جرت العادة في ذكرى يوم الاستقلال بتونس، أن يجمع رئيس الجمهورية شمل جميع الأطياف السياسية والشخصيات الوطنية للاحتفال الرسمي بهذه الذكرى الوطنية، لكن منذ أن دخل قيس سعيد قصر قرطاج، أوصد أبوابه أمام الجميع م دون استثناء، وقطع مع عادات الاحتفالات الرسمية.
وقال سعيد في كلمة وجهها إلى الشعب إثر جلسة وزارية إن "الاستقلال التام هو أن يمارس الشعب سيادته كاملة داخل أرضه المستقلة"، مضيفاً أنه اختار عيد الاستقلال لوضع مراسيم تهمّ الصلح الجزائي من أجل استرجاع أموال الشعب المنهوبة.
لكن الاحتفال بعيد الاستقلال هذه السنة، تميّز بالتشتت بين مختلف الأطراف السياسية، فكان التباين على أشده، وكل جهة ارتأت أن تحتفل على طريقتها وفي مكان اختارته لدلالة سياسية ما، فاختار حراك "مواطنون ضد الانقلاب" بقيادة "حركة النهضة" التظاهر قرب مقر مجلس نواب الشعب المغلق منذ 25 يوليو (تموز) الماضي بأمر من رئيس الجمهورية، وذلك للمطالبة بعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها في تونس.
أما الحزب الدستوري الحر، فاختار أن يعقد اجتماعاً عاماً في قصر المؤتمرات بالعاصمة ليلفت إلى عدم رضاه عن الوضع في البلاد.
استنكار
وفي هذا السياق، عبّرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي عن استنكارها لما اعتبرته تغاضي السلطة عن إحياء ذكرى الاستقلال من خلال غياب مظاهر الاحتفال في الشوارع، أو بصفة رسمية داخل قصر قرطاج كما جرت العادة.
وقالت موسي "أستنكر بشدة إهمال مظاهر الفرح وغياب الدولة في ذكرى سيادة الوطن"، مضيفة "كما نستنكر تجاهل رئاسة الجمهورية لهذه المناسبة المهمة وعدم وجود موكب رسمي كما تعوّدنا عليه سابقاً للاحتفال بالعيد".
واستدركت "هذا التجاهل رأيناه في السنوات الأخيرة، بخاصة في حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي لا تعتبر تونس دولة مستقلة".
مفارقات كبرى
من جهة أخرى، وفي كلمة له أمام المحتجين بساحة باردو قرب مجلس النواب، دعا القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب" الحبيب بوعجيلة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الالتحام بالحراك ضد ما سمّاه بـ"الانقلاب" والرافضين لمسار 25 يوليو الماضي، الذي فرضه رئيس الجمهورية.
وفي ذكرى الاستقلال، جددت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية دعوتها إلى حوار وطني وحكومة إنقاذ وانتخابات عامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يقول المحلل السياسي مراد علالة أن التونسيين دأبوا، "سلطة وشعباً على إحياء ذكرى عيد الاستقلال على مر العقود، ولئن كانت السلطة حريصة على الاستئثار بالمناسبة واسثمارها وتوظيفها لإبراز الشرعية التاريخية للحكم، فإن عموم التونسيين كانوا يعتبرون 20 مارس (آذار)، وغيره من التواريخ الوطنية لحظة عزّ يقارعون فيها السلطة، ويؤكدون عبر إحيائها الاستعداد للتضحية وفاء للشهداء ومن أجل سيادة الوطن واستقلال قراره".
ويضيف علالة "من المفارقات الكبرى والكثيرة للأسف خلال العقد الأخير، انصراف حكام تونس الجدد عن الاهتمام بأعيادها الوطنية، وعشنا منذ 2011 على وقع احتشام أو لِنقُل صراحة، نكران لهذه المناسبات رسمياً واقتصار إحيائها على تعليق بعض اللافتات في الشوارع وإصدار عفو عن بعض المحكومين، إسوة بالنظام القديم".
ويرى أن "الغيرة كانت جلية في الأوساط الشعبية وكان التذمر وحتى الحسرة على الماضي، فيما عجزت القوى الوطنية منظمات وأحزاب على قلب المعادلات، لكن يُحسب لها أنها بقيت وفية لأعياد البلاد".
وهذا العام أيضاً وبعد الجدل والانقسام الحاد حول إحياء عيد الثورة الذي غيّره رئيس الجمهورية إلى 17 ديسمبر (كانون الأول) بدلاً من 14 يناير (كانون الثاني) والذي تمسّك به طيف واسع من التونسيين، يقول علالة "ها نحن نحيي الذكرى 66 للاستقلال وكأننا نعيش في السر، أو في العتمة أو أننا نخجل منه".
برود الاحتفالية
ويواصل في السياق ذاته، "صحيح أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية حادة الى أبعد الحدود وأن منسوب ثقة التونسيين بالحكم وبالمستقبل على حد سواء ضعيف، لكن لا شيء يبرر برود الاحتفالية في محطة هي الأهم بتاريخ تونس الحديث، بصرف النظر عن الموقف من سياقها وشكلها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة التي كان بالإمكان أن تكون أفضل بكثير".
ويرى علالة أن "عيد الاستقلال في 2022، كرّس أيضاً مرة أخرى الانقسام بين التونسيين، بين سلطة لا نعلم بوضوح موقفها ورؤيتها لتاريخ 20 مارس 1956 وبعده، وشعب منهك باتت أولويته رغيف خبز وبعضاً من الرز".
أما المنظمات والأحزاب بحسب تعبيره، "فكثير منها خارج الخدمة، والبقية فيها من تفطّن للعيد هذا العام، بعدما غاب عنه وغيّبه حين كان في الحكم، وهنا نقصد النهضة وشركاءها، ومن استجمع قواه من أجل تذكير الجميع داخل تونس وخارجها بأن الأعياد الوطنية استحقاق وحق وواجب على المواطنين في هذا الوطن الجريح".
وفي تدوينة له، كتب القيادي بـ"حركة النهضة" عماد الخميري "تزورنا هذه الذكرى الخالدة وهناك من يسعى حثيثاً لمنع الاحتفال وغمط إحياء ذكراه في عقوق بيّن لتفاصيل التاريخ".
وأضاف "الثورة التونسية قبسٌ من تاريخ الحركة الوطنية واستكمال لمسار التحرر الوطني، إذا ما تم إتمام أركانها وتحقيق أهدافها وترسيخ المعاني التي جاءت من أجلها وهذا دين كل الأحرار في هذا الوطن العزيز".