يشهد المغرب خلال العام الحالي بداية موسم جفاف إثر تراجع حجم الأمطار وغيابها لأشهر. وللتخفيف من أزمة ندرة المياه التي تعانيها البلاد منذ أعوام، تتجه الحكومة المغربية لاستخدام تقنية الاستمطار الصناعي، التي تساعد على زيادة التساقطات المطرية بنسبة تصل إلى 20 في المئة عبر تقنية حقن السحب بمواد كيماوية.
توالي الجفاف
تعاقبت على المغرب منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي مواسم جفاف بسبب تداخل عوامل عدة بينها التغيرات المناخية وارتفاع الطلب على الماء، مما دفع الحكومة إلى إطلاق برامج عاجلة للحدّ من تداعيات الجفاف.
يشير الباحث في القضايا البيئية جلال المعطى إلى أن "المملكة شهدت في حقبات متعددة تعاقب فترات الجفاف، التي تفاقمت نتيجة لعوامل مترابطة ومتشابكة، تتعلق بالتغيرات المناخية وارتفاع وتيرة النمو السكاني وتزايد الضغط على الموارد المائية المتاحة وتصاعد ظاهرة التمدين". ويلفت إلى "انتشار أحياء السكن العشوائي مع ما يرتبط به من انعدام مقومات البنية التحتية الأساسية، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الوضع تفاقماً في ما يخص ندرة الماء، ناهيك عن انتشار الزراعات العصرية المعتمدة على نظام الري بالضخ، وتزايد استعمال كميات من المواد الملوثة في مختلف الأنشطة الزراعية والصناعية، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تدهور جودة المياه".
يوضح المعطى أن "المغرب لا يزال يعاني عدداً من الإكراهات في مجال تعبئة الموارد المائية، بخاصة ضعف متوسط نصيب الفرد من الماء سنوياً، الذي يسجل معدلاً أدنى من 700 متر مكعب (أقل بكثير من معيار الأمم المتحدة الذي يوجد في حدود 1000 متر مكعب للفرد في السنة)، مما يشير إلى الوضعية المقلقة، التي تدخل البلاد في خانة الدول ذات النقص من حيث الموارد المائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر أن "التطورات التي عرفتها الموارد المائية منذ 1981 إلى 2010، على سبيل المثال، توضح وجود انخفاض وتراجع في حجم المياه بنسبة 16 في المئة من العوائد الطبيعية في جميع أنحاء البلاد، مما تفاقمت معه الآثار الناجمة عن التصحر في القطاع الزراعي والتنوع البيولوجي"، مشيراً إلى أنه "وبعد انقطاع هطول الأمطار طيلة الأشهر الأخيرة، لم يبقَ أمام الفلاحين المغاربة والمزارعين على وجه الخصوص سوى الاستعداد لموسم شحيح، إذ تعتمد معظم الأراضي الزراعية المغربية على تساقطات الأمطار، ما يجعلها رهينة لتقلّبات الطقس والظواهر الطبيعية".
للتخفيف من تداعيات الجفاف، أوضح وزير التجهيز والماء نزار بركة أنه "إضافة إلى البرنامج السنوي العادي، عملت الوزارة على إطلاق برنامج عاجل تكميلي، يتجه لإنجاز سدود تليّة وسدود صغرى، وكراء وشراء شاحنات صهريجية، إلى جانب تثبيت محطات متنقلة لتحلية مياه البحر، وإنجاز أشغال وشراء تجهيزات لتزويد جهة درعة تافيلالت بالماء الشروب، إلى جانب إطلاق برنامج الغيث الذي يهدف إلى رفع نسبة الأمطار أو الثلوج باستعمال تقنية تلقيح السحب".
برنامج "الغيث"
بعدما شهد موجة طويلة من الجفاف منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، شرع المغرب عام 1984 بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتعاون الدولي USAID)) في إطلاع مشروع "الغيث" الذي يضم تقنية تخصيص السحب، حيث تعتمد مديرية الأرصاد الجوية في ذلك على طريقتين، الأولى استخدام مولدات أرضية مثبتة على بعض قمم سلسلة جبال الأطلس، والتي تقوم بتحرير مواد كيماوية في السحب. أما الأخيرة، فتتم خلالها الاستعانة بمروحيات الدرك الملكي أو طائرات القوات المسلحة الجوية لتلقيح السحب بالسهول والمناطق المنبسطة وذات التضاريس المنخفضة، ويتم اللجوء إلى تلك المولدات والطائرات، كلما سجلت مديرية الأرصاد ظروفاً مناسبة عبر تحليل معطيات عن السحب، بين مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) وأبريل (نيسان) من كل سنة".
وبحسب مديرية الأرصاد، "فإن المغرب، الرائد على المستوى الأفريقي في ذلك المجال، تمكّن من خلال تلك التقنية التي تغطي مساحات واسعة، من زيادة حجم سقوط المطر بنسبة تصل إلى 20 في المئة"، مشيرة في دراسة اقتصادية لها إلى أن "كل زيادة في معدل الأمطار بالمغرب بمقدار 10 في المئة تسهم في رفع حجم الإجمالي للمحصول الفلاحي 3.4 في المئة". وقال وزير الماء والتجهيز إن "عدد عمليات برنامج الغيث بين نوفمبر وديسمبر (كانون الأول) من عام 2021 بلغت 5 عمليات جوية و23 عملية أرضية".
لكن الباحث في المجال البيئي جلال المعطى، يشير إلى أن "الاستمطار الصناعي ليس إلا حملة مرتبطة بزمان ومكان معيّنين، وأنه إجابة ظرفية مكلفة"، محذراً من كونه مخاطرة بيئية، لما يمكن أن ينتج من تفاعلات المواد الكيماوية المستعملة فيه. وأوضح "لأن الجفاف في المغرب معطى بنيوي هيكلي، وجبت مقاربته وفق نظرة وتوجّه واضحين يأخذان في الاعتبار التقاء السياسة العامة وإدماج التأقلم والتكيف مع التغيرات المناخية في جميع البرامج التنموية القطاعية والمجالية".
من جانبه، شدد وزير الماء والتجهيز على "كون برنامج الاستمطار الصناعي الذي يتم اعتماده من نوفمبر إلى أبريل من كل سنة، تُستعمل فيه مواد كيماوية غير ضارة بالبيئة مثل (يوديد الفضة) بالنسبة إلى السحب الباردة (-5 درجات) و(كلوريد الصوديوم) بالنسبة إلى السحب الدافئة".