تشير نظرية فيزيائية جريئة إلى وجود محتمل لـ"كون مضاد" يسير فيه الزمن إلى الوراء، وقد وُجِدَ قبل حدوث "الانفجار العظيم" Big Bang. [حاضراً، ثمة توافق علمي على أن الكون ابتدأ في لحظة محددة عبر انفجار ضخم تضمن طاقة هائلة. ثم تحوّلت أقسام من تلك الطاقة إلى المادة التي تشكل كوننا. تسمّى تلك اللحظة باسم "الانفجار العظيم"].
يشير مفهوم "الكون المضاد" الذي ورد شرحه في ورقة بحثية حصلت على قبول بالنشر في مجلة "حوليات الفيزياء" Annals of Physics، إلى أن وجود هذا الكون يستند إلى ما يعرفه العلماء عن رسوخ تناظرات أساسية في الطبيعة، من قبيل الشحنة charge [كالشحنة الكهربائية في الإلكترونات التي تكون سلبية، مقابل شحنات إيجابية في نواة الذرة]، والتكافؤ parity [على غرار التبادل بين الطاقة والمادة، وفق نظرية آينشتاين]، والزمن time. يسمى هذا التناظر الأساسي اختصاراً تناظر "سي بي تي" CPT، وهي الحروف الأولى من التناظرات الثلاثة السابقة.
بصورة عامة، تخضع التفاعلات الفيزيائية لهذه التناظرات، [بمعنى أن بعض التفاعلات قد تخرج عن واحد منها]، لكن لم يلاحظ علماء الفيزياء أبداً انتهاكاً لقوانين التناظرات في الطبيعة، يشملها معاً في الوقت نفسه. لذا، يرى الباحثون أن انطباق تلك التناظرات على التفاعلات في الطبيعة، يوحي أيضاً بإمكانية انطباق مفهوم التناظر على الكون برمته.
على هذا الأساس، للحفاظ على هذا التناظر، لا يستبعد وجود كون بصورة معكوسة، كي يوازن وجود كوننا.
واستطراداً، فمن شأن النتائج المترتبة على ذلك الكون المفترضة، أن تقدم تفسيراً لوجود "المادة المظلمة" Dark Matter في كوننا. [المادة المظلمة تكونت بعد "الانفجار العظيم"، وتتميز بأنها لا ترى بل يُحَسُّ وجودها بفضل الجاذبية التي تمتلكها كتلتها، وكذلك فإن مواصفاتها مختلفة كلياً عن المادة العادية المألوفة. وبالتالي، فهناك طاقة مظلمة Dark Energy مرتبطة بتلك المادة، لكنها تعمل بطريقة غير مألوفة. ومثلاً، إنها تُباعِد بين أرجاء الكون على عكس الجاذبية التي تقربه من بعضه بعضاً].
وفي مثل عن مسألة "الكون المُضاد"، تبرز الجسيمات الفائقة الخفة، وهي دون ذرية، التي تسمى "نيوترينو" neutrinos. [تعتبر "نيوترينو" من أكثر المُكونات انتشاراً في الكون، لكن ضآلة وزنها، أو ربما انعدامه، وعدم تفاعلاها مع المادة، يجعل "التقاطها" أمراً عسيراً]. حاضراً، ثمة ثلاثة أنواع من الـ"نيوترينو" تسمى "نيوترينو إلكترون" electron neutrinos، و"نيوترينو ميون" muon-neutrinos، "نيوترينوات تاو" tau-neutrinos، وكلها تدور في الاتجاه الأيسر نفسه. [يعتقد بوجود نيوترينو بأنواع ترتبط بالـ"الأوتار" التي يفترض أن المُكونات الذرية وما دون الذرية تتألف منها، منها الميون والتاو]. وقد طرح فيزيائيون تساؤلات بشأن وجود محتمل لنيوترينوات تدور في الاتجاه الأيمن، بيد أنهم لم يكتشفوها أبداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالتالي، يؤدي افتراض وجود الكون المضاد إلى التفكير في وجود أحد تلك الأنواع الجديدة من النيوترينوات، ولكن لن تكتشفه تجارب فيزيائية، ولا يمكنه أن يتفاعل مع الكون سوى من خلال الجاذبية، على نحو ما تفعل "المادة المظلمة".
إذا كان هذا صحيحاً، فإن عدد النيوترينوات التي تدور إلى الجهة اليمنى في كوننا ستكون كافية لتفسير المادة المظلمة التي رصدها علماء الفيزياء، وفق ما ذكر الموقع الإخباري العلمي "لايف ساينس" Live Science. [توجد المادة المظلمة بكميات تفوق أضعافاً وجود المادة التقليدية المألوفة، لكن هذا التفاوت غير مفسر بشكل كافٍ علمياً حتى الآن].
صحيح أننا سنعجز عن الوصول إلى ذلك الكون المُضاد، لأنه موجود قبل "الانفجار العظيم"، لكن العلماء قد يستطيعون أن يختبروا صحة هذه الفرضية من عدمها. يرى هؤلاء أن أنواع "النيوترينو" الثلاثة المعروفة ستشكل في الوقت عينه الجسيمات المضادة بنفسها (وذلك خلافاً للإلكترونات مثلاً التي تسمى الجسيمات المضادة لها "بوزيترونات" positrons). يُعرف هذا التصنيف باسم جسيمات "ماجورانا" Majorana؛ وحالياً لا يعرف العلماء ما إذا كانت النيوترينوات تمتلك هذه الخاصية.
علاوة على ذلك، يجب أن يكون أحد هذه الأنواع الجديدة من النيوترينوات عديم الكتلة، وإذا كان في مستطاع علماء الفيزياء أن يقيسوا بشكل قاطع كتلة هذه الجسيمات دون الذرية، ويكتشفوا أنها لا تملك أي كتلة، من شأن ذلك حينها أن يعزز هذه النظرية.
أخيراً، ففي النموذج المقترح عن الكون المُضاد، لا يحدث ما يسمى التضخم الطبيعي للكون. معلوم أن شكلاً من التوسع أو التضخم [خضع له الكون في فترة وجيزة مباشرة بعد الانفجار العظيم] قد خلف، في اعتقاد الفيزيائيين، تأثيراً كبيراً على الزمكان إلى حد أن موجات الجاذبية غمرت الكون، ولكن في هذا الكون البديل تنعدم هذه الموجات. في حال لم تكشف التجارب وجود أي موجات أولية من الجاذبية، فقد تتبين صحة افتراض وجود الكون المضاد الذي يكون كأنه صورة مرآة عن كوننا، وفق تناظر الـ"سي بي تي".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 19 مارس (آذار) 2022
© The Independent