هل أصبح بالإمكان أن نصل إلى آخر ثانية من حياتنا ثم نمنح فرصة ثانية للحياة؟ يطمح كل إنسان أن يعيش حياته من دون ألم أو مرض ومهدئات ورحمة الأجهزة الطبية، لا أحد يريد أن يرحل من هذه الحياة مبكراً، فمع التطور المتجدد في مجالات الطب التي ساعدت في تحسين جودة الحياة ومنح الإنسان فرصة ثانية للعيش من خلال وهب أعضاء المتوفى لشخص آخر لإنقاذه، ومنحه فرصة ثانية للعيش مجدداً بعيداً من صوت الآلات الطبية وبرودة غرف الإنعاش والعناية المركزة، إلا أن هذا العمل الإنساني على الرغم من عظمته وسعي الدول لتشريعه، فإنه ما زال يواجه تقليلاً من عظمته لدى بعض أفراد المجتمعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السعودية، وعلى الرغم من محاولة تجاوزها فكرة التبرع دينياً وتشريعياً، فإن الفجوة بين أعداد المتبرعين والحالات التي تحتاج إلى زراعة أعضاء كبيرة، ويقدر إجمالي المرضى على قوائم الانتظار 6617 مريضاً، وثقافة التبرع لم تصل إلى المستوى المأمول.
الفيتو العائلي
وقد أتاحت خدمة التسجيل للتبرع بالأعضاء عبر موقع "توكلنا" الإلكتروني، وهو التطبيق الذي أطلق في أزمة كورونا لمتابعة الحالة الصحية للمواطنين ومن أجل ترسيخ العمل الإنساني ما زاد من أعداد المتبرعين، وتشير الأرقام إلى تسجيل ما يقارب نصف مليون شخص بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، إلا أن هذه الأرقام لا تعبر عن العدد الصحيح للمتبرعين، وبحسب بيانات المركز السعودي للتبرع بالأعضاء، تراجعت نسبة تبرع السعوديين من 3.7 متبرع لكل مليون نسمة إلى 2.96 متبرع لكل مليون نسمة للمتوفين في عام 2020 لارتفاع نسبة رفض الأهالي التبرع بأعضاء ذويهم بعد الوفاة، وحسب الأنظمة التشريعية لزراعة الأعضاء في السعودية، فالمتبرع لا يملك الحق في تقرير ما يحدث لجسده بعد أن يفقد القدرة العقلية أو يفارق الحياة على الرغم من توقيعه إقرار التبرع، إلا أن حق النقض العائلي أقوى منه في منع قرار التبرع لأي سبب كان، وإن تعارضت الأسباب مع معتقداته وأفكاره.
وذكر طلال القوفي المدير العام للمركز السعودي لزراعة الأعضاء أن تسجيل الرغبة في التبرع عبر التطبيق يعتبر من أهم العوامل التي تساعد في إقناع ذوي المتوفين بالموافقة على التبرع بالأعضاء، وأشار القوفي إلى أسباب رفض الأهل لتعظيم حرمة جسد الميت، بحيث لا يسمح بالمساس به وخوفاً من تشويه الجثة، كما أن هناك اعتقاداً سائداً بأن الشخص المتبرع بأعضائه لا يكفن ولا يغسل، وهذا أمر نفاه المدير العام للمركز السعودي لزراعة الأعضاء، إذ تتخذ معه إجراءات الغسل والدفن حسب المتبع بالنسبة إلى حالات الوفاة الأخرى، بل يتم إغلاق الشق الجراحي بصورة تجميلية، وبذلك لا يؤثر التبرع بالأعضاء في المظهر الخارجي للجثة.
كيف تتم عملية الزراعة؟
بعد موافقة الأهل على إتمام عملية التبرع، وفي ما خص تفاصيل عملية زراعة الأعضاء ونقلها من الجثة إلى المريض، يبدأ الجراحون والممرضون في سباق مع عقارب الساعة، فالوقت ليس في صالحهم، ويقومون بإزالة العضو من المتبرع، وتبدأ أيادي الأطباء بنزع الأنسجة من الجسم ببراعة، وإعداد العضو لنقله إلى متلقيه الذي قد يكون على بعد ساعات بالطائرة، وبمجرد وصول العضو إلى وجهته، يمكن أن تبدأ عملية الزرع.
ويعد طب الزرع أحد أكثر مجالات الطب صعوبة وتعقيداً، وهناك مشاكل عدة، ولا سيما رفض الزرع، إذ تكون للجسم استجابة مناعية للعضو المزروع ما قد يؤدي إلى فشل عملية الزرع والحاجة إلى إزالة العضو على الفور من المتلقي، وفي حالات أخرى، من الممكن استخدام الأدوية المثبطة للمناعة لتقبل العضو الجديد.
وبالفعل، تبدو جراحة زرع الأعضاء وكأنها دراما تلفزيونية، إذ يركض العاملون الطبيون عبر ممرات المستشفى حاملين مبردات مليئة بأجزاء الجسم، لكن كل هذا الاندفاع يثير تساؤلاً عن المدة التي يمكن أن يستمر فيها العضو خارج الجسم ويظل مناسباً للزرع؟
بعد أخذ العضو من جثة المتوفى، توضع معظم الأعضاء في مخزن بارد، ما يعني أن العضو يوضع في مبرد مليء بالثلج، ويقوم الأطباء بغسل الأنسجة بمحلول وقائي لحماية العضو من التلف، وتحفظ في درجة حرارة تتراوح بين 32 و39 درجة فهرنهايت (بين صفر درجة مئوية و3.89 درجة) وتختلف فترة صلاحية كل عضو وغالباً ما تتراوح الفترة الزمنية بين أربع و36 ساعة.
ولأن القلب هو العضو البالغ التعقيد وأساس استمرار الحياة، فيفقد قابليته للحياة بشكل أسرع عند تخزينه، وينبغي وضعه في مخزن تبريد ثابت لأكثر من أربع إلى ست ساعات، إذ تبدأ وظيفة خلايا القلب بالفشل ويزداد احتمال حدوث خلل وظيفي في العضو في المتلقي بشكل كبير. وتأتي زراعة الكلى في صدارة عمليات زرع الأعضاء في السعودية، فقد وصل عدد المرضى المعالجين بالغسيل الكلوي إلى 21268 مريضاً منهم نحو 5856 مريضاً على لوائح الانتظار للاستفادة من زراعة كلية بالتبرع بعد الوفاة، وذلك لزيادة أعداد مرضى الفشل الكلوي، تليها زراعة الكبد في قدر الاحتياج بنحو 540 مريضاً بحاجة إلى زراعة كبد، أما القلب فالاحتياج فيه 120 مريضاً.
التبرع بالأعضاء لأجل البحث العلمي
إضافة إلى ما يقدمه المتبرع بعد موافقته على إعطاء بعض من جسده ليهب حياة أخرى لشخص يعاني علة ما، إلا أن للتبرع قيمة مضاعفة في مجال العلم، فمن خلال تبرعك بأعضائك للمختبرات والجامعات تسهم في تحقق خطوات جديدة للبشرية نحو التقدم، وهي خطوة أقرتها السعودية في نظامها الجديد بعد أن كانت تمانع استخدام الأعضاء لأغراض البحث العلمي، لكن اللائحة الجديدة لنظام التبرع بالأعضاء البشرية، الذي تم إقراره عام 2021 تنص على إمكان استخدام الأعضاء المتبرع بها لأغراض البحث العلمي في حال تسجيل الموافقة على ذلك أثناء توقيع إقرار التبرع.
فالنظام الجديد يسمح باستخدام جسم المتبرع لتعليم طلاب العلوم الطبية أو الصحية، ولتدريب الجراحين على الإجراءات الجديدة والبحوث، ومن الممكن بعد هذا القرار أن تقل نسبة استيراد السعودية الأعضاء من أجل البحوث العلمية، ولا توجد أرقام واضحة حول نسب الاستيراد ومبالغها بسبب تعدد الجامعات والجهات المسؤولة عنه، لكن ليست السعودية وحدها هي التي تستورد الأعضاء البشرية من أجل الأبحاث العلمية والدراسة بل يحدث في مختلف دول العالم تقريباً نتيجة كثرة كليات الطب ومحدودية المتبرعين.
وعن آلية التعامل مع أعضاء المتبرعين للأبحاث العلمية في السعودية، فيتم الأمر عبر اتفاقات أخلاقية تتعهد فيها الجهات العلمية بحفظ كرامة الإنسان واحترام العينات، ومن ثم دفنها بطريقة لائقة بعد الانتهاء منها بالتنسيق مع الجهات المختصة.