مجدداً قال بنك السودان في بيان إن "البنوك وشركات الصرافة ستخدم وتعلن أسعار بيع وشراء العملات من دون تدخل منه"، وأضاف البيان، "يأتي هذا الإجراء في إطار سياسات نقدية إصلاحية متكاملة ومستدامة سوف تصدر تباعاً تستهدف استقرار سعر الصرف وزيادة قدرة الجهاز المصرفي على استقطاب الموارد".
مرات عدة
ليست المرة الأولى التي يعلن فيها السودان خفض قيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى، وتم خفضها، العام الماضي، في إطار إصلاحات نفذتها الحكومة الانتقالية تحت إشراف صندوق النقد الدولي، وأدى القرار وقتها إلى استقرار في سعر الصرف أشهراً عدة، ولكن في أكتوبر (تشرين الأول)، بعدما أطاح الجيش بالحكومة حدث خلل في الاقتصاد السوداني بسبب تعليق المقرضين الدوليين المساعدات المقدمة للسودان، وفي الوقت الذي كان يعادل الدولار 440 جنيهاً سودانياً في البنك، ارتفع الدولار إلى 550 جنيهاً سودانياً في السوق السوداء، وقام بنك السودان المركزي برفع يده عن أسعار العملة ما جعل سعر الدولار في البنك يقفز إلى 590 جنيهاً وتجاوز 600 جنيه في السوق السوداء.
وقال مسؤول في وزارة المالية إن "الدولة ليس من مصلحتها تحرير سعر الصرف ولكن الواقع فرض عليها هذا الأمر. عدم الاستقرار السياسي سبب رئيسي في ما يحدث ونعمل على حل المشكلات العالقة والعودة للاندماج مع المجتمع الدولي الذي يترك تأثيراً مباشراً في الاقتصاد السوداني".
عملية تحرير الصرف
وتحرير الصرف بدأ في فبراير (شباط) 2021 عندما تم تحرير سعر الصرف مقابل الجنيه في عهد حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وتم تغيير سعره بطريقة يتحكم فيها البنك المركزي بسعر العملة الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وفي هذا الصدد، قال المحلل الاقتصادي وليد النور إن "الحكومة الانتقالية في فترة حمدوك حققت بعض النجاحات عبر الدعم المقدم من البنك الدولي عبر برنامج ثمرات الذي كان يستهدف الأسر الفقيرة. أما الآن، فتحرير سعر الصرف الذي بدأ في الثامن من مارس (آذار) رفع أسعار العملات وجعل الجنيه السوداني يفقد قيمته بطريقة خطيرة. الآن الدولار الأميركي يعادل 600 جنيه وهذه الزيادة ستسهم في أسعار السلع، وهناك زيادات جنونية بدأت تظهر في أسعار المحروقات والمواصلات وأسعار السلع الضرورية ما سيترك تداعياته في القوة الشرائية ويدفع المواطنين للاستغناء عن شراء الكماليات، وأيضاً على عجلة العمل والخدمة المقدمة للمواطنين وتحجيم الشركات الأجنبية التي كانت لها رغبة في الاستثمار في السودان، مع التأثير في الصادرات والواردات وفقدان العملة المحلية مع عدم وجود احتياطي نقدي في البنك المركزي والبنوك التجارية. ما يؤكد وجود آثار كارثية على البلاد".
الإصلاحات الاقتصادية
ويعيش السودان أزمات متعددة سياسية واقتصادية وأمنية، وأضاف النور، "عندما يكون هناك استقرار سياسي ستتوافر إرادة سياسية مع انفتاح مع العالم والاستثمار فيه سواء كان استثماراً زراعياً أو حيوانياً أو معدنياً وعودة السودان قبل 25 أكتوبر مع المجتمع الدولي المالي. مع انفتاح على صندوق النقد الدولي"، أما في ما يتعلق بالحلول الاقتصادية فقال النور، "يمكن إنقاذ الاقتصاد عبر البرامج المنفذة مع إعفاء الديون، وستدخل الشركات التي لها علاقة مباشرة في الاقتصاد. لكن في ظل هذه الأزمة الخانقة لن ينصلح الاقتصاد بل يتم الأمر بزيادة الإنتاج واستقطاب الشراكات الكبيرة خصوصاً البنية التحتية التي يحتاجها البلد".
انهيار في السوق
وأدى تحرير سعر الصرف إلى انهيار واضح وسريع في السوق السودانية، حيث ارتفعت الأسعار بصورة جنونية بعد ارتفاع سعر المحروقات والتي تترك تأثيراً كبيراً في السوق، وشهدت زيادات جديدة في أسعار المحروقات وبلغ سعر ليتر البنزين 547 جنيهاً، وتعد هذه الزيادة الثالثة خلال شهر واحد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال أحمد عثمان أحد التجار في السوق إن "ارتفاع الأسعار ليس في مصلحتهم لأنها كلما ارتفعت شهدت السوق ركوداً ملحوظاً. لذلك نحن نتمنى الاستقرار الاقتصادي ولكن يبدو أنه مستحيل بسبب سياسات الدولة"، وأضاف عثمان، "البضائع يتغير سعرها يومياً لأن الجنيه مقابل الدولار غير مستقر. وعندما يتعلق الأمر بالبضائع المستوردة من المؤكد أن يتعلق الأمر بتحرير سعر الصرف. وعدد من التجار اتجه للتعامل بالعملات الأجنبية لعدم استقرار الجنيه السوداني".
تعقيدات كبيرة
وعن السياسات التي اتبعها السودان اقتصادياً، قال المحلل الاقتصادي محمد الناير إن "السودان اتبع ثلاث سياسات لتحرير سعر الصرف. أولها ما قبل عام 1992، حيث كانت سياسية سعر الصرف تسمى بالمدار، وكان السعر مستقراً وثابتاً بغض النظر عن سعره في السوق الموازية، بعدها اتبع سياسة سعر الصرف المرن، أي تعويم الجنيه السوداني، وهي السياسية نفسها التي تتبع الآن للمرة الثانية، واستمرت هذه السياسة فترة، ولكن تحول السودان بعدها لسياسة سعر الصرف المرن المدار، وهي خليط بين السياستين. وكانت تعمل بصورة معينة، إذ يقوم بنك السودان المركزي بوضع سعر تأشيري، إذا حدثت زيادة في سعر الدولار أكثر من ثلاثة في المئة من هذا السعر، ويتدخّل أيضاً عبر ضخ كمية كبيرة من النقد الأجنبي، وإذا حدث العكس، وأصبحت العملة الوطنية أقوى بمعدل ثلاثة في المئة من العملة الأجنبية، يقوم البنك بسحب جزء من النقد الموجود. ووجدت هذه السياسة وقتها تعقيدات ومشكلات".
وعن السياسة المُتبعة حالياً، قال الناير، "ما أعلن أخيراً هو سياسة تحرير سعر الصرف. وهنا يخضع تحرير سعر الصرف بحسب السوق (العرض والطلب)، وهذه السياسة من حيث إطارها النظري قد تكون سليمة لكن من حيث الإطار التطبيقي أو العملي، إذا لم يوجد احتياطي مقدر من النقد الأجنبي أو الذهب لدى بنك السودان، فستكون هناك تعقيدات كبيرة في المشهد الاقتصادي".
وعن دور الدولة في ذلك، أضاف الناير، "ذكر مجلس السيادة أنه اطمأن على احتياطي البلاد من العملات الأجنبية والذهب، ولكن هذا الأمر إذا كان حقيقياً سيظهر الأسبوع المقبل، لأن السوق الموازية تختبر الدولة في مثل هذه الظروف. الآن توقفت عمليات البيع الشراء، ولكن الأسبوع المقبل سيقوم باختبار الدولة، وسيحدد سعراً أعلى من سعر البنوك لمعرفة ما إذا كانت لدى الدولة كمية من النقد الأجنبي لضخها أم لا، وإذا شعر أنه متوافر، قد يتراجع، وحينها ستستطيع الدولة السيطرة على سعر الصرف شرط جذب تحويلات السودانيين خارج البلاد عبر البنوك. وحينها سيؤدي الأمر إلى استقرار مستدام. لكن الأرجح أن الدولة ليست لديها احتياطات مقدرة، وعندها ستحدد السوق الموازية سعر الصرف وستقفز قفزات كبيرة، ما سينعكس على مجمل الأوضاع الاقتصادية في السودان من خلال ارتفاع معدل التضخم وارتفاع سعر الصرف".
وعن الأزمات العالمية، اعتبر الناير أن "الوضع في السودان معقد، فبدلاً من مجابهة التعقيدات الداخلية، أصبحت هناك تعقيدات عالمية متمثلة في الأزمة الأوكرانية- الروسية خصوصاً أن السودان يستورد 45 في المئة من احتياجاته من القمح من روسيا".