وكذلك رئيس فرع الأمن العسكري في حلب الذي قضى في وقت سابق خلال معارك، لتكون هذه المعارك واحدة من أكثر الصراعات التي تسجل مقتل قادة ميدانيين برتب كبيرة بعد أعوام طويلة على هدوء الجبهات.
تقدم واسع
الفصائل المسلحة تمكنت فعلياً من السيطرة على مئات الكيلومترات المربعة في أرياف حلب وإدلب وحماة، وكذلك السيطرة على الطريق الدولي حلب – حماة وقطعه أمام حركة العبور، ليُترك طريق بديل للخروج من حلب هو طريق سفيرة – خناصر – أثريا قبل أن يُقطع أيضاً ويُحاصر الحلبيون داخل مدينتهم وسط تطمينات من قبل "هيئة تحرير الشام" على لسان زعيمها أبو محمد الجولاني بمنع التعرض للمدنيين وممتلكاتهم والحفاظ على أرواحهم.
لكن تلك التطمينات لم تترجم على أرض الميدان، بحسب سكان وشهود، إذ تعرض عدد من العائلات والأفراد لاعتداءات مباشرة بعضها أودى بحياة مدنيين من بينهم مدير البحوث العلمية في حلب يروانت أرسلانيان الذي قضى يوم أمس برصاصة قناص، وأكدوا انتشار قناصة في مدينة حلب تابعين لـ "تحرير الشام".
حماة مستعدة
بعد وصول الفصائل المسلحة مشارف حماة استشعر الناس خطراً داهماً مرده المجهول وما رافق عمليات حلب من غموض ومخاوف وقلق مما يمكن أن يحصل، إلا أن أرتالاً عسكرية ضخمة اكتفت بالتمركز عند أطراف المدينة وشمالها، المدينة التي تبعد 135 كيلو متراً جنوب حلب وترتبط معها بتشابك أرياف واسع تشترك إدلب فيه بجزء واسع، مشكلين معاً مثلث حلب – إدلب – حماة.
قائد شرطة حماة اللواء حسين جمعة أكد "جاهزية القوات في المدينة بصورة تامة مع استنفار كامل لكل الوحدات التابعة لوزارة الداخلية"، وأن "الجميع ثابت في مكانه بانتظار أوامر العمليات من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة من دون أن يكون هناك أي خلل في عمل الضابطة الشرطية والقضائية".
وبحسب سكان محليين وشهود، فقد حرصت الأجهزة الأمنية على تطمين الناس، لكن هؤلاء السكان يعتبرون أنه يفترض إطلاعهم وإبلاغهم بما يحصل، لافتين إلى أن البيانات التي تصدرها وزارة الدفاع مقتضبة وأنه لم يخرج أي مسؤول من الصف القيادي الأول ليشرح لهم بصورة موسعة واقع ما يجري.
حمص على وجه الخصوص
وإلى الجنوب من حماة بنحو 40 كيلومتراً تقع مدينة حمص، وبين المدينتين في المنتصف تقع بلدة تلبيسة التي أجرت في وقت سابق تسوية مع النظام من دون أن تلتزمها، ومع بدء معارك حلب تحركت تلبيسة ليوم واحد في الأقل، إذ تعرضت حواجز الجيش المحيطة لهجمات متفرقة، مما سبب خوفاً وقلقاً متناميين لسكان حمص وحماة.
تتميز حمص وحماة بتنوعهما الديني والطائفي والعرقي والديموغرافي عموماً، مما يجعل دواعي القلق أوسع بعد ما حصل في حلب، تحديداً لجهة الطريقة التي سقطت بها المدينة بصورة مباغتة وسريعة، وضبابية المشهد الذي يرى السوريون أنه ما من تفسيرات منطقية له.
ومع تتالي الأخبار الواردة من حلب، واقتراب المسلحين من حماة، سارع الناس في حمص وحماة لتموين أنفسهم ومنازلهم بكل ما يلزم من أغراض وسط اعتقادات بأن مصير مدنهم "السقوط الحتمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كأيام مضت
مريد الشاعر صيدلاني في حمص قال لـ "اندبندنت عربية" إن الناس خلال الأيام الأربعة الماضية صاروا يشترون الأدوية بالجملة وكأنهم يتهيأون لحصار طويل أو سقوط سريع، "من كان يشتري ظرفاً صار يشتري عبوة ومنهم من يشتري عبوات، عدا عن الطلب الكثيف على حليب الأطفال والمستلزمات النسائية الخاصة، والأمر كذلك في المتاجر ومحال البيع بمختلف أنواعها، إذ اكتظت بالناس فجأة".
ويضيف الصيدلاني أن ما حصل خلال هذه الأيام ذكره وغيره بالأيام العصيبة التي مرت بها حمص قبل نحو عقد، وكيف كان الناس يكتنزون الأشياء خشية انقطاعها ولضمان بقائهم آمنين في منازلهم أطول فترة ممكنة.
رأينا من مات
"الناس مرتعبة، من يريد للحرب أن تعود؟"، تقول المهندسة عائشة عجلوني، وهي سيدة تقيم في مدينة حماة وتعمل في دوائرها الرسمية، مؤكدة أن مدينتها واجهت أخطاراً كبرى خلال أعوام الحرب، لكن داخل المدينة لم يشهد مواجهات عسكرية واقتصرت الأمور على التظاهرات.
تقول "نحن دائماً نتبع المثل الشعبي التالي: لم نمت ولكن رأينا من مات، وبناءً عليه نحن نعرف الحرب جيداً، فأرواح عائلاتنا كما ممتلكاتنا وأرزاقنا غالية علينا، فهل علينا أن نخوض هذه التجربة المريرة مجدداً وأن نرى سقوط الأبرياء أمام أعيننا؟".
لم يتعافوا من الزلزال
يرى المتخصص في علم الاجتماع سابر الرضوان أن الحرب الماضية هجَّرت ملايين السوريين، فلا يجب أن تحصل حرب جديدة تهجِّر من تبقى منهم، ففي ظل الوضع القائم قد لا تبقى مدينة صامدة حتى العاصمة نفسها، دمشق، قد تكون مهددة.
وحول مخاوف الناس يقول "ذلك أمر بديهي وطبيعي، الناس حتى الآن لم يتعافوا من زلزال العام الماضي، ولا زالوا يعانون إرهاصات وبعضهم يخضع لبروتوكولات علاج، فكيف الحال بمن شهد الحرب وعرفها وفقد من يحب فيها، بغض النظر عن موقفه لكنه يعلم كم هي مؤلمة وبأن أول طلقة فيها ستحمل معها خسائر متلاحقة".
الجنوب السوري
خرجت اليوم ويوم أمس تظاهرات في مدينة السويداء حملت لافتات أيدت غرفة عمليات "ردع العدوان" داعية إياها إلى "تحرير" كامل سوريا، تزامناً مع بيان صادر من غرفة "عمليات الجنوب"، تعلن فيه "النفير والتعبئة العامة في كامل حوران (درعا وبقية الجنوب السوري) للبدء بالعمليات العسكرية".
وجاء في البيان "دعوة كل ضباط وعناصر الجيش السوري للانشقاق السريع" والانضمام إليهم، مع رفع الجاهزية القصوى والتجهيز ضمن مخطط عملياتي منسق ومنضبط.
تأتي تلك التحركات في الشمال والبيانات في الجنوب السوري في وقت لا يخفي فيه سوريون عبر منصات التواصل الاجتماعي دعمهم هذه العمليات، فيما يواجهها آخرون بالرفض التام، رفض للعودة إلى أيام الحرب التي لم يصدق كثر أنها رحلت، حرب كادت تفرغ البلد من شبابها نحو المهاجر البعيدة.