Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بطل الملاكمة السابق الذي أصبح عمدة كييف يقاتل اليوم دفاعا عن مدينته

البطل السابق في الملاكمة من فئة الوزن الثقيل سبق وخاض مواجهات صعبة في مساره المهني، إلا أنه الآن يواجه، هو وشقيقه ولاديمير، مهمة جسيمة

"سأقاتل. ليس أمامي خيار آخر. ينبغي أن أقاتل".

هناك الكثير من الملاكمين المحطمين الذين يتركون تقاعدهم ويرمون بأنفسهم من جديد في الحلبة، وكل خطوة مترددة يخطونها تضاعف المسافة بين معركتهم الراهنة ومراحلهم الأولى. وهم سيقاتلون. لا خيار آخر أمامهم، بل ينبغي لهم القتال.

الكلمات أعلاه التي صدرت من البطل السابق في الوزن الثقيل الملاكم فيتالي كليتشكو، ليست كلمات من بطل أسطوري يعود مجبراً -لا بل حانقاً وغاضباً- إلى رياضة الملاكمة كي يخوض مباراة أخيرة مدفوعة، إذ إن الظروف الآن في الحقيقة هي مختلفة كل الاختلاف عن احتمال كهذا.

كليتشكو البالغ من العمر 50 سنة، الذي بات عمدة العاصمة الأوكرانية كييف، يقاتل اليوم دفاعاً عن مدينته. وثمة من لمح إلى أن كليتشكو المثالي هو تماماً من صِنف الأشخاص الذين يودهم المرء في معسكره إن اضطر إلى خوض الحرب. لكن هذا الكلام جاء ليقلل من شأن خطورة الوضع الذي قاد رجل سياسة إلى المخاطرة بحياته كي يخدم المواطنين الذين انتخبوه. لأن هذا ما يمثله كليتشكو في الواقع: إنه رجل سياسة. فهو لم يعد "الدكتور آيرونفيست" (القبضة الفولاذية)، أي ذاك الرجل الذي حقق سجلاً احترافياً يتضمن 45 فوزاً مقابل خسارتين، حاسماً 41 فوزاً منها بالضربة القاضية، وذلك كي يتقاعد فيما بعد عام 2013 بطلاً للعالم في الملاكمة من فئة الوزن الثقيل.

عندما خلع كليتشكو قفازيه (أي اعتزل)، كان بلغ سن الـ41، لكنه لم يكن قد تذوق طعم الهزيمة طوال عشر سنوات. فقد حظي بتجربة مهنية في الملاكمة لم يحظَ بها أحد من قبله، ولا حتى بعده، مذاك. واللافت أن الدخول إلى الدائرة الضيقة من الملاكمين الناجحين مثل كليتشكو، عاد وحققه شقيقه الأصغر، ولاديمير – زميله السابق في بطولة الوزن الثقيل، الذي في عمر الـ45 التحق الشهر الفائت بقوات الاحتياط بالجيش الأوكراني، معلناً أن حبه لبلاده يضطره إلى الدفاع عنها.

وذاك يشكل انعطافة غريبة في قدر الشقيقين تدفعهما إلى الحرب في مواجهة روسيا، وذلك إن أخذنا في الاعتبار أن والدهما فلاديمير كان خدم في الجيش السوفياتي كضابط فخور، بلغ مراتب عليا تزامناً مع قيامه وزوجته، نادجدا، بتربية ولديهما فيتالي وولاديمير. وكان موقع الوالد قد منح ابنيه مستوى رفيعاً من الثقافة، وأسهم في تعليمهما الالتزام الذي انعكس إيجاباً في احترافهما الملاكمة وقاد إلى نجاحاتهما المتعاقبة على الحلبة.

والوالد الذي خدم آمراً عسكرياً سوفياتياً في قاعدة جوية كان واحداً من أول الذين تفاعلوا مع الكارثة التي حلت بمفاعل تشرنوبل النووي يوم 26 أبريل (نيسان) 1986. وخاطر فلاديمير مرات عديدة، قاصداً المنطقة التي وقعت حولها الكارثة للمساعدة في تنظيم عمليات التنظيف، من دون أن يعلم الكثير عن المخاطر المتعلقة بذلك.

"الرسالة الأولى التي وصلت من هناك لم تقل شيئاً سوى أن ثمة أمراً سيئاً حصل. وتم إطلاق الإنذار"، روى الوالد فيما بعد ضمن الوثائقي "كليتشكو" Klitschko الذي يتناول حياة ابنيه. وتابع قائلاً "كنت آمر قاعدة جوية، وقد قمنا في الحال بالذهاب إلى موقع الحادثة. منذ البداية حاولت الحكومة إخفاء حقيقة ما حصل والتقليل من شأنه. لقد أوهمونا بأن الأمر لم يكن بتلك الخطورة. ومن استطاعوا مغادرة كييف قاموا بذلك، لكن إن كان المرء جندياً فعليه القيام بواجبه".

توفي فلاديمير عام 2011 جراء إصابته بسرطان العقدة الليمفاوية بعمر الرابعة والستين، ورأى الأطباء أن مرضه ذاك ارتبط بتعرضه للإشعاعات في تشرنوبل. عن هذا قال فيتالي في الوثائقي "قضى والدنا وقتاً طويلاً في تشرنوبل، وفي النهاية تشرنوبل قضت عليه. الأطباء قالوا إن السرطان الذي أصابه جاء نتيجة تشرنوبل".

اليوم بعد مضي أكثر من عقد على وفاة والدهما، فإن الأثر العسكري القوي في طفولتهما يعود ويطرح نفسه على حياتهما من جديد ويطغى عليها. وكان ولاديمير قال عام 2011 "في سن الـ12، كنت تعلمت الرمي بالكلاشنيكوف (بندقية رشاشة)، وتدربت على التعامل مع القنابل اليدوية، واجتياز الأنفاق تحت الأرض، وخوض المناورات، ومواجهة هجمات الدبابات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيد أن مراهقة كل من فيتالي وولاديمير تطلبت منهما تمارين من نوع آخر، حين راح كل منهما يطور مهاراته في الملاكمة. كذلك مارس فيتالي لعبتي "الكيك بوكسينغ" والكاراتيه وحقق نجاحات عظيمة فيهما إلى جانب الملاكمة. لكنه استطاع أيضاً أن يجد وقتاً لدراساته الأكاديمية وتخرج في الجامعة سنة 1996 -العام نفسه لاحترافه الملاكمة على الحلبة- وذلك قبل أن يبدأ دراسة الدكتوراه في العلوم الرياضية. في المقابل حقق ولاديمير نجاحاً مماثلاً في الحقل ذاته، فحاز على لقب "دكتور ستيلهامر" (مطرقة الفولاذ) بموازاة لقب شقيقه.

وفي عام 1999 كان فيتالي قد أصبح سلفاً بطلاً عالمياً في الوزن الثقيل، محرزاً حزام "منظمة الملاكمة العالمية" WBO، إذ انتزعه من البريطاني هيربي هايد إثر مواجهة جرت بينهما في لندن. وذاك اللقب طور سجل البطل الأوكراني بمستوى 25 فوزاً مقابل صفر خسارة، على الرغم من أن فيتالي عاد ولقي خساراته الأولى كمحترف حين هزم في ثلاث مواجهات، وفقد اللقب أمام الأميركي كريس بيرد.

ولم يحظَ فيتالي بعد ذلك بفرصة استعادة الميدالية الذهبية، بيد أنه تلقى فرصة الفوز على بطل "منظمة الملاكمة العالمية" لينوكس لويس وتجريده من لقبه عام 2003، منتصراً في خمس مواجهات متتالية بعد خسارته أمام بيرد. إلا أن البريطاني (لويس) تمكن من إيقاف تقدم فيتالي في الجولة السادسة في لوس أنجليس، مجبراً "الدكتور آيرونفيست" على الانتظار كي يستعيد لقبه العالمي.

هنا أيضاً رد فيتالي على الخسارة بطريقة جيدة، ففاز على الكندي كيرك جونسون بالجولة الثانية، مستعيداً لقب "منظمة الملاكمة العالمية" عام 2004. وفي ثماني جولات، وعبر الضربة القاضية الفنية، فاز فيتالي على كوري ساندرس. لكنه سوف يتنازل عن الحزام بعد إحرازه إياه إثر فوزه على سامويل بيتر، معلناً اعتزاله هذه الرياضة عام 2005 كي يتفرغ لمشاريع مستقبلية لا ترتبط بشخصه فقط، بل ببلده.

وقد عين فيتالي مستشاراً للرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو، ثم ما لبث أن ترشح لمنصب عمدة مدينة كييف. وبعد حملتين انتخابيتين فاشلتين، عاد البطل السابق إلى الملاكمة الاحترافية، واستعاد لقب "منظمة الملاكمة العالمية" عام 2008، حيث تابع تحسين سجله كي يتضمن 13 فوزاً متتالياً توجت اعتزاله الثاني عام 2013، حين تخلى عن اللقب مرة ثانية.

وبعد سنة واحدة فاز فيتالي أخيراً بالانتخابات البلدية في كييف ممثلاً لـ"التحالف الأوكراني الديمقراطي من أجل الإصلاح". وهو اليوم يقترب من السنة التاسعة لتوليه مهام عمدة البلدية.

لكن مقابل كل المعارك التي خاضها البطل الأوكراني على الحلبات، لا أحد يمكنه المقارنة بينها وبين المعركة التي وجد نفسه اليوم إزاءها. فهو يقاتل من أجل بلده ومدينته وعائلته – المؤلفة من ثلاثة أولاد وزوجته الروسية نتاليا إيغوروفا، لاعبة التنس المحترفة السابقة. إذ يقوم الجيش الأوكراني وقوات المتطوعين بالتحضير لسيناريو هجوم شامل تتعرض له كييف، وذلك تزامناً مع ما قاله فيتالي قبل بضعة أيام عن أن نحو مليوني شخص، أو ما يقارب نصف سكان الأحياء المدنية، غادروا العاصمة الأوكرانية، وإن "كل شارع وكل منزل (في كييف) شهد عمليات تحصين".

ويبدو فيتالي في هذا الإطار واضحاً في حديثه عن قضية القتال الراهن، فذكر في حديث مع قناة "بي بي سي 5 لايف" "إننا نرى مستقبلنا كدولة ديمقراطية حديثة – إننا نقاتل من أجل قيمنا ومبادئنا وبلادنا". كما توجه بالشكر للأمم الأوروبية على ما تقدمه من دعم.

والجدير بالذكر أن فيتالي وولاديمير لم يتواجها أبداً على الحلبة، احتراماً لوعد قطعاه لأمهما على أن يبقيا معاً في سياق نجاحاتهما العظيمة برياضة الملاكمة.

واليوم هما معاً أكثر من أي وقت مضى، إذ يقاتلان من أجل مستقبل بلدهما. إنها معركة يراها فيتالي تتخطى شخصيهما كما هي أكبر من أوكرانيا "هذه الحرب تمس كل شخص في أوروبا. إننا نقاتل من أجل القيم ذاتها".

© The Independent

المزيد من دوليات