سحبت السلطات الهولندية البرتقال المغربي من سوقها، بدعوى كشف التحاليل المخبرية عن وجود بقايا مادة "الكلوربيريفوس" بنسبة 0.017 مليغرام في الكيلو غرام الواحد، أي ما يتجاوز نسبة 0.010 مليغرام، المسموح به بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي.
وكان باحثون أميركيون في جامعة كولومبيا قد كشفوا قبل سنوات عن تسبب ذلك المبيد الحشري في حدوث تغيرات في هيكل الدماغ لدى الأطفال، بعد أن رصدوا حدوث تضخمات في تلافيف الدماغ لدى تلك الفئة ممن تعرضوا قبل ولادتهم لجرعات مرتفعة من تلك المادة. وكان الاتحاد الأوروبي قد منع دخول شحنة من النعناع المغربي في عام 2016، بسبب احتوائه على كميات هائلة من المبيدات، وذلك بعد لجوء مزارعيه إلى الإفراط في استعمال المبيدات حفاظاً على محصولهم من الأمراض، فيما يتوالى داخلياً تسجيل حالات تسمم في المطاعم والأسواق الشعبية، إضافة إلى توالي تفجّر قضايا الاستعمال المفرط لبعض المبيدات المحظورة.
ودقّ المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر في تقريره لعام 2018، كاشفاً عن وجود فساد أو تلوث أو انعدام المراقبة بخصوص الخضر والفواكه واللحوم والحليب ومشتقاته، مشيراً إلى أن" المغرب لا يتوفر على رؤية واضحة وسياسة عمومية مندمجة في مجال السلامة الصحية للمنتجات الغذائية".
وأوضح المجلس أن مجال التهريب في النقاط الحدودية يُصعّب عمليات المراقبة بسبب تهريب الحيوانات الحية والأدوية البيطرية ومبيدات الآفات الزراعية، ودخول أنواع كثيرة من المواد الغذائية المجهولة المصدر، كما كشف التقرير عن عدم خضوع الخضراوات والفواكه الموجهة للاستهلاك الداخلي لأي مراقبة لمدى خلوها من بقايا المبيدات في الزراعة، بعكس المنتجات الموجهة للتصدير.
حالة محدودة
من جانبه، قال المكتب الوطني للسلامة الصحية (تابع لوزارة الفلاحة، متخصص في حماية المستهلك وتوفير السلامة الصحية على طول السلسلة الغذائية للمنتجات الغذائية)، إنه تم إبلاغه من قبل السلطات الصحية الهولندية عبر نظام (RASFF) للاتحاد الأوروبي، في الثاني من مارس (آذار) الحالي، بخصوص شحنة البرتقال التي تم تصديرها من المغرب إلى هولندا، موضحاً أنه بعد قيامه بالتحريات الميدانية والمخبرية خلص إلى أن الأمر يتعلق بشحنة واحدة من البرتقال، وليس كل الصادرات الموجهة إلى السوق الهولندية من تلك المادة، وذلك بعد أن تمكن من تحديد الحقل المعني بالأمر وتتبع شحنة البرتقال المصدرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد المكتب أنه في إطار نظام إعادة تقييم مبيدات الآفات الزراعية المرخصة على الصعيد الوطني، تم منع استعمال مادة "الكلوربيريوفوس" في جميع الزراعات ابتداءً من 10 فبراير (شباط) 2022، مشيراً إلى أنه على الرغم حظر الاتحاد الأوروبي والمغرب مادة "الكلوربيريفوس"، فإنه لا يزال مرخصاً ببلدان أخرى، مثل كندا واليابان وأستراليا بنسبة لا تتعدى 1 ملغ/ كلغ من بقاياه في البرتقال، فيما شكك أبو عزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، في صحة ادعاءات السلطات الصحية الهولندية، موضحاً أن هولندا كانت تسوق البرتقال المغربي بروسيا، لكن الحظر المعلن على هذه الأخيرة بسبب حربها على أوكرانيا، دفع الشركة الموزعة بالأراضي المنخفضة للبحث عن حجة لفسخ عقدها مع المنتجين المغاربة لتفادي فائض العرض.
حالات قليلة
في المقابل، يمتلك الاتحاد الأوروبي أحد أعلى معايير سلامة الأغذية في العالم، وذلك بسبب مجموعة قوية من التشريعات التي تضمن الغذاء الآمن للمستهلكين، ويسهم في ذلك نظام RASFF الذي أنشأه الاتحاد عام 1979، وهو نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف، يُمكّن من التفاعل السريع عند اكتشاف المخاطر على الصحة العامة في السلسلة الغذائية.
ويشير المكتب المغربي للسلامة الغذائية إلى أن نظام الرصد الأوروبي أصدر في العام الماضي 952 إخطاراً بشأن الفواكه والخضراوات، 17 منها فقط تتعلق بالمغرب، أي بنسبة 1.8 في المئة من مجموع الإخطارات، وتم في العام الحالي إصدار 200 إخطار بشأن الفاكهة والخضراوات تلقى منها المغرب إخطاراً واحداً فقط، أي 0.5 في المئة، مما يدل، بحسب المكتب، على أن الفواكه والخضر المنتجة بالمغرب هي ذات جودة وموثوقة من حيث السلامة الصحة.
من جانبه، يوضح أبو عزة الخراطي أن مراقبة المواد الغذائية المغربية الموجهة للتصدير للاتحاد الأوروبي متشددة جداً، وتتم على مرحلتين، يقوم المكتب الوطني للسلامة الصحية بمراقبة أولية بمحطات التلفيف، وتتكلف فوداكس foodex (مؤسسة حكومية متخصصة في مراقبة المنتجات الموجهة للتصدير) بمراقبة أخرى، مما يجعل المنتج المغربي الموجه للمستهلك الأجنبي الأكثر ضماناً للجودة.
ضعف الرقابة
في سياق متصل، يؤكد أبو عزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، أن المغرب لا يملك الاستقلالية في مجال إنتاج المبيدات، ولا يضم مراكز علمية متخصصة في تحليل المبيدات.
ويقول، "نطالب منذ عام 2018 بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحماية المستهلك، تضم كلاً من هيئات المراقبة والبحث العلمي ومؤسسات التتبع والتموين"، مضيفاً، "لا نعلم لماذا لم تتم الاستجابة لذلك الطلب، ربما لوجود لوبيات لا يخدم وجود تلك الهيئة مصالحها، أم لغياب إرادة سياسية؟".
ويشير الخراطي إلى وجود ضعف في مجال المراقبة على المنتجات الاستهلاكية بالمغرب، موضحاً أن "مكتب السلامة الصحية يشكو من ضعف الموارد البشرية، ولا يعقل أن تراقب مجموعة صغيرة جداً من الخبراء مدينة بكاملها تضم آلاف محال المنتجات الاستهلاكية وعشرات الأسواق"، مطالباً بإنشاء شرطة للسلامة الغذائية، مشيراً إلى أنه منذ إنشاء المكتب حتى عام 2018، لم يقم سوى بجمع 17 عينة من المبيدات بالسوق المغربية قصد المراقبة، وارتفع عدد العينات منذ 2018 إلى 3000 بعد تدخل الجامعة الوطنية لحماية المستهلك.
من جانبه، يؤكد العامل الفلاحي، أطريشلي محمد، انتشار المبيدات المجهولة المصدر في المجال الزراعي المغربي، موضحاً أن ارتفاع نسبة الأمية في صفوف الفلاحين من جهة، وانتشار المحلات العشوائية لبيع المواد الفلاحية من جهة أخرى، والتي تسوق مواد مهربة، يزيد من احتمال رواج المبيدات الكيماوية المحظورة في السوق المغربية، مؤكداً غياب تواصل بين هيئات الرقابة على سلامة المنتجات والفلاحين، مما ينتج عنه جهل الفلاحين بقائمة المبيدات المحظورة.
لكن المكتب الوطني للسلامة الصحية أكد أنه يضع سنوياً برنامجاً لمراقبة ورصد بقايا مبيدات الآفات الزراعية في الخضراوات والفواكه على مستوى السوق المحلية، يغطي جميع جهات المغرب، وذلك لضمان سلامة المنتجات المسوقة.
وفي هذا السياق، تم خلال عام 2021، تحليل 2300 عينة من الخضراوات والفواكه على مستوى أسواق الجملة ونقاط البيع والضيعات الفلاحية، مضيفاً أنه سيتم تحليل 2500 عينة من الخضراوات والفواكه. وفي حالة عدم المطابقة تقوم مصالح المكتب باتخاذ التدابير التالية: السحب الفوري للشحنات غير المطابقة من السوق، والقيام بالتحريات الميدانية في الحقول، وإتلاف المحاصيل غير المطابقة، موضحاً أن جميع الخضراوات والفواكه المستوردة، تخضع لمراقبة تحليلية منتظمة على كل شحنة للبحث عن بقايا مبيدات الآفات الزراعية، بحيث يتم إرجاع المنتجات غير المطابقة، ولا يتم السماح بإدخالها إلى السوق الوطنية.