على غير العادة استقبل المصريون أول أيام فصل الربيع وهم ما زالوا يرتدون المعاطف والملابس الثقيلة، في ظل درجة حرارة لم تتخط 17 درجة نهاراً في العاصمة القاهرة، ليزيد الطقس حيرتهم، بخاصة أن المناهج الدراسية دائماً ما كانت تخبرهم بأن طقس بلادهم "حار جاف صيفاً دافئ ممطر شتاء".
لكن الشتاء الذي رحل رسميا الإثنين الـ 21 من مارس (آذار) شهد العديد من الموجات الباردة أكثر من المعتاد، مما دفع إلى التساؤل في شأن استمرار انطباق التوصيف التقليدي على الطقس الذي تغنّى به المصريون سابقاً "الجو عندنا ربيع طوال السنة".
وإضافة إلى برد الشتاء كان صيف العام 2021 الأكثر سخونة في مصر، مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها، وفق مركز الاستشعار عن بعد بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، إذ تخطت الـ 40 مئوية أكثر من مرة، كما أظهر تقرير للهيئة في أغسطس (آب) من العام الماضي أن هناك تغيرات بفصلي الخريف والربيع، خصوصاً في ما يتعلق بتكرار الموجات الرعدية والعواصف الترابية، إلى جانب كثير من الظواهر التي لم تكن معتادة خلال هذين الفصلين وباتت متكررة.
الاحتباس الحراري المتهم الأول
رئيس هيئة الأرصاد الجوية المصرية الأسبق أشرف صابر أرجع التغيرات الحادة في حال الطقس إلى ما يشهده العالم من ظواهر تغير المناخ والاحتباس الحراري، مؤكداً لـ "اندبندنت عربية" أن توصيف "حار جاف صيفاً دافئ ممطر شتاء" لا يصلح لوصف الطقس بمصر حالياً.
وعملت لجنة علمية مشكلة من وزارة البيئة المصرية وهيئة الأرصاد الجوية على درس بيانات الطقس خلال الـ 50 عاماً الماضية، بهدف إعادة توصيف الطقس ووضع خريطة مناخية للتنبؤ بالأحوال المناخية خلال العقود المقبلة. ورفض صابر، وهو أحد أعضاء اللجنة، الكشف عن تفاصيل الخريطة المناخية، مؤكداً أنه تم تقديمها لجهات الدولة.
وأشار صابر إلى أن فصل الصيف سيشهد زيادة الموجات الحارة، بينما سيشهد الخريف سقوطاً أكبر للأمطار، بخاصة على سيناء وجنوب مصر، أما في الشتاء فستتركز الأمطار على الساحل الشمالي، كما ينتظر أن يشهد الربيع ارتفاعاً في درجات الحرارة.
إرباك حياة البشر
من جانبه، أكد أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق علي قطب أن التغير المناخي والاحتباس الحراري سيستمران في إرباك حياة البشر على كوكب الأرض عبر تأرجح درجات الحرارة بين الارتفاع الحاد والانخفاض الشديد بمعدلات أكبر من المعتاد، مضيفاً لـ "اندبندنت عربية" أن الحرب الروسية - الأوكرانية وما يصاحبها حالياً من توترات دولية، "تؤدي إلى زيادة التوجه لاستخدام الوقود الأحفوري في تشغيل مصانع الصناعات الثقيلة والأسلحة، مما يزيد من مستويات التلوث ويعزز أزمة الاحتباس الحراري، إضافة إلى صرف أنظار الدول الكبرى عن دعم الدول الفقيرة في مواجهة تداعيات تغير المناخ، تنفيذاً لاتفاق باريس الموقع عام 2015".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف اعتماد بعض الدول مجدداً على الوقود الأحفوري كمصدر طاقة بديل بسبب الحرب في أوكرانيا، بأنه "جنون يهدد أهداف المناخ العالمية".
وقال غوتيريش، الإثنين الماضي إن هذه الإجراءات قد "تغلق النافذة أمام الأهداف المناخية في اتفاق باريس".
إعادة توصيف الطقس
وفي شأن وضع توصيف جديد للطقس في مصر، قال قطب إن الدورة المناخية تستغرق 30 عاماً، لذلك فإنه على الرغم من التغيرات المناخية التي يلمسها الجميع خلال السنوات الأخيرة، والتي يتوقع استمرارها خلال الأعوام المقبلة، فإن إعادة توصيف الطقس من الناحية العلمية يتطلب درس الظواهر المناخية لمدة لا تقل عن دورة مناخية (30 عاماً).
رئيس مركز التنبؤات والإنذار المبكر بهيئة الأرصاد الجوية المصرية محمود شاهين قال إن الهيئة تواصلت مع وزارة التربية والتعليم لبحث تغيير توصيف المناخ في مصر بالمناهج التعليمية، بخاصة مع الظواهر الجديدة التي يشهدها العالم، إذ ترى الهيئة أن درس تغيير وصف مناخ مصر بات ضرورة.
وأوضح شاهين في تصريحات تلفزيونية أن الدراسات الأولية أظهرت تغيرات في فصلي الخريف والربيع في مصر، خصوصاً في ما يتعلق بتكرار الموجات الرعدية والعواصف الترابية، إلى جانب كثير من الظواهر التي لم تكن معتادة في هذين الفصلين، وباتت متكررة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل يختفي الربيع؟
من المعروف أن فصل الربيع بالنصف الشمالي من الكرة الأرضية يبدأ في الــ 21 من مارس (آذار) كل عام، إلا أن مناخ مصر والعالم حالياً لا يعترف بالمواعيد الفلكية لبداية ونهاية الفصول، وفقاً لأستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية المصري محمد فهيم.
وأشار فهيم في تصريحات لصحف محلية إلى أنه خلال السنوات الأخيرة الماضية انقسم الربيع بين برودة الشتاء القاسية وحرارة الصيف المرتفعة، مؤكداً أن العام أصبح منقسماً بين الصيف والشتاء فقط. وأضاف أن مصر قد تودع فصل الربيع الذي وصفه بـ "المهدد بالانقراض" خلال السنوات المقبلة بسبب التغيرات المناخية، لافتاً إلى أن امتداد فصل الشتاء أو بداية الصيف مبكراً قد يزيحان الربيع من الخريطة المناخية بمصر، لتشهد تقلبات بين الطقس البارد والحار.
تداعيات التغير المناخي أدت إلى ارتفاع منسوب مياه البحار مما يزيد خطر الفيضانات الكارثية وتغير أنماط الطقس، مما يهدد الإنتاج الزراعي في العالم أجمع، فضلًا عن ظواهر سلبية أخرى تضرب بعض البلدان مثل نقص المياه وموجات الصقيع والارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
ويرجع السبب الرئيس في التغير المناخي إلى الاحتباس الحراري الناتج من ارتفاع غير مسبوق على مدى عشرات السنين من تراكم انبعاثات الغازات المسببة لهذا الاحتباس، ويناشد العلماء الحفاظ على نسبة ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأقل من 1.5 درجة مئوية خلال القرن الحالي، لأن ذلك بات أمراً ضرورياً للحد من الأضرار.
وبحسب إحصاءات وزارة البيئة، لا تتعدى انبعاثات مصر من الكربون 0.68 في المائة من إجمال الانبعاثات العالمية، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 على هامش مشاركتها في فعاليات مؤتمر المناخ بجلاسكو في بريطانيا (كوب 26)، بهدف التكيف مع تداعيات تغير المناخ والحفاظ على النظم البيئية، وفق تصريحات سابقة لوزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد.
وتستضيف مصر الدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف اتفاق الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ.