يبدو جمال الطبيعة في قرية تامرووت في جبال الأطلس الصغير، في جنوب المغرب، مناقضاً للواقع الذي يجعل مراهقات يتزوجن قبل بلوغ سن 18 سنة، الحد الأدنى للزواج قانونياً.
هناك، حيث تنتشر أشجار اللوز، ما زالت ظاهرة زواج القاصرات منتشرة.
ومن القصص الكثيرة، تجربة نادية (اسم مستعار). فهذه الفتاة باتت في عمر الـ20 سنة مطلّقة وتتابع حالياً دروساً لمحو الأمية.
تروي بصوت مرتعش أنها تحاول إعادة ترتيب حياتها بعدما طوت صفحة زواج مبكر في سن 16 سنة، "كانت جحيماً، لكنها الآن جزء من الماضي".
وتضيف الشابة، "زُوجت لرجل كان في عمر والدي". وكان عنيفاً معها. ونجحت في الانفصال عنه وتعيش اليوم في بيت أهلها في قرية تامرووت.
وتحلم ناديا بأن تتمكن من "تحقيق استقلاليتها" الذاتية. وتقول باسمة على استحياء مغطية رأسها بحجاب، "أشجع فتيات القرية على أن يفعلن مثلي".
حالات غير موثقة
على الرغم من أن القانون في المغرب يحدد 18 سنة حداً أدنى للزواج، فإنه يتيح إمكانية تزويج قاصرات بأذونات استثنائية يمنحها قضاة.
ولا يحول الطابع الاستثنائي هذا دون انتشار ظاهرة الزواج المبكر. فقد منحت محاكم الأسرة أكثر من 13 ألف إذن لتزويج قاصرات في عام 2020، من أصل 20 ألف طلب.
ويشير رئيس النيابة العامة أثناء عرض هذه الأرقام في نهاية عام 2021 إلى وجود حالات لا تشملها الإحصاءات الرسمية لعقود زواج غير موثقة.
وتندد جمعيات نسائية وحقوقية بهذا الوضع، مطالبة بسد هذه الثغرة القانونية. بينما يصفها رئيس النيابة العامة بـ"المعضلة التي تستوجب مزيداً من اليقظة".
مأساة
وتتخذ هذه "المأساة"، كما تصفها رئيسة جمعية "إيطو" نجاة إيخيش، "حجماً كبيراً في المناطق النائية المعزولة والمهمشة"، مثل قرية تافراوتن. وتعمل هذه الجمعية على مناهضة زواج القاصرات منذ أكثر من عقد.
وتنظم كل عام "قافلة" مؤلفة من متطوعين تجوب المنطقة للتواصل مع السكان وتوعيتهم حولها لتفاديها.
وتحضيراً للقافلة المقبلة في يوليو (تموز)، تجوب إيخيش البالغة من العمر 63 سنة قرى المنطقة الأمازيغية في جهة سوس ماسة في جنوب المملكة، لعقد لقاءات مع سكان ونشطاء في الجمعيات المحلية.
وينظم متطوعون يعملون مع الجمعية حلقات توعية للسكان بشأن المشاكل الناجمة عن تزويج القاصرات رغماً عنهن، سواء على المستوى القانوني أو الصحي أو الاجتماعي... بالإضافة إلى فتح نقاشات معهم بشأن الموضوع، وتوزيع هبات على المعوزين.
لكن هذا العمل، تقول إيخيش، "يتسم بالحساسية نظراً إلى أن الموضوع يعد من المحرمات المجتمعية، ومن اللازم العمل أولاً على كسب ثقة مخاطبينا، خصوصاً الإنصات إليهم".
نقاش حذر
في قرية تمدغوست المجاورة، تبدو الأزقة خالية إلا من بعض الفتيات اللواتي يطبخن خبزاً على الطريقة التقليدية في أفران طينية جماعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتقدم نجاة إيخيش بلطف نحوهن لتفتح معهن نقاشاً حذراً سرعان ما يصير حميمياً في أجواء مرح باللغة الأمازيغية، يبدأ بالكلام عن ظروف العيش الصعبة في القرية التي "ليس فيها مدرسة ولا مستوصف".
وتأخذ أمينة (اسم مستعار) الكلام لتؤكد إرادتها في أن "تدبر حياتها" كما تشاء، على الرغم من انقطاعها عن الدراسة في سن السادسة، وزواجها في سن 17 سنة.
وتقول الشابة (23 سنة) وقد ارتدت رداءً أزرق "كانت لديَّ دائماً الرغبة في الدراسة، لكن لم يساعدني أحد، أخواتي عشن حالات أسوأ، فقد زُوجن في سن 14".
التحرر من "الظلمات"
وتعاني جهة سوس ماسة نسبة أمية مرتفعة وسط النساء تبلغ 44 في المئة، وفق الإحصاءات الرسمية لعام 2014. في حين تعد متابعة الدراسة وتطوير مهارات الفتيات لتمكينهن من تحقيق استقلالهن الذاتي ركيزتين أساسيتين لمناهضة زواج القاصرات، كما تؤكد المسؤولة في جمعية "إيطو" كريمة الرجراجي.
قبل أن تصبح مناضلة تناهض تزويج القاصرات، عاشت الرجراجي هي الأخرى هذه المأساة، فقد زُوجت في سن 14 لرجل كان عمره 56 سنة، من دون أن تتمكن من ولوج المدرسة.
لكنها قاتلت لتحرر نفسها من "الظلمات"، وانفصلت عن زوجها لتتمكن من التعلم بفضل انضمامها إلى جمعية "إيطو". وتضيف المرأة الأربعينية التي ترافق إيخيش في جولاتها في قرى المنطقة، "قررت أن أخصص حياتي لمساعدة فتيات القرية".
حماسة
تواصل السيدتان تجاذب أطراف حديث في جو أكثر حماسة مع فتيات القرية، في شأن السبل الكفيلة بجعل حياتهن أفضل، بين من تقترح العمل في نسج الزرابي التقليدية أو بيع الخبز للفنادق الموجودة في المنطقة... لكنهن متفقات على فكرة واحدة، هي ضرورة استفادة الفتيات كافة من حقهن في الدراسة.
وتقسم إيزا (اسم مستعار) ذات العينين اللامعتين على أنها ستفعل كل ما بوسعها لتمكين ابنتها من التعلم، بعدما حرمت هي من هذا الحق.
وتقول الشابة (23 سنة)، التي زوجت في سن 17 سنة، "يجب أن تكون نفسها وتصبح مستقلة ولا تكون مثلي".